أدب و ثقافةروايات و قصص

مانيكان

هناء مطر

كان يرتدي قميص أسود، وبنطال جينز أزرق، ويضع حزام جلد لونه بني على الخصر ليمسك البنطال، وفي قدميه حذاء رياضي لونه أبيض وبه اثار للطمي ويطلق لحيته ….شاب في عقده الرابع من عمره…ملامحه غليظة ..عيون جاحظة وشفاه تختفي تحت شاربه…بشرته سمراء وشعره مجعد ….عيونه غارقة في الحزن ….وصوته يسكنه الألم…حينما دخل المحل الخاص بي لبيع دُمى عرض الملابس “مانيكان”قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أريد ان اسأل عن دمية لمحل ملابس نسائية…قلت له: وعليكم السلام تفضل بالجلوس أولا….ثم سحب مقعد وجلس أمامي…لا أعلم لمَ شعرت أنه يمر بأزمة ما؟! ….قلت له كم قطعة تريد ؟…قال : أريد قطعة واحدة فقط…دخل الشك في قلبي و احتله … معظم التجار يأخذون أكثر من قطعة وهو يريد قطعة واحدة فقط؟!…قلت له تريدها لمحل خاص بك؟!…تلعثم بعض الشيء ثم قال: نعم نعم….لا أعلم لمَ تملكني الشك هكذا ؟!.ربما يريد قطعة بدلا من قطعة تالفة… ولكنني سمعت كثيرا عن الدمية الصينية التي تغرق السوق لاغراض إباحية ولكن هذا الشاب لا يظهر عليه هكذا …تُرى لمَ يريدها؟!….ثم قال : عندك ياحاج ولا أمشي أشوف في مكان تاني؟….قلت له: ماهي مواصفاتها ؟….هل هي دمية “مانيكان” لطفلة أم لشابة يافعة؟!…قال:أريدها بيضاء ولشابة يافعة ….قلت له: تشرب أية على مانبعت نشوف في المخزن طلبك؟… هب واقفا ثم قال: شكرا يا حاج مش عاوز أشرب حاجة عندك ولا أشوف في مكان تاني؟…قلت له : طب أرتاح وقفت لية هبعت الواد يشوفلك في المخزن طلبك….ثم ناديت على الصبي فى المحل وطلبت منه ان يأخذه معه المخزن ويختار مايبحث عنه ومناسبا له….وبالفعل ذهبت أنا وهو مع الصبي وما ان وجدها احتضنها وهمهم في آذنيها بكلمات غير مفهمومة لنا …حدثت نفسي عنه ولابد انه يعاني من مرض نفسي ربما؟ …قلت له تفضل بالجلوس نتحدث عن سعرها…قال سأدفع ما تريده مني ولكن أريد شعر” باروكة” لها لونه كستنائي وناعم وأريد أن ترتدي شيء يستر جسدها …..تملكني الفضول أكثر ما به ؟!ولِمَ هو هكذا؟!….وفجأة تساقطت دموعه أمامنا ….قلت له أهدأ لعله خيرا وبدأت أسأله عن اسمه ..قال : اسمي أحمد وعارف ياحاج إنك مستغرب حالتي بس هريحك وهريح قلبي شوية واحكيلك قصتي…..قلت له : اتفضل يابني انا زي والدك ….قال: هي من كنت أعشقها …وكانت روحي معها ولها….تزوجنا منذ سنة وأثناء أجازة شهر العسل غرقت مني فأخذتها الدنيا مني ولم أجد لها حتى الآن جثمان ادفنه…قررت أن أشترى دمية لعل روحها تسكنها وتظهر لي في المساء…أحدثها كما كنا وأضحك معها ….ثم جلس على الأرض وظل يبكي وبداخله يحترق… وأنا اقول لنفسي لا إله إلا الله ربنا يصبره….. أمسكت بيديه وساعدته على الوقوف وقلت له: هيا نتوضأ ونصلي صلاة العصر حتى لا تفوتنا…أخذته معي إلي مسجد بالجوار منا….توضأنا وأقمنا الصلاة وحينما سجد لم يرفع رأسه مرة أخرى وروحه فارقته للأبد ومات ساجدا…

#هناء_مطر
#مانيكان

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
زر الذهاب إلى الأعلى