المقال الاسبوعي

مخاطبة الجمهور؟ أم مخاطبة الحواس؟

رئيس التحرير

ماذا نريد من المثقف

مخاطبة الجمهور أم مخاطبة الحواس؟

 

 

قلنا في مقالات سابقة أن المثقف هو أحد مثقفين، إما صاحب نظرة ورؤية ومشروع، وهو الذي تقع على عاتقه قيادة الطليعة الواعية من المجتمع والتي تتبنى هدفاً وتدفع بإتجاهه، ومثقف يُطلب منه تقديم منتوج أدبي فنيّ يدفع بالجمهور إلى الارتقاء شيئاً فشيئاً بقيمه الجمالية والتي تقوم بتهذيب الروح فيما بعد وتدفع للتنشئة الواعية للأجيال القادمة.

من خلال تعاملنا كجمهور مع المثقف بنوعيه، يهمّنا من الأول شخصه وكارزميته وقدرته على قيادة الوعي والدفع به إقناعاً وإمتاعاً، لذا تكون تصرفاته دائماً تحت المجهر، كونه مثل أعلى ونموذجاً يُحتذى.

أما المثقف بنوعه الثاني، فتركز الجماهير على منتوجه الجمالي، وهو ما يعنيها، كونه داعماً لقيم الجمال والعدل، لذا، تتناسى تصرفاته ووجهات نظره الخاصة.

من هنا، تناست الجماهير آراء الجاحظ والمعري والمتنبي الدينية كون المطلوب منهه دعم الرؤية والثقافة الجمالية للمجتمع، في حين أن ممارسات الحلاج مثلا حين اختلطت بين جد وهزل، تم رفضها، كون المعني هو صاحب وجهة نظر ثورية مجتمعياً ودينياً ، فكان سقوطه المدعوم سلطوياً وتناسي نظريته وهدفه والتركيز على أفعاله.

لن ننكر في كلا الحالتين التدخل السلطوي، ودعم السلطة لما تراه يتماشى مع نظرتها وأهدافها، وهذا الأمر الذي مازال ينطبق على زمننا الحاضر بكل تفاصيله.

ربما يكون من المجحف أن نقارن أحمد الغندور ( الدحيح ) بغاليليو أو كوبرنيكوس أو أي من رواد النهضة الأوربية، إلا أننا لن نستطع أن ننكر أن ما يواجهه الدحيح اليوم من تسلط كهنوتي ومحاربة من رعاع المقلدين هو طبق الأصل الذي تعرض له كل من حمل راية علمية أراد بها إزالة العتمة المسيطرة.

طُلب من الغندور تقديم محتوى علمي بشكل مبسط بحيث يصبح بمتناول الجميع، لذا لم يبدع الدحيح بشيء، اللهم إلا أسلوب التقديم، في حين أن كل ما سواه تم نقله من كتب يشير لها وأبحاث يدلل عليها كل حين.

لم يركب الغندور التريند يوماً ولم يتطرق لما هو محظور أو مشين أو خلافي، وحافظ على رصانة الدور الذي طُلب منه بعناية فائقة ومهنية.

لذا من العبث أن نطالبه بما هو غير ذلك، وهو حتى الآن لم يخضع لتلك الضغوط ونتمناه ألا يخضع.

على المنقلب الآخر،كاتب جمالي وصل به الأمر أن يصف نفسه بأنه إله السرد، يخرج علينا بتصريحات نشرها على صفحته الخاصة بموقع الفيسبوك يشجع بها ويدعو ويُزيّن ضرب الرجل لزوجته.

طبعاً المنشور الذي أطلقه الكاتب المصري على الفيسبوك والذي سرعان ما تلاه منشور آخر حمل شتائم قذرة لكل من هاجمه على إرتكاسته الرجعية تلك، سرعان ما اختفى من على الموقع.

يهمنا هنا ماذا أراد كلا المثقفين الموهوبين المشار إليهما سابقاً، وما جناه كلّ منهما، وأين أصبح وسيصبح موقعهما من خارطة الثقافة التي سرعان ما تتخلص من متسلقيها ومدعيها ولو بعد حين.

ما أراده الدحيح، بالإضافة لدوافعه الخاصة من شهرة ومال وإلخ، هو مخاطبة الجمهور بصيغ علمية مبسطة، مخاطباً عقولهم وحبهم للمعرفة وتعطشهم لإكتشاف المزيد.

أما صديقنا الآخر فتوجه للأسف للأسفل وخاطب الحواس الذكورية المتعالية الشرقية المتأصلة داخلنا، ليركب الترند ويكتسب شهرة ومتابعين وربما قراء جدد.

بكشف حساب سريع نجد أن الدحيح قد كسب جمهوراً جديداً، وهو من النوع المخلص لعقله وأن أغلب من شتمه لم يتابعه من الأساس وليس مهتماً مطلقاً بما يطرحه أو يقدمه الغندور.

في حين أن من صفق لكاتبنا الموهوب ،والذين خاطبهم (مدعياً أنه يوجه الخطاب لمناوئيه) بقوله ( هو ده الحب يا ولاد الكلب ) من صفق وهلل وشير تلك الأقوال هم بالمجمل ممن لا يقرأ وأغلبهم لا يهتم بالكاتب المذكور ولا بما يقدمه من منتوج جمالي، كل مافي الأمر أن كلامه خاطب حواسهم وأعطاهم دفعة داعمة لعقد نقصهم المتأصلة في دواخلهم.

الحقيقة أن خطاب الكاتب ذاك كان خطاباً مباشراً فجاً بعيداً عن الطرح العلمي ( وحتى الفقهي ) ولو كان هذا الكلام قد طُرح في مكان آخر من الكرة الأرضية لجاز للجمهور أن يُقاضي هذا المُتحدّث بتهمة العنصرية الفجّة والحض على العنف والكراهية والتقليل من شأن الآخر ( قيمة إنسانية ورأياً مُخالفاً ).

نعود لنكرر، أننا كجمهور متلق لا يهمنا من مبدعنا الجمالي إلا منتوجه الفكري والجمالي وأن أي خطاب ( سفلي ) ما هو إلا توسل للأضواء وركوب للترند وخروج صريح عن المراد من المثقف كونه صاحب رؤية ومشروع أو صاحب منتوج جمالي، فالمثقف في نهاية الأمر ليس راقصة ومكانه في مناهل المعرفة وليس على البيست ،تحت الأضواء ،وسط التصفيق والعيون الناهمة.

 

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
زر الذهاب إلى الأعلى