
جميلٌ أن ننظمَ الشعر وأن نلقيه وأن نتذوقه، والأجمل أن نغنّيه ونطرب بنغمٍ وشدوِ صوتٍ يُدخِلُ إلى النفس السكينة وكم جميلٌ أن نشهد ولادة لوحة من رحم الألوان.
الفن والأدب والموسيقى كما اللغة والملبس والمأكل، جميعها مكونات للثقافة وهي أي الثقافة، هي هدفنا المنشود.
فهل نحن بصدد الحفاظ عليها أم في نيّتنا محاولة ترميمها؟ أم أننا على يقين بأنها بحاجة إلى إعادة بناء من جديد؟؟ هنا تكمن المعضلة!
كل واحدة وواحد منّا اليوم، رغم قلة عددنا، “يعيّرنا أن قليلٌ عديدنا، فنقول إن الكرام قليل” مسؤول بشكل من الأشكال، فالوعي الجماعي مطلوب في مرحلة صعبة كالتي نمرّ بها في مجتمعاتنا.
أستذكر موقفًا سابقًا أشعر بأهميّته اليوم أكثر من أي يوم مضى، ما الهدف من إنشاء منتديات أدبية، ما الهدف من الكتابة والنشر؟ هل هي إستعراض للوجود في ساحة الثقافية أم هي محاكاة لواقع مرير نشعر بأننا جميعًا معنيون به؟
نحن اليوم بما نقوم به كأدباء ومثقفين، كما نعتبر أنفسنا، رغم جماليته الأدبية والفنية ومصداقيته، لا نخدم الثقافة لا من قريب ولا من بعيد، فهو لا يعدو كونه عمل إ[داعي ليس إلا، وهذا ليس ذمًا فالإبداع ضروري، لكن في حالتنا، يعتبر ترفًا، يشبه سبب حرق ماري أنطوانيت، إذ حين صرخ الجياع طلبًا للرغيف، كانت إجابتها، تناولوا البسكويت، والإبداع في زمن المجاعة ترف، رغم جماليته. أين القضية التي نحملها؟ أين هي تلك المواقف الجريئة والصلبة؟
نحن اليوم، فردًا فردًا، لا نحتاج لنستمع إلى شعر جميل، إذ أننا نمتلك هذا الحس الجمالي وهذه الأذن الذواقة وهذا القلم الراقي، لكننا رغم ذلك نمضي أوقاتنا في دوران مستمر في فراغ، ما الجديد الذي أضفناه؟ من هي الشريحة التي نخاطبها؟ ما التغيير الذي قمنا به؟
لن أكون محبطة، فبكلّ صراحة وشجاعة أملك الحلّ لهذه المأساة وأعرف أنني لست وحدي من إكتشف الذرة، لكننا يجب أن نمتلك إلى جانب الحل، الإرادة والعزم والنَفسَ الطويل، حتى نبني الثقافة التي سقطت أغلبُ أعمدتها ولم يبقَ منها إلا القليل الضئيل، فالعائلات إعتزلت التربية والمدارس قدّمت إستقالتها من التربية والتعليم والدولة قدّمت أوراق إعتمادها للسماسرة والتجار، فمن سيبني هذا الجيل الذي أصبح أسير الجهل وعبدًا للآلة وهو يظن بأنه قادر على إجتياح العالم لأنه يعرف كيف يضغط على زر التشغيل لأي حاسوب أو هاتف ذكي، ومن شدّة جهله لم يعد يدرك بأن ضغطه على زر التشغيل هذا إنما هو اللغم الذي سيودي بقدراته العقلية والإجتماعية والنفسية إلى حيث لا رجعة…
فماذا ننتظر بربكم؟
أين المسارح؟ أين مسرح المدينة وتاريخ بيروت؟ أين مسرح سعد الله ونوس؟ أين أوبرا مصر والفن الأصيل؟ أين المفكرون والأدباء الذين هجروا المقاهي ليحتلها أولائك “المؤرجلون الجدد”؟
أين الكتاب والفنانون الذين كتبوا مسارًا جديدًا لفرنسا خلال الثورة والذين أشعلوا ،في الأمس القريب، تلك الحركات الطلابية في المدن والشوارع حين كان للمدن شريان نابض؟!
كلنا مسؤول، فلنقف وقفة جريئة وشجاعة ولنحاسب أنفسنا على سُبات دام جيلًا كاملًا أو أكثر، ودعونا نعمل معًا لبناء جيل قادر على حمل ثقافة فيروز ووديع الصافي، جيل قادر على فهم جبران واستساغة محمود درويش، جيل يبصر ببصيرة عميد الأدب العربي، طه حسين، جيل لا يمزق بنطالًا حتى يتماهى مع الركب، جيل يذكر أن لبعلبك، وجرش، وقرطاج، تراثًا وارفًا، زحف إليها الكثيرون لصعود أدراجها حتى تمزقت أحلام المتطفلين على أعتابها.
تلك هي الثقافة التي نصبوا إليها، حتى إذا قررنا إقامة أمسية أدبية أو فنية، أو لقاء ثقافي، نرى الأجيال والفئات المختلفة في قاعة واحدة يجمعهم الحرف وتحتضنهم الصورة بدل تلك الصور المشوهة التي يرتادها أبناؤنا في سهرات موّلها من صنع من ثقافتنا خزيًا يتبرأ منه كل مثقف حقيقي.