أخبار أدبيةأخبار متنوعة

وجهة نظر عن ليلة قتل جميلة للكاتبة إيمان صلاح بقلم الكاتب حاتم سلامه

نهاد كراره

بقلم/ حاتم إبراهيم سلامة
المجموعة القصصية ليلة قتل جميلة
.
من اللحظة الأولى التي تقرأ فيها إهداء المجموعة القصصية (ليل قتل جميلة) للكاتبة الواعدة (إيمان صلاح) تدرك من بين السطور حسا أدبيا لا يمكن إغفاله، ويناديك ويهتف بك أن أكمل وتدفق بناظريك إلى جوف الصفحات..
في هذه المجموعة القصصية الرصينة، استطاعت الاديبة إيمان صلاح أن تجسد في المشهد الأول حياة إنسان بائس، بائس في كل شيء، تعيس في كل شيء، لا حظ له من الهناء والاستقرار، لا في نشأته بين والديه، ولا مع تلك الفتاة التي أجبها ولكنها لم تحبه إلا للمال لتنفق على نفسها وأهلها خاليا قلبها من حبه كما يحبها.
الكاتبة إيمان صلاح لا تسرد سردا حواريا، أو تقص حكاية، وإنما تستوقفنا بين الحين والحين، في محطات تأمل، حتى تدعونا لدراسة وتأمل الحالة الإنسانية والموقف الغريب المثير، الذي أصاب الحالة التي تتحدث عنها، كقولها في تفسير حالة راغب وهو يحب العيش في الظلمة:
” لم يحب العتمة؟ هل لأنها تستر أوجاعه وتحجب أفكاره المميتة؟” وهي فلسفة يتبعها الأديب النابه حتى يزيد من تفاعل القارئ، ويزيد من تجسيد الشخصية في عقل المشاهد.
وفي القصة الأولى من المجموعة، تحت عنوان (ليلة قتل جميلة) لفتت الاديبة ايمان إلى عنصر التربية والنشأة في خلق وإيجاد إنسان سوي مستقيم، وكذلك العكس حينما تكون بيئة ظالمة متفسخة، فلا يخرج منها إلا أبناء يلازمون في حياتهم عيادات الأطباء النفسيين كما حدث لراغب.
كما أشارت قصتها إلى العقدة التي تصيب المرء لو وجد خيانة أو غدرًا أو كرهًا من المرأة، التي أعطاها كل شيء فقد، ظلت نظرته للمرأة الجميلة سوداء، وصار معتقده عنها أنها طالبة للمال ليس إلا.!
الأديبة إيمان صلاح أثبتت أنها رائعة في صنع المقدمات الوصفية، التي تسبق توصيف أي مشهد، والتي اعتاد كثير من القصاص أن يدرجوها في قصصهم، كبداية ينطلقون منها، وبعدا إلى أحداث القصة، وهي مشاهد تجسيدية تصور للقارئ، تلك الحالة العامة التي يعيش فيها أبطال الحدث، مثل قولها في بداية القصة:
(كان الليل قائما في ليلة احتضنها الكون بأذرع واهنة، السماء مليئة بالسحب المتفرقة والقمر في كبدها مذبوح، يشوب شعاعه حمرة في ليلة دامية قتل فيها القمر على مسمع من كافة الأفلاك، اختفت النجوم فزعا، وراح الكون ينتحب في صمت رهيب امتد مداه لمنزل راغب بإحدى أحياء القاهرة الراقية)
وقولها كذلك في بداية مشهد آخر: (نسمات هواء تعبث بالستائر المعلقة أمام نافذة غرفتها التي تطل على الشارع مباشرة، رائحة عطرها تمتزج بتلك النسمات، المنزل هادئ كهدوء المنطقة حولها)
ولا شك أن الكاتبة حينما نقرأ أحداث قصتها الأولى، نشعر أنها قست على المرأة من بنات جنسها، حين صورتها أنها تبيع جسدها وجمالها من أجل المال، ومن أجل تحقيق حلمها، ومهما كان الثمن فإن العاقبة كانت وخيمة، لأن البداية كانت خطأ.. حينما فقدت حياتها على يد هذا المطلب نفسيا راغب الذي انتحر بطلقة من مسدسة بعد أن قتل من أحبها، ولكن يبقى التساؤل للكاتبة: لماذا أطلقت على القصة هذه العنوان (ليلة قتل جميلة)؟ فأنا لم أر أي جمال في هذه القصة المأسوية التي انتهت بدماء الطرفين.؟! إلا جمالا واحد فقط وهو جمال المأساة فهل هذا ما تقصده الكاتبة؟
ثم وضعتنا الكاتبة في حيرة شديدة، حينما استخرجت الشرطة من جيب راغب ورقة مكتوب فيها ثلاثة سطور لا ينطق بها إلا الفلاسفة والأدباء والمتأملين؟ فهل يا ترى كان راغب هذا المنتحر فعلا مضطربا نفسيا، ومريضا ذاتيا، أم أنه كان فيلسوفا في دنيا لا تقدره قدره؟! أم أنه الحب وآلامه هو الذي يفعل ذلك؟!
وفي القصة الثانية تحت عنوان (مشاقة الحب) بنت الكاتبة حوارا عاطفيا مدهشا على لسان البطلة، التي استطاعت أن تخرج فيه أسمى ما يجيش في قلبها من مشاعر تجاه من أحبته، وهو الذي نكرر التأكيد عليه مرة أخرى، من أن الكاتبة قامت بوظيفة الاديب وليس الحكاء، حينما جسدت لنا هذه المشاعر في عباراتها وجعلتنا نعيشها ونشعر بها ونحس بلوعتها تجاه من ملك قلبها،
كما أكدت الكاتبة على طبيعة الانثى حينما تحب، فإنها تتفانى في إذابة شخصيتها وميولها في شخصية وميول من تحب بعكس بعض من فتيات ونساء في هذا الزمان، وهن يزعمن القوة ويعلن استقلال الشخصية، وأن لها ذاتها ومقوماتها التي لا يلغيها أحد، حتى ولو كان الحب، لكن الكاتبة إيمان صلاح، تعيد لنا بهاء هذه الأنثى المفقودة التي تجعل من فعلها وتصرفاتها وميولها على هوى من تحب، فهذه البطلة أحبت الكتابة والقراءة وكتب القصص والشعر، وحاولت أن تكون كاتبة وقاصة لأن محبوبها يحب هذه الأمور.ولا يمكن أمام هذا الختام المأسوي للقصة الثانية (مشاقة الحب) إلا أن نعترف للكاتبة بأنها استطاعت أن تبهرنا بهذه المعايشة العميقة، والحوار النفسي المدهش الذي كانت تخاطب به هذه الحبيبة المعذبة حبيبها الذي لا يشعر بها، مجسدة في هذا نبض فتاة أحبت ومنعها الخجل أن تبوح بشيء، مصورة عقل فتاة حينما ينبهر بإنسان كيف ينظر إليه وقتها على أنه الدنيا كلها التي لا يرى غيرها؟، جعلت الكاتبة عواطفنا تئن مما تحملته هذه المعذبة مقهورة الفؤاد، وفي ترى حبيبها في أحضان غيرها.
وفي القصة الثالثة (من يقرأ) قدمت ايمان صلاح نموذجًا جميلا للمرأة المكافحة، التي تمتلك القدرة على العطاء وفي نفس الوقت تستطيع أن تتحدى كل المعوقات والعقبات، التي تعترض حياتها بالإصرار والعمل والكفاح، وعلى قدر ما مر بها مرارات الحياة، فلم تجد أتعس من مرارة الحب الكاذب الذي يريد أن يستغلها وينتفع بعملها، وتلفتنا الكاتبة من خلال هذه القصة، أن هناك مواهب داخل الإنسان، تستقر في أعماقه وهو لا يدري عنها شيئا.. حتى يشاء القدر أن تخرج وترى النور، كإشارة لكل إنسان أن يبحث داخله عن مواهبه وقدراته، ولكن الكاتبة تتركنا كذلك في حيرة وتساؤل لم تُجب عليه وهو: هل ما لقيته بطلة القصة من محن وآلام، هو السبب في ميلاد موهبتها وعبقريتها؟ أم أنها كانت موهبة كامنة فيها حتى لو كانت منعمةً مرغدة؟
تتسم مجموعة الكاتبة (إيمان صلاح) بالأسلوب الواضح، وهو ميزان الأديب المحترف الذي يريد أن يبعث برسالة، ويصور غاية، ويسخر أدبه لخدمة ما يريد تجسيده من شعور.
كانت هناك جمل أدبية عالية تستوقف القارئ، من جمالها، وحسن بيانها لا يسع المرء أمامها إلا أن يحفظها لرونقها وعذوبتها مثل قول: (من أعلى قمم الفراق سقط قلبي وأحدث صوتا لا مثيل له.. هائل كهول يوم البعث) وقولها: (أناشيد الحب كثيرة ليتني حفظت واحدة منها كي أنشدها لك) وقولها: (لم أكن أعلم وقتها أن النجوم المتعلقة بأحضان السماء سينطفئ وميض بريقها من دموعي) وقولها: (اليتم شعور ينخر في القلب بدون رحمة)
المجموعة القصصية للكاتبة إيمان صلاح مجموعة تستحق القراءة لما لها من مذاق بياني جيد، وقدرة على إعاشة القارئ في أحداث مشاهدها، ودقة تصوريها

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
زر الذهاب إلى الأعلى