
ادلهمّ الليلُ، أيقظتْ النجومُ سيّدها القمر فهُم على وشك تولّي دفةِ القيادة، بعدَ يومٍ أرهقَ رمضاؤهُ الشمسَ قبل البشر. كانتْ ليلةً حالكة؛ فقد امتنعَ البدرُ عن العملِ لثقلٍ في جفونهِ، وأرسلَ “هلالًا” أخاهُ الصغير..
صفحةَ السماءِ بِردائها الفحميّ، الرياحُ البكماءُ؛ هُما مُستمعو إذاعةِ روحي الأوحدينِ، يوقفونَ نبضهم، ويلثمون أفواههم ليتركوا لي فرصةَ الحديثِ، وما أعظمَ أن تتحدثَ يا صديقي وأنتَ على يقينٍ من فهمِ المحدَثِ لكَ! لا مُقاطعة، لا مُقارنةَ أحزانٍ ومآسي، لا تقليل ولا تربيتٍ حتى؛ فقط إنصاتٌ وفهم.
كان أول عهدي بقاطني السماء عندما فقد أحدَ النجومِ رقرقتهِ، الأمرُ الذي لا يحدث إلاّ بِاسودادِ قلبِ أحدَهم؛ فأرسلَ “بدرٌ” “شهابًا” ليستقصي الأمر.. حكيّتُ فهزّ رأسهُ في أسف، بكيتُ فلم ينعتني بالأسيفة النكدِة؛ بل هونّ عني بطُرفةٌ -كانَ يغتابُ فيها سيّدهُ- ولم يرحل حتى بدأَ منسوبُ الطاقةِ في الارتفاع. ومنذُ ليلتها وأنا أنتظرُ سكونَ الأنفاسِ لأشهقَ أنا حياة، ورقودَ الأجسادِ لتُبعثَ روحي.
“أرتدي عباءةَ بشرٍ حتى العودةَ لموطني”