نعم لتغيير المنكر .. لا لتغييب العقول!

بقلم : حسام الدين عوض
مفهوم “تغيير المنكر” تم ابتذاله على أيدي وبألسنة بعض الدعاة ، وذلك باختزاله في زي المرأة .. زينة المرأة .. خروج المرأة .. المرأة المرأة المرأة ! وكأنَّ المرأة هي مصدرُ كل المنكرات!
والحقُّ أن المراد من إنكار المنكر ألا نسكت على خطأ حين نراه ، وإنما نتحرك بذاتية وتلقائية ، شريطة أن يكون هذا التحرُّكُ محكوماً ببعض القواعد ومقيداً ببعض الضوابط حتى لايتحول الامر إلى فوضى ، ومن أهمَّها مايلي:
1. أن يكون منكراً مُجمَعاً عليه (يعني لاتكون المسألة مما يتطرق إليه الاحتمال ، أو من المسائل الخلافية التي يُسوَّغُ فيها الاختلاف).
2. ألا يترتب على تغييره منكرٌ أكبرَ منه !
3. أن يكون ذلك في نطاق سلطة الإنسان لا سلطة غيره وإلا كان اعتداءاً على هذا الغير ، وافتئاتاً على حقّ السلطة المنوط بها تطبيق القانون.
هذا وجماعات التطرف الديني ، تتحدّثُ عن تغيير المنكر بأيدي العوام! وخارج نطاق سلطات الدولة ، وهذه دعوى صريحة للفوضى! فضلاً عن كونها تحملُ تصورات طفولية رومانسية ساذجة تفترض في كل من يقول إنه بصدد “تغيير المنكر” أنه يتمتع بالصدق والأمانة والموضوعية والضبط ، وأنه لايسعى لتصفية حساب سياسي أو شخصي ، أو لتنفيس حقد طبقي أو نفسي!
والخلاصة أن تغيير المنكر باليد (قسراً) لايمكن أن يُترَكَ للعوام ، اللهم إلاّ في المجتمعات العشائرية والقبلية كما كان المجتمع الذي نزلت فيه رسالة الإسلام ، أمّا في ظل الدولة الحديثة ، ومع وجود مؤسسات تحتكر تطبيق القانون بالقوة ، فغايةُ مايستطيعه الإنسانُ المسلمُ أن ينكرَ المنكرَ بلسانه أو بقلبه ، وأن يترك التغيير القسريَّ للدولة التي تحكم بسلطة القانون ، فإن لم تقم بذلك كانت مُحَاسَبَةً على هذا التقصير أمام الله تعالى ، ويكون هو قد أدى ماعليه من أمانة التبليغ والبيان. فالإسلام دعوةٌ لاسلطة! وقد أخطأ قومٌ جعلوا من الإسلام الذي هو وسيلة هداية -جعلوا منه- محكمة تفتيش تُصَادِرُ إيمان الآخرين! وتُصدِرُ الأحكامَ المتجنّيَةَ المُتعَسِّفَة عليهم بغير وجه حق.
ليست هذه دعوةً للانبطاحِ أو التخاذل -كما قد يصوِّرُها البعض أو يفهمها- بل وضعٌ للنقاط فوق حروفها ، وللأمور في نصابها