
أحمد سعيد
أعيش بين عالمين موازيين، أراهما في نفس الوقت.. الغابة التي تسلقت أشجارها، في الحقيقة أركض على السلالم لألحق العمل. شجرة التفاح ذات الثمار الناضجة التي أحبها، كانت بائع الفاكهة الذي يقف على ناصية الشارع.
أركض في الشارع بكل قوتي، أصل أخيرًا لشلالٍ فأقفز من فوقه، فأسقط من على مكتبي. الحياة ليست سهلة هنا، فالوحوش التي تجوب المكان تبدوا مخيفة، صادقت أسدًا، لكنني لم أستطع مصادقة مديري في العمل.
الجدران الكثيرة التي تحيطني هنا.. جدارٌ من الطوب يمنعني من الهروب ليلًا من غرفتي، جدارٌ سياسي يمنعني أن أتحدث عن أحلامي القادمة، جدارٌ اقتصادي يمنعني أن أشتري القميص الذي أعجبني. لكن المساحة المليئة بالأشجار أكثر رحابة، لا جدران هنا سوى خوفي من الأفاعي، لكن حتى الآن لم تلدغني واحدة. نسيت بالأمس قابلت حية جميلة بعد العمل، حينما شرعت بحبها، كان المترو قد وصل لمحطتها.
أكتب في الغابة على جذوع الشجر، وهنا أكتب على (اللاب توب)، أشهق حينما أرى منظرًا خلابًا جديدًا، وأضع (أحب) على صورةٍ مدهشة.
الفتاة التي تقضم أظفارها، لا أعرف أهي بالغابة أم رأيتها حقيقة أثناء تناول وجبتي في المطعم. ترتدي تنورة قصيرة أو ربما تداري منتصف جسدها بأوراق الأشجار. ربما صوتها المنغم الذي سمعته مجرد صرخات قبل اللغة، أو هو اللغة الأخيرة التي امتزجت بها كل اللغات.
أراها الآن بكل عفويتها تركض بجوار نمرٍ شرس، تسابقه وتصل قبله، أركض الآن في الشارع، أجتاز العربات المجنونة، أقفز متفاديًا تهور أحدهم. أصل إليها وأحاول أن أتكلم.
الصمت الآن أقوى من كل الكلام، حديثنا المتواصل بالعيون يشي بكل شيءٍ.
تتسلل المياه الرقراقة حولنا، وتزحف الأشجار الجميلة فجأة وتأخذ مكانها أمام البنايات العالية، الفراشات التي جاءت من هناك منحت الجو لونًا خرافيًا. القلب الذي اقترب من القلب أسقط كل حواجز العالمين، فكنت معها أشرب من الجدول الصغير، حينما اشترينا زجاجة ماءٍ معدني. شعرها الثائر المتمرد، يصبح قصيرًا فجأة، فأراها أكثر تمردًا.
تتشابك أصابعنا، فتتشابك حياتنا. الآن نرقص رقصة جنونية، حركاتها ولدت توًا بيننا، والموسيقى المنبعثة من (الدي جي)، تعزفها الطيور والحيوانات، الآن يمكننا البداية في الناحيتين، أقبّلها هنا وهناك، لأضاعف التلامس، وأُضيّع النهاية.
أحمد سعيد