هؤلاء جميعاً .. قتلوا خاشقجي!

بقلم: حسام الدين عوض
على سبيل التندر .. تناقل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي التسريبات الصوتية التي نشرتها الصحف التركية على أصداء جريمة القتل البشعة للصحفي جمال خاشقجي ، والتي أكدت أن القتلة كانوا يستمعون الموسيقى أثناء قيامهم بتمزيق جسده إرباً !
قال النشطاء ساخرين مستهزئين: ألم يعلم هؤلاء القتلة حرمة سماع الموسيقى؟!
بيد أن الذي لم يتصوره هؤلاء النشطاء ، أنه وفي حالة أُحيل أولئك القتلة إلى محكمة شرعية في المملكة العربية السعودية ، فمن غير المستبعد أن تنتصر تلك المحكمة لقيامهم بجريمة القتل ، ثم تفتي بتعزيرهم لجريرة سماع الموسيقى! وذلك بعد بسط الأدلة الشرعية في حيثيات الحكم ، وهي الأدلة المتضافرة على تحريم المعازف!! في مقابل الندب إلى قتل الخوارج!! الذين فرقوا جماعة المسلمين! بما أحدثوه من انتقاد وليّ الأمر في صحف الكفار (كالواشنطن بوست وغيرها) !!
وسوف يستدل هؤلاء بما جاء في “صحيح مسلم” عن عرفجة الأشجعي قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه كائناً من كان”. أ.هـ ، ثم بتعليق النووي -رحمه الله- قال : “فيه: الأمر بقتال من خرج على الإمام ، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك ، ويُنهى عن ذلك فإن لم ينته قُتل ، وإن لم يندفع شرُّه إلا بقتله فقُتل ، كان هدراً” أ.هـ (شرح النووي على مسلم الجزء 12 صفحة 241 ، 242).
وأما الذي قد يجهله أولئك النشطاء ، فهو أن تلك الجريمة ليست الأولى من نوعها في تاريخنا وربما لن تكون الأخيرة! بل هي مسبوقة بعشرات جرائم القتل التي تعتمد الأدلة الشرعية التي تساق في غير مساراتها ، وتنتزع من سياقاتها وظروفها ، إما تكريساً للسلطة السياسية وفي خدمة بلاطها! أو على خلفية الخلاف المذهبي والفكري الذي كان ولايزالُ مستند سفك دماء المخالف.
فقد وقف خالد القسري (أحد أمراء بني أمية) يوم الأضحى على المنبر بالبصرة وقال للمصلين: “أيها الناس ضحوا تقبل الله أضحيتكم ، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم” ثم نزل من المنبر وذبحه كما تذبح الخراف! وكل ماوقع من الجعد أنه قصد تنزيه الله تعالى عن مشابهة مخلوقاته ، فقال: إن الله لم يكلم موسى -عليه السلام- لأن الكلام من صفات المخلوقين ولم يتخذ إبراهيم خليلاً لأنه يتنزه عن اتخاذ الأخلاء من عباده ، ففهم معاصروه أن لازم كلامه هذا إنكار آيان القرآن العظيم واتهموه بالإلحاد والزندقة! ثم ذبحه وليُّ الأمر في المسجد يوم العيد ، وعلى مرأى ومسمعٍ من الناس!
فكيف كان موقف من روّجت السلطة السياسية الحالية له ولفتاواه باعتباره شيخ الإسلام؟ (رغم أنه توفي في القرن الثامن الهجري وذلك بعد أن حكم عليه قضاة المذاهب الأربعة بالسجن أكثر من مرة بسبب أقواله!) إلا أنهم قاموا بإعادة إحياء أقواله وطباعة كتبه التي تعجُّ بفتاوى القتل والتكفير والعنف ، وذلك بعد أن اندثرت لقرون!
يقول ابن تيمية الحرّانيُّ مايلي: “فضحى بالجعد خالدُ بن عبد الله القسري بواسط على عهد علماء التابعين وغيرهم من علماء المسلمين ، وهم بقايا التابعين في وقته: مثل الحسن البصري وغيره ، الذين حمدوه على ما فعل ، وشكروا ذلك” ( منهاج السنة النبوية الجزء 3 / ص 165) !!
نعم أيها السادة .. تلك هي الحقيقة المرة التي ندفن رؤوسنا في رمال إلقاء التبعات على الغير خوفاً من مواجهتها ، رغم أنّ الواقع يشهد أنه مامن شئ من أقوال الجماعات المتطرفة وأفكارها ، إلا وله جذور في تراثنا الإسلامي! ولن يكون بمقدورنا أن نقاومهم لنقضي على العنف والتطرف والهوس الديني ، إلا إذا خضنا غمار ذلك البحر اللجِّيَّ بكل جسارة وجرأة ، ونقضنا مافي تراثنا من الافتراء على الله وعلى رسوله لننفض أيدينا من كل هذا ، فعلى الرغم من أن الله تعالى قد بيّن لرسوله -صلوات ربي وسلامه عليه- مهمته الرسالية في أكثر من عشرين موضعاً من كتابه تعالى فقال له: “لست عليهم بمسيطر” .. “ليس عليك هداهم” .. “وما أنت عليهم بجبار” .. “فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ” ، إلا أن تراثنا يغصُّ بالفتاوى والأقوال التي تناقض تلك الآيات المحكمة والتي يستدل أصحابُها إما بأحاديث لاتسلم من معارضة ، أو بأحداث وليدة بيئتها التي اتسمت بالصراعات والحروب مع من أرادوا استئصال شأفة الإسلام وأهله ، فكان ينبغي قتالهم رداً وليس ابتداءاً أو اعتداءاً.
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (الجزء 1/ ص 155): “والمشركون من قريش وغيرهم -الذين أخبر القرآن بشركهم واستحل النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم وأموالهم وسبى حريمهم وأوجب لهم النار- كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السموات والأرض” .أ.هـ
ثم يقول تلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) ص 252 وذلك في معرض حديثه عن الشرك مانصه: “حرَّمَ اللهُ الجنةَ على كل مشرك وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد وأن يتخذوهم عبيداً لهم لمَّا تركوا القيام بعبوديته”.
وهكذا وبسبب مثل هذه الأقوال المستشنعة ، والفتاوى المستقبحة من علماءٍ يوصفون بالكبار! انجررنا إلى جريرة إرهاب الخصوم بفتاوى التكفير ومن ثم القتل!
فالذين أحرقوا الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً أمام الكاميرات التليفزيونية ، إنما فعلوا هذا بفضل فتاوى ابن تيمية وغيره!
والذين يقومون بتعذيب المعارضين في سجون بلادنا العربية ومعتقلاتها .. إنما يفعلون ذلك بفضل فتاوى ابن تيمية وغيره!
ولاتكاد توجد جريمة واحدة قام بها أولئك وهؤلاء (سدنة السلطة الاستبدادية ، في مقابل كهنة الجماعات الدينية المتطرفة) إلا وهم يعتمدون فيها فتاوى ابن تيمية وغيره!
فأقول في الختام وبكل ثقة: مالم نتخلص من هذا الركام الردئ الذي يعج به تراثنا الإسلامي ، فسيكون لدينا في كل يوم خاشقجي آخر مقتولٌ غيلة وغدراً! ولعلّ الله تعالى قد أراد أن يجعل من هذا الرجل النبيل رمزاً ، لنبدأ معه مشوار صحوتنا وتحرير عقول أبناء أمتنا ..!