أدب و ثقافةروايات و قصص

ينهالون علي

فريدة شقير

بمنزلي:
أقف بغرفتي مزهوة بحالي أنظر لمرآتي بدلال.. قد وضعت مساحيق التجميل البسيطة، ووضعت عطره المفضل.. قد أتاني به كأول هدية عيد ميلاد منه و به أعلن حبه و عشقه الأبدي لي.. أرتدي فستان أحمر أنيق ينسدل علي، أختال به ، أضرب الأرض بقدمي، و يُسمع صدى كعبي العالي.. هكذا أردت ان أكون.. بأبهي صورة كالأميرات.. فاليوم هو عيد زواجنا الأول و سيأخني عزيزي لنتحفل سوياً.. أرادها مفاجأة لي و لكني أعلم أنها ستكون أجمل ليالي العمر.. فحبيبي معي.. دوماً و أبداً

ليلاً و بزقاق مظلم:
و بذلك الزقاق البغيض أشتم رائحته النتنة .. كان ثملاً لا أحتمل سكرات أنفاسه الحقيرة و هي تجتاح جسدي و تنهال على رقبتي و هو يكبلني جيداً .. لم أجرؤ على فتح عيناي.. فقد أغمضتهم حتى أشعر و كأن هذا مجرد حلم.. مجرد كابوس و سأصحو و أجدني بين ذراعي عزيزي نرقص سوياً تحت نور القمر الخافت على ضفاف النيل بمياهه الهادئة .. نتراقص على أنغام رقيقة تسطر عشقنا و تخلد ذكرى هذا الحب .. و لكن هيهات هيهات لما يحدث و لما أراه بخلدي .. فأنا ثابتة كالحجر .. ثابتة و أنا أنتهك و لا يتهدج صوتي أبدًا.. كم أكره حالي الآن و لكني مصدومة و أشعر بأنفاسي و هي تتباعد عني و كأنني سأفارق عالمي و لكن… ها أنا هنا و قد وضعت حاجباً يحجبني عن ذلك القذر حتى و إن كانت أصابعه الدنيئة تلامسني.. أنا محجوبة عنه .. أنا لحبيبي.. حبيبي فقط

وبعد أن أنتهي كل شيء….
ينهالون علي .. يتضاربون من حولي.. يتسابقون علي.. ينهالون علي بالضربات الموجعة واحدة تلو الأخرى.. كحبات المطر تهطل سيولاً.. كسلاسل من خوف تكبلني تكبيلا.. لم أنا؟؟ أتساءل دوماً و أتذكر تلك الحادثة التي جعلتني أتواصل معهم!!!
أتذكر يوم أن خارت مني قواي و سقطت مغشياً علي بعد فقداني لعزيزي.. عزيزي و أنيس روحي و كياني .. عزيزي و بأسي و سر قوتي.. أتذكر فقدانه جيداً .. و كأنها البارحة حادثة الوفاة.. كنا معاً نتمشى سوياً في هدوء، تحت النجوم بليلة هادئة ساكنة .. و اذ فجأة تخرج علينا عصابة من صعاليك يطالبوننا بكل ما أوتينا من أموال و ممتلكات.. خفت و صرت أحتمي بعزيزي الذي أخذ بزمام الأمور و صمد بجلده و صرامته و رفض تمامًا مطالبهم .. و اذا بهم ينهالون عليه ضرباً تارة و طعناً بالسكاكين تارة و أنا بمكاني مثبتة و كأنني منصهرة بما تحتي من الأرض ! حتى أني لم أصرخ من هول مصيبتي.. و بعد أن انتهوا منه.. اذ بهم بلاحقونني بنظراتهم الخبيثة و علمت لحظتها مرادهم مني.. صرت أجري هاربة و لكن أين المفر ؟؟؟ وجدتني أحتمي بزقاق مظلم.. و جاء أحدهم جذبني بقوة و كممني و همس لي.. لو فقط اخرجتي الهمسة سأقتلك.. فلتثبتي حتى أنتهي منك !!! صرت أتوسله و أتوسله ..دون رحمة.. أخدني بقوة و حدث ما حدث.. تبعثرت مني كرامتي و قوتي.. تلاشت أنوثتي و صرت كائناً يتنفس دون حياة ! لم أجرؤ حتى بعدها على النظر لمرآتي أو بعيون أحبائي.. فأنا متسخة و لا يمكنني ان أطهر أبداً…!! يا له من عار.. كيف لي ان أخبئ مصيبتي … كيف لي أن تسيل دموعي ؟؟؟
وجدتني بعدها أضع قناع الحياة حتى أنضم لعزيزي… و منذ ليلتها و كل ليلة و أنا أرى وجوههم الكريهة و أيديهم و هي عالية مرتفعة و كأنهم يحتفلون بنصرهم.. أراهم يقبلون أقدام الشيطان و يقدمونني قرباناً له و عيونهم تحرقني و لكن… أرى في الأفق البعيد نوراً.. ما هذا النور الساطع؟؟ هو عزيزي يقف ثابتاً هادئا.. أراه مبتسماً لي و بكامل أناقته كعادته دوماً.. أراه مشيراً لي فاتحاً ذراعيه و كأنه يناديني… أدخل نحوه و لكن أراه يبتعد عني و يقول.. ليس بعد حبيبتي .. ليس بعد … ثم أجد تلك العيون و تلك الأيادي المرتفعة المبجلة لشيطانها ترمقني .. فاستعيذ بربي منهم فيتبعثرون من حولي كما تتبعثر حبات الحصى!!!

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
زر الذهاب إلى الأعلى