مهزلة بول الإبل!

بقلم: حسام الدين عوض
يقول عضو مايُسَمَّى بـ “هيئة كبار العلماء” بالمملكة العربية السعودية الشيخ صالح الفوزان: “هذا ملحدٌ وزنديقٌ ويجب أن يعامل معاملة المرتد! من يقول إنه لايعترف بحديث العلاج ببول الإبل وكذلك حديث جلد الظهر وأخذ المال” انتهى كلامه
قلتُ: ثمَّ يندهشُ بعضُهُم لظهور الجماعات الدينية المتطرفة التي تمارسُ التكفير وتنتهجُ العنف! ولاشك أنهم وجدوا ويجدون مستندهم وبغيتهم في كلام الشيخ المذكور!
والتعليق: هناك فارقٌ كبيرٌ بين أن نستخرج علاجاتٍ نافعةً من البول باستخدام الأجهزة المعملية الدقيقة التي تقوم بتنقيته من المواد السمِّية الضارة ، لاستخلاص المواد الفعَّالة في شفاء بعض الأمراض كالبكتيريا النافعة ونحوها
-فارقٌ كبيرٌ- بين هذا وبين أن يقول بعضُهُم لمريضٍ : اشرب البول نفسه !! فهذا والله مما تضحك منه الثكلى!
وقد فهمَ بعضُ من لم يتحرَّ العلمَ من المسلمين أنَّ بول البعير (الإبل) يعالجُ الأمراضَ ، وأجازوا التداوي به اعتماداً على ماجاء في كتب السنة من حديث أنس -رضي الله عنه-
والحقُّ الذي أدينُ الله تعالى به وعليه ألقاه أنَّ رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يُبعثَ طبيباً ولا فيزيائياً ولا فلكياً ولا جيولوجياً .. وإنما بُعِثَ -صلوات ربي وسلامه عليه- مُعلِّماً للبشرية ، وهادياً للإنسانية
وقد أورد الإمامُ الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله- أورد هذا الحديث في كتاب الطب! وكتاب الطب هو أسوا كتب (أقسام) صحيح البخاري
وعلى سبيل المثال فبعد أن أورد البخاريّ خبر سحر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- (وحاشاه) في باب السحر تحت كتاب (قسم) الطب .. وضع باباً آخر تحت ذات الكتاب بعنوان (إن من البيان لسحراً) ذكر فيه خبر ابن عمر -رضي الله عنه- الذي فيه أنَّ رجلين جاءا فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “إنَّ من البيانِ لسحراً”
ولستُ أدري ماعَلاقةُ سحر البيان! بسحر الرسول! وماعلاقة الاثنين بالطب! وهل يصحُّ أن يُوصَفَ كتابٌ مهما بلغت منزلتُه بأنه أصحُّ كتابٍ بعدَ الكتابِ العزيز الذي أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثم فُصِّلَتْ من لدن حكيمٍ خبير؟ أم إن قومنا قد اتخذوه مهجوراً حين قالوا إنه لايٌفهَمُ بغير كتب السنة! فالله المستعان على مايصفون.
الخــلاصة: بوّب الإمامُ البُخَارِيُّ تحت هذا الكتاب (كتاب الطب) باباً سمَّاهُ “الدواء بألبان الإبل” .. وأورد فيه الحديث رقم (5361) من طريق ثابت عن أنس ؛ وفيه أنّ الرسول قال لقومٍ مرضوا في المدينة أن ينزلوا الحرة “بأطراف المدينة” وقال لهم (اشربوا ألبانها) أي: الإبل ..
ثم أورد البخاري نفس الحديث في الباب التالي مباشرةً لهذا الباب .. لكن من طريق قتادة عن أنس وهو برقم (5362) حيث سمّاه “الدواء بأبوال الإبل”!! وفيه زيادة (فيشربوا من ألبانها وأبوالها) .. !
فالاضطراب في الألفاظ واضحٌ تماماً ، وحتى لو صحّت نسبةُ هذا اللفظ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلايعدو الأمرُ أكثر من أن يكون وصفةً علاجيةً بدائيةً استخدمَهَا أهلُ البادية ، ولا علاقةَ لشئٍ منها بالتشريع ولا بالدين!
هذا وقد بيّن لنا رسولنا الكريم هذا الأمر في حديث تأبير النخل ، فصار كلامُه هذا قاعدةً يعرفها الأصوليون ، وذلك حين قال: (أنتم أعلم مني بشئون دنياكم) كما جاء في الصحيحين
وفي هامش سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي : (ويعني هذا ان البخاري يرى جواز الرواية بالمعنى) وذلك تعليقاً على كلام البخاري جواباً لسؤال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى .. قال محمد بن إسماعيل يوماً : رُبَّ حديثٍ سمعتُهُ بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديثٍ سمعتُهُ بالشام كتبته بمصر. فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله ؟ قال: فسكت !
قلتُ (أنا حسام الدين) : فلماذا تتمسكون إذن بكلِّ لفظٍ أوردَهُ الإمامُ البخاريُّ في صحيحه؟ ولو انفرد به راوٍ واحد في كل طبقة وظلَّ ينتقِلُ عبرَ أربعِ طبقاتٍ (أجيال) -على الأقل- حتى وصل لصاحب الجامع الصحيح المولود بعد وفاة رسول الله بنحو مائة وثلاث وثمانين سنة!
وإني لأعلمُ أنّ ناساً من المتربصين يسُنُّون الآن مباضعَهُم لينالوا من كاتب هذه السطور وليتهموه بإنكار السنة ونحوه من تهمهم السمجة الممجوجة المتهافتة ، وحُجَّتُهُم في ذلك أنّ كلامي هذا يفتحُ الباب للطعن في السنة كلها!
فأجيبُهم بقولي: بل ربَّما كنتُ أنا أحرصَ منكم على السنة ، وعلى ألاّ يُؤتَى الإسلامُ من قبلِ أخبارِ الآحاد التي تفيد الظنّ بإجماع أهل العلم والاختصاص ، فلاتضعوا كتابَ الله تعالى في مقارنةٍ مع أيّ كتابٍ بشري آخر مهما كان!
فقد تولى الله تعالى جمعه وقرآنه ، وترتيبه وإحكامه ، وتفصيله وبيانه .. وليس في شئٍ من آياته العزيزة ثمَّةُ تناقضٍ أو اضطرابٍ بخلاف (كل) كتابٍ بشري آخر ..!
وأمَّا الإمامان البخاريُّ ومسلمُ -رحمهما الله- فهما بالقطع إمامان عظيمان لهما أيادٍ بيضاء على السنة ، بيد أنَّ لهما أخطاء كسائر بني البشر ، والأحاديث التي ننتقدُها في كتابيهما أحاديث معدودة لاتقدحُ في عظيم مابذلاه من جهد جهيد وما أطلقاه من نَفَسٍ نفيس
وبعضُها -بكل أسف- تُعَدُّ باباً خلفياً لأكثر المآخذ والمطاعن التي يضربُ بها أعداء الإسلامِ دينَنَا ، ويستخدمونها ويوظفونها في تشكيك المسلمين في دينهم والتشنيع عليهم ، فلو اتفقنا على أنهما ليسا بمعصومين لزال الإشكال كله ، لكنّ إصراركم على نسب العصمة والقداسة لهما ولكتابيهما على خلاف الحق والحقيقة .. يوقع المسلمين في حرجٍ شديد ؛ الله تعالى به عليم .. فانتهوا خيراً لكم !