المقالات الأدبيةغير مصنف

قصيدة البحيرة Lelac   أشهر قصيدة شعرية رومانسية في التاريخ

 

عندما كان الشاعر الفرنسي ” الفونس لامارتين ”  في رحلة علاج على شاطئ بحيرة(بورجيه ) وهو في السادسة والعشرين من العمر, ولمح وهو يتمشى صدفةً امرأة تكبره بستة أعوام, تدعى جوليا شارل (في الثانية والثلاثين من العمر .. متزوجة من رجل يكبرها بثمانية وثلاثين عاماً) وهي تحاول أن تضع حداً لحياتها (الانتحار )بعد أن أتعبها المرض وبدأ اليأس يتسلل إلى نفسها.

في تلك اللحظة التي شارفت على الغرق خرجت لها يد لامارتين المنقذة .. تعلقت جوليا بمنقذها وأحبته وبادلها الحب, كانا يتنزهان على ضفاف البحيرة واتفقا على أن يكون حباً روحياً سامياً عن الرغبات الجسدية, وطلبت منه إن هي ماتت قبل أن تراه في العام القادم أن يرثيها بقصيدة من قصائده .. واتفق معها على اللقاء في مدينة ( اكس ليبان )، لكنه حين عاد في الموعد لم يجد أمامه سوى الوحدة التي راحت تفترسه بلا رحمة، فراح يستذكر أيامه الخوالي ويرثي حبيبته وأوفى برغبتها وخلد أسمها فرثاها بهذه القصيدة التي كانت ومازالت من روائع الشعر العالمي.

لم يصرح لامارتين أو يكشف حقيقة حبه لجوليا علناً, بل رمز لها بـ (الفيرا) في الرواية التي كتبها باسم (روفائيل), وفي تلك الرواية تخيل صديقاً له اسمه روفائيل, بدلاً من أن يذكر أنه المعني بهذا وأطلق على جوليا (الفيرا) حتى لا يعلم زوجها بعلاقة الحب التي جمعتهما ..

وكذلك لشدة عشقه لها أسمى ابنته على اسم جوليا شارل , أمّا في رواية (روفائيل) يذكر أن هذا الصديق مات وترك مخطوطاً ذكر فيه كيفية تعرفه على (الفيرا) وكيف قام بإنقاذها من الغرق, ووقوعه في حبها, ويصف الصراع بين الرغبة الجسدية والوصال وبين الطهارة التي تسامت على تلك الرغبات.

و(الفونس لامارتين) أحد أكبر شعراء المدرسة الرومانسية الفرنسية, وأحد عمالقة أدباء القرن التاسع عشر, ، ذلك القرن الزاخر بالعمالقة من الأدباء، والذي ظهرت فيه المدارس والاتجاهات الأدبية والفنية والفكرية  المتنوعة

ولد الفونس لامارتين عام21\10\1790 في مدينة ماكدن بعد عام واحد من قيام الثورة الفرنسية, لأسرة ثرية من النبلاء, ودرس في مدرسة اليسوعيين في ماكدن, حيث تفتحت قريحته هناك على حب الشعر وعلى شعر ( فرجيل ) و ( هوراس ) على وجه الخصوص، و أقحم نفسه في شبابه في السياسة, ليصبح أحد أقطاب المعارضة البارزين, ومن ثم على رأس الحكومة المؤقتة وشغل منصب وزير الخارجية والعديد من المناصب الرفيعة  بعد ثورة عام 1948,وبعد أن أفل نجمه السياسي وقع في ضائقة مالية خانقة, فباع بيته ثم طلب معونة حكومية إلى أن توفي  في 28\2\ 1869.

وكما هيمن الفونس لامارتين على عالم السياسة فقد هيمن على عالم الشعر, مثلما هيمن (شاتو بريان) على عالم النثر، وقد ترك لنا أعمالاً شعرية مهمة هي في غاية الروعة والكثير من النصوص القصصية والكتب التاريخية المهمة, لكن تظل قصيدة البحيرة هي الأكثر تأثيراً والأكثر حظاً في الخلود والانتشار.

تعد قصيدة البحيرة Lelac واحدة من درر الشعر العالمي، وقد تبارى الشعراء والمترجمون العرب في نقلها إلى العربية وكان أول من فعل ذلك : احمد حسن الزيات عام 1925 , ثم تلاه الشاعر علي محمود طه عام 1926 , ثم إبراهيم ناجي , والدكتور نقولا فياض , ثم قام الدكتور محمد مهدي البصير من العراق بترجمتها عام 1938 , وبعده عبد الرزاق حميدة عام 1948 , ثم الشاعر محمود المحروق عام 1955 , ثم محمد اسعد ولاية , وزكي نجيب محمود, وكان آخرهم الدكتور مجيد مغامس أستاذ الأدب الفرنسي في الجامعة المستنصرية.

ومع كل هذه الترجمات، فإنها عجزت جميعاً من نقل روح الشاعر ولوعته، فترجمة الشعر هي الأشد صعوبة، ومن يقرأ القصيدة بنصها الأصلي يحس بذلك، الدفق المنساب بين الصدور، دفق فيه عذوبة واسى لم تستطع أي من الترجمات الوصول إليه، لا لقصور من المترجمين، ولكن لطبيعة الشعر من كل لغة، وصعوبة نقله من لغة إلى أخرى من غير أن يفقد ألقه وتوهجه وروحه الخالصة.

والفيديو جزء من القصيدة الكاملة

 

القصيدة وترجمها شعرياً : د.نقولا فيّاض

 

أهـكـذا أبداً تمضي أمانـيـنـا ======== نطوي الحياةَ وليلُ الموت يطوينا

تجري بنا سُفُنُ الأعمارِ ماخرةً ======== بحرَ الوجودِ ولا نُلقي مراسينا؟

بحيرةَ الحبِّ حيّاكِ الحيا فَلَكَمْ ======== كانت مياهُكِ بالنجوى تُحيّينا

قد كنتُ أرجو ختامَ العامِ يجمعنا ======== واليومَ للدهر لا يُرجى تلاقينا

فجئتُ أجلس وحدي حيثما أخذتْ ======== عني الحبيبةُ آيَ الحبّ تَلْقينا

هذا أنينُكِ ما بدّلتِ نغمتَهُ ======== وطال ما حُمّلتْ فيه أغانينا

وفوق شاطئكِ الأمواجُ ما برحتْ ======== تُلاطم الصخرَ حيناً والهوا حينا

وتحت أقدامها يا طالَ ما طرحتْ ======== من رغوة الماءِ كفُّ الريحِ تأمينا

هل تذكرين مساءً فوق مائكِ إذ ======== يجري ونحن سكوتٌ في تصابينا؟

والبرُّ والبحر والأفلاكُ مصغيةٌ ======== مَعْنا فلا شيءَ يُلهيها ويُلهينا

إلا المجاذيفُ بالأمواجِ ضاربةً ======== يخالُ إيقاعَها العشّاقُ تلحينا

إذا برنّة أنغامٍ سُحرتُ بها ======== فخِلتُ أن الملا الأعلى يُناجينا

والموجُ أصغى لمن أهوى، وقد تركتْ ======== بهذه الكلماتِ الموجَ مفتونا :

يا دهرُ قفْ، فحرامٌ أن تطيرَ بنا ======== من قبل أن نتملّى من أمانينا

ويا زمانَ الصِّبا دعنا على مَهَلٍ ======== نلتذُّ بالحبِّ في أحلى ليالينا

أجبْ دعاءَ بني البؤسى بأرضكَ ذي ======== وطرْ بهم فهمُ في العيش يشقونا

خُذِ الشقيَّ وخذْ مَعْه تعاستَهُ ======== وخلّنا فهناءُ الحبِّ يكفينا

هيهات هيهات أن الدهرَ يسمع لي ======== فالوقتُ يفلت والساعاتُ تُفنينا

أقولُ للّيل قفْ، والفجرُ يطردُهُ ======== مُمزِّقاً منه سِتراً بات يُخفينا

فلنغنمِ الحبَّ ما دام الزمانُ بنا ======== يجري ولا وقفةٌ فيه تُعزّينا

ما دام في البؤس والنُعمى تصرّفُهُ ======== إلى الزوال، فيَبْلى وهو يُبلينا

تاللهِ يا ظلمةَ الماضي، ويا عَدَماً ======== في ليله الأبديّ الدهرُ يرمينا

ما زال لجُّكِ للأيام مبتلِعاً ======== فما الذي أنتِ بالأيام تُجرينا؟

ناشدتُكِ اللهَ قُولي وارحمي وَلَهي ======== أتُرجعين لنا أحلامَ ماضينا؟

فيا بحيرةَ أيامِ الصِّبا أبداً ======== تبقين بالدهر والأيامُ تُزرينا

تذكارُ عهدِ التصابي فاحفظيه لنا ======== ففيكِ عهدُ التصابي بات مدفونا

على مياهكِ في صفوٍ وفي كدرٍ ======== فليبقَ ذا الذكرُ تُحييه فيُحيينا

وفي صخوركِ جرداءً معلّقةً ======== عليكِ، والشوحِ مُسْوَدِّ الأفانينا

وفي ضفافكِ والأصواتُ راجعةٌ ======== منها إليها كترجيع الشجيّينا

وليبقَ في القمر الساري، مُبيِّضةً ======== أنوارُه سطحَكِ الزاهي بها حينا

وكلَّما صافحتْكِ الريحُ في سَحَرٍ ======== أو حرّكتْ قَصَباتٌ عِطفَها لينا

أو فاح في الروض عطرٌ فليكنْ لكِ ذا ======== صوتاً يُردّد عنا ما جرى فينا

أحــبــَّهــا وأحبـّـَــته، وما سلـمــا ======== من الــردى، رحــمَ اللهُ المحبّينا

قراءة ممتعة ..

اظهر المزيد
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى