وحوش الإنترنت وصراعات الكبار!
صراعات جوجل – فيس بوك – آبل – مايكروسوفت – علي بابا - أمازون

بقلم: حسام الدين عوض
بين “أكشن” الصعود .. و “دراما” الانهيارات!
في مطلع عام 1995 ، افتُتِحَتْ شركة “ياهوو” التي أصبح مالكاها ضمن أكثر سكان العالم ثراءاً في غضون عامين فقط! حيث احتلت الشركة في عام 97 المركز الثاني ضمن أشهر مواقع الانترنت خلف شركة أمريكا أون لاين للإعلام “AOL”!! (هل تسمع لها ركزاً؟) صعدت “ياهوو” بفضل خدمة البريد الإلكتروني الرائعة ، فضلاً عن محرك البحث وتطبيق “ماسنجر” للمحادثات والدردشة.
في عام 2008 عرض عملاق البرمجيات “مايكروسوفت” الراغب في احتكار خدمة البريد الإلكتروني وقصرها على “هوتميل” ، -عرض- مبلغ 44 مليار دولار أميريكي لشراء “ياهوو” ، وقد عدّه الخبراء أكبر عرضٍ تلقته شركة انترنت ، إلا أن “ياهوو” رفضت ذلك العرض السخي واعتبرته مهيناً لها حيث قدر مدراؤها قيمتها السوقية بـ 125 مليار دولار! ثم سطرت بداية عصر الدوت كوم المزدهر نهاية تألق ياهوو ، إذ تعرضت أسهمها لهبوط مروع من 118 دولاراً أمريكياً للسهم الواحد إلى 4 دولاراتٍ فقط! ومع الصعود الصاروخي لـ “جوجل” تراكمت المشاكل في “ياهوو” التي وجدت نفسها مرغمةً في النهاية على قبول 4.8 مليار دولار من “فيرايزون” عملاق الاتصالات الأميريكية ، وذلك بعد مرور 8 سنوات على عرض “مايكروسوفت”! وربما كانت حسنة “ياهوو” الوحيدة هي أسهمها في شركة “علي بابا” للتجارة الالكترونية (تمتلك “ياهوو” حالياً حصة تقدر بـ 15% في “علي بابا”)
“علي بابا” التي تبلغ قيمتها السوقية الحالية 350 مليار دولار ، تحكي بدورها قصة مذهلة للصيني “جاك ما” الذي فشل يوماً في الحصول على وظيفة كعامل نظافة في أحد فروع “كنتاكي” وغشيه عندها من الهم ماغشيه! لكنّه لم يتوقف عن المحاولة منذ 95 وحتى أصبح اليوم يمتلك أكبر موقع للتجارة الإلكترونية في العالم ، فضلاً عن ثروة شخصية تفوق الـ 20 مليار دولار أميريكي! أما التداولات على مجموعته فهي ضعف حجم تداولات شركة أمازون ، وثلاثة أضعاف حجم إي باي eBay ، وتفوق التجارة الخارجية لدول عظمى مثل السويد والنمسا والنرويج.
قد يتساءل البعض .. لماذا لم تتقدم “جوجل” بعرضٍ لشراء “ياهوو” مثلما فعلت “مايكروسوفت”؟ الإجابة: لأن الشابين “لاري بيج” و “سيرجي برين” الذين ابتكرا فكرة محرك بحث “جوجل” كانا قد تقدما قبلها بسنوات بطلبٍ لـ “ياهوو” وتحديداً في العام 98 لتمويل فكرتهما الألمعية ، لكن “ياهوو” رفضت تمويل الفكرة لعدم جدواها! هل يُذَكِّرُكَ هذا بمأساة “نوكيا”؟ التي رفضت يوماً عرض “أندي روبن” لتبني نظامه العبقري “أندرويد” في هواتفها ، فماكان منه إلا أن شد رحاله قِبَلَ “جوجل” التي أحسنت استقباله ، وأكرمت وفادته.
وبمناسبة خطايا “ياهوو” ، فقد لايعلم البعض أن “مارك زوكربيرج” الذي أسس مع شركائه الأربعة “فيسبوك” كان يتفاوض على بيعه لـ “ياهوو” في عام 2006 (بعد تأسيسه بعامين) بمبلغ مليار دولار! لكنّ فريق “ياهوو” بقيادة “تيري سيميل” والذي وُصِفَ بأنه أسوأ مدير تنفيذي في تاريخ التقنية ، رأي تخفيض المبلغ إلى 850 مليون دولار أميريكي مما أدى إلى إفشال الصفقة!
الإعلانات الرقمية ، ومستقبل كارثي يتهدد الصحافة الورقية
بينما تمتلك “جوجل” حالياً معظم مفاصل شبكة الانترنت بفضل تطبيقاتها الفريدة ، فإن “فيسبوك” تمتلك ملياري مستخدم حول العالم (قامت مؤخراً بشراء تطبيق واتس أب) ، أما “آبل” فهي تمتلك الهاتف الأكثر شهرة وتداولاً في أيدي الناس “آيفون” ومحفظة نقدية فائضة تفوق الـ 200 مليار دولار !! ومع نظام التشغيل الأخير IOS 9 وخاصية حجب المحتوى ، فإن آبل حاولت توجيه ضربةٍ في صدر “جوجل” للتأثير على أرباحها! لكنّ هذا لم يؤثر كثيراً على استحواذ شركتي “جوجل” و “فيس بوك” على 70% من حصة الإعلانات الرقمية في العالم ، والتي بلغت ٧٢ مليار دولار في العام 2015 ، في حين تراجعت إيرادات الصحف الأمريكية من الإعلانات من 50 مليار دولار منذ 10 سنوات إلى 18 مليار دولار فقط ، وهو الأمر الذي بات يهدد بإغلاق الصحف المقروءة في المستقبل غير البعيد ، بسبب اختفاءٍ وشيك للإعلانات على صفحاتها.
أوهام الخصوصية!
تقول الأسطورة إنك لو قرأت اتفاقات الخصوصية لكل ماتستخدمه من برامج فسوف تنفق سنواتٍ من عمرك ، وهو الأمر الذي يحمل الناس على الموافقة عليها دون دراسة بنودها ، وربما لايعلم أكثرنا أن الضغط الاضطراري! على زر الموافقة هذا ، يعني أنك قد منحت تلك الشركات حق انتهاك خصوصيتك ، بمحض إرادتك! فخرائط جوجل ترصد تحركاتنا اليومية! وصفحات “فيس بوك” شاهدةٌ على شبكاتِ معارفِنا فضلاً عن مكنون أنفسنا المعرفيِّ والعاطفيّ ، وأما هواتفُنَا المحمولة فهي تتنصت علينا حتى ونحن في دورات المياه!
صراعات الهوية – ومؤثرات الاستبداد السياسي
لازال العالم يذكر صورة (فتاة النابالم) التي التقطتها عدسات مراسل “أسوشيتيدبرس” في عام 72 وكانت لفتاةٍ تجري عارية لإصابتها بحروقٍ شديدة بعد دقائق من إلقاء المقاتلات الأميريكية قنابل النابالم إبان الحرب الفيتنامية ، كان رئيس تحرير إحدى الصحف الشهيرة في النرويج قد قام بإعادة نشر هذه الصورة مع أحد مقالاته ، فقام موقع “فيس بوك” بحذفها حيث اعتبرها مخالفةً لمعاييره الصارمة المتعلقة بنشر الصور الإباحية!! ثم وعلى وقع أصداء الانتقادات الموجعة التي وجهت للموقع على لسان رئيسة وزراء النرويج شخصياً ، تراجع “فيس بوك” وقرر السماح بنشر الصورة مجدداً.
في نفس البلد (فيتنام) .. تم القبض مؤخراً على مهندس كمبيوتر ، كان قد كتب في حسابه الشخصي على “فيس بوك” قصيدة ينتقد فيها الحكم الشيوعي! وقد التقت “مونيكا بيكرت” رئيسة الإدارة السياسة العالمية فى “فيس بوك” مع مسؤول فيتنامى رفيع المستوى ، حيث تعهدت بإزالة المعلومات التى تنتهك قوانين البلاد ، وصرحت على إثر ذلك الاجتماع أن سياساتهم فى فيتنام لم تتغير ، وأنهم يقومون بالتنسيق مع الحكومات للإبلاغ عن المحتوى (غير القانونى!!).
أما في الصين ، فقد ضغطت الحكومة على الشركات بغية الوصول لبعض البيانات ومراقبة المستخدمين ، وحيث رفضت “جوجل” ذلك الابتزاز فقد أدى ذلك لحجبها مثلما ثم حجب موقع “فيس بوك”! أما “ياهوو” فقد قررت الاتفاق مع الحكومة الصينية ، وبهذا ربحت وجودها داخل الصين لكنَّها خسرت ثقة المستخدم.
أمتنا ..التي لاتراوح مكانها !
حيث تعتبر دول العالم المتقدم (تداول المعلومات والأفكار) حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان ، فإن أكثر دولنا العربية قد قامت بحجب المواقع الإخبارية التي تقدم محتوىً معارضاً لسياساتها! وذلك في ثنايا حجب بعضها للمواقع الإباحية (ألا يذكرك هذا؟ برئيس راحلٍ لواحدةٍ من دولنا العربية ، حينَ قرر تعديل دستور بلاده بإضافة بند “مدد رئاسية” فأدرج معها تعديل مادة “الشريعة الإسلامية” لتصبح “المصدر الرئيسي” بدلاً من “مصدراً رئيسياً” ولينال بذلكَ تصفيقَ الجماهيرِ الهادرةِ الغيورةِ على دينها!)
وفيما تشتعل هذه المنافسات الشرسة بين عمالقة التكنولوجيا بالقرب من سان فرانسيسكو حيث وادي السيليكون ، فإنّ الأدخنة الطائفية لاتزال تتصاعد لتغطي سماوات بلادنا العربية والإسلامية!
وبينما هم يتجادلون في إشكالية الهوس التقني لدى الأطفال .. نتجادل نحن في حكم كشف وجه المرأة!
وكأني بهم وهم يتبادلون اتهامات الاحتكار .. ثم نتبادلُ نحنُ شتائم العمالة / الخيانة التي يلقيها مؤيدو الانقلابات العسكرية / معارضوها ، وذلك بعد أن أنهينا -مؤخراً- الجدل حول الجهاز المذهل! الذي يعالجُ مرضَى الإيدز وفيروس سي بـ (صباع كفتة)!
وحيثُ استقرَّت أغنى دول منطقتنا العربية على الرؤيا التي صاغها مليكها لعام 2030 ، وبدأتها بتحصيل الرسوم من المقيمين ، والتخلص من عبئ السائقين الأجانب بمنح المرأة حق قيادة السيارة! بُعَيْدَ أن منحتِ السيارةُ لنفسِهَا في أوروبا حقَّ قيادتِهَا الذاتية!