
حل أبريل الحزين يحمل معه نسائم من الحزن بذكرياته القديمة التي لم تمحى أبدًا من ذاكرة الجميع.
يمر كدهر حتي ولكأنك تشعر انه بلا انتهاء
في احدى لياليه المتشابهات حزنًا
وفي حجرة متوسطة المساحة بجدران ينقشها ورد صغير خُطت بأيدي فنان، و أثاث بسيط موضع بعناية في أرجائها بإتقان وانسيابية
هناك في أقصى الجانب الأيمن
جلست هند في مقعدها الهزاز بجوار النافذة،
أمامها مزهرية الورد الصغيرة و مفكرتها الصغيرة ملقاة بإهمال على المنضدة الوحيدة الموجودة ،وبجوارها
قلم واسكتش صغير للرسم و كوب من عصير المانجو المنعش …
صمت تام يحل علي الأرجاء حتى أصوات الطبيعة صامته
لاشيء يتنفس و كأنها خاشعة في محراب روح تحوم
حولها …
جلست في انهماك تام ترسم طفله صغيرة بملامح ملائكيه ترتدي فستان ابيض بشريطه طويلة فضيه
وشعر منسدل لأسفل الخصر بطوق من الورد الصغير الأبيض و الوردي محيط برأسها البنورى وخصلات رقيقه من شعرها الأسود الحالك تتدلى برفق و رقه على الوجنتين بابتسامه عذبة وعيون واسعة
تمتلئ تساؤلات لانهائية بلا إجابات
وحين انتهت من الرسم ,وضعت أقلامها و قبلتها بشوق عجيب كأنها الغائب من بلاد بعيدة
حينها امتلأت الحجرة برائحة عبير كالمسك التفتت من حولها لم تجد شيء قد يكون سبب ذلك العبير
فإلتمعت عينيها ببريق عبرة لم تسقط وشعرت إن تلك الروح الملائكية من المؤكد تحوم حولها الآن
فتحدثت بهدوء بصوت مسموع منكسر كأنها على موعد مع حوار معها قائلة:
– أتعرفين ياصغيرة …اليوم تمتلئ بك ذاكرتي أكثر من المعتاد فشعرت أن الدنيا ببشاعتها وفظاعتها تعلم انك لن تتحمليها ان كنتي هنالن تتحملي كم البشاعة والحروب ولا الشر الذي امتلأت به القلوب
حتما لن يتحمله قلبك الرقيق المحب لكل العالم ولن يستوعب مقدار الدمار الحقيقي من حولنا في كل مكان
لربما حينها زاد ألمك حينما تري الظلم يتقدم الصفوف علي الحق
كنتي ستتألمين أكثر إن رأيتي حال بلادنا كلها وأطفالنا وشبابنا وما آلت اليه الأمور من مشقة وفشل يلتف من حول الجميع
كل البلاد تتحول لأشلاء مفككة …
وكانها فقدت شيئ ما ملائكي نقي كما فقدناك برحيلك
اتعلمين يوم صليت عليك صلاة الجنازة
انت أصغر فرد بيننا كان صعب علي جدا ان أصدق انكِ ذهبتي للأبد ،ونحن من بقى …
من المفترض ان يحملنا أبنائنا لا ان نحملهم نحن لمثواهم الاخير…
لكم كان فراقك صعب جدًا فمابال حال والدتك أعانها الله
يومها أذكر
كيف أن الرحمن أنزل عليها سكينة من لديه بطريقة ادهشتني لكنها بعد ايام إنهارت تماما …كمن فقدك توا…
أصعب اللحظات علي الإطلاق يوم وداعك حينما قبلت جبينك البارد وأنت ممدة علي سريرك وحيدة لم أشعر بالخوف ولا الرهبة شعرت اني أود الذهاب معك
مازلت الي الآن أراك في نفس المكان وعينيك الجميلة مغمضة بسلام وأمان وابتسامة رقيقة بسيطة علي شفتيك المزمومة باحكام كمن وصل لغايته أخيرًا و عاقبنا بعدم الكلام مرة أخرى
لمسة شفاهي علي الجبين البارد مازلت اشعر بها كاني قبلتك حالاً…
ودعتي كل أوجاعك وآلامك وتركتي لنا الوجع باقي سنين العمر
أذكر يومها حين رأيت والدك يعتلي درجات سلم المنزل ليودعك حالما توقف أمام جسدك الملفوف بردائك الأبيض الأخير شعرت أن قلبي قد نزع من موضعه
رأيته يقف ساكن لايتحرك فيه شيء سوى دموع تتساقط بصمت
وكأنه كان يرجوا أن يجدك من بين الأحياء
تمتم بكلمات لم أسمعها شعرته ينتظررالرد منك بكاء روحه يعلو علي صوت النحيب
كسرت روحه كما لم يشعره أحد
حملك مع الجميع علي كتفيه وهو لايستطيع أن يفردوظهره انزلك وربت علي رأسك وقبلك قبل أن نصلي عليك جميعا و من حينها فقدت في قلبه قطعة لم تعود موضعها أبدًا
أما الحبيبة والدتك لم تكن حزينة فقط روحها انشطرت نصفين نصف بقى لأخواتك والنص الآخر ذهب معك
سؤال صغير معلق بين جفنيها
لماذا هي …خذني بدلا عنها يا الله.
نظرة العجز المرتسمة علي عينيها تقتلنا جميعا لكن ما باليد حيلة
لم تستكين روحها من الوجع بعدك ابدا
اخواتك لم تحملهم اقدامهم لمثولك الأخير لكنهم كل ليلة يرسلون إليك السلام والدعاء
أما انا فلم أنسى أبداً الصغيرة الرقيقة
انا والدتك الثانية و أنت قلبى المكسور
حينما تزوريني في أحلامي أعلم انه سلام تبعثينه لي
أتدركين كم كنت غالية علينا جميعا؟؟؟
لا أظنك تعلمين
ربما لم يمنحنا الزمان فرصة لنعرفك كم انت أغلى مما كنت تتوقعين
اعلم أنكِ في مكان أفضل مما نحن فيه
لكنك تركتي لنا أصعب شعور سيلازمنا لنهاية أعمارنا جميعًا
شعور بأننا لا نستحق الحياة نحن اليائسين من الحياه في حين تموتين أنت يا نبتت الأمل
نرضى بقضاء الله ولا نعترض
لكن أصعب الفقدان فقدك
كم كنت رقيقة بحس عالي تشعرين بنا كلنا
خاصة أنا
تذكرين حينما كنتي تربتين علي كتفي
وبعيونك الصغيرة تسألين مابك خالتي…
فأضحك و أقبلك و أكذب قائلة:
– طرفت عيني يا حبيبتي.
فتقبلينني وتمنحيني حضنك الصغير كمن تنزعى عنى الألم…
الألم الذي لم نستطع جميعًا ان نخففه عنك الألم اللذي عشتي به لآخر لحظاتك حينما كان يلتهمك المرض اللعين امام أعيننا
حبيبتى الملاك الصغير افتقدك بأسى
اللهم امنحني قدر أن أراك في جنته وأعانقك مرة واحدة فقط لربما انسى بها برودة آخر قبلة علي جبينك )
وبكت حتى ابتلت اللوحة
فقبلتها عشرة وترحمت عليها ألف
فقد
كانت اصغر زهرة نبتت في بستان العائلة
وكأنها هي كل الزهور و الأشجار المورقة
لم تنبت مثلها زهرة رقيقه حانية ،
أبدًا لن تسقط جملتها من الآذان
تلك التي أرادتها وحققها لها المولى
وكأنها تمنت وقال لها الله على الإجابة
كانت دوما تقول
(ماما أنا مش عاوزة اكبر)
ولم يحدث أن تكبر..
نهاد كراره
من المجموعة القصصية نيسان الوجع
تصحيح دينا محمد يوسف