المقالات الأدبية

ليل الصب

قصيدة تُشعل القلب

 

من منّا لم يهزّه الطرب وهو يستمع للصوت الملائكي فيروز يبدع بقصيدة رقيقة فصيحة مُجيدة تبدأها بعتاب رقيق لليل العاشقين الذي يطول دون الرؤوف بحال العاشق الوله والمنتظر الفجر للقاء الحبيب أو رسوله على الأقل.

تحاول سيدتنا أن تُبرئ نفسها فتصف حالها الذي هو حال كل العاشقين، وتنتقل ( أم زياد) لتُبهرنا بصفات محبوبها كي نغفر لها سُهادها وقلقها وعتابها.

لننتقل إلى القصيدة ونعترف بأنها قد حازت رقّة الأندلس وترف أهلها ودعتهم.

في الأصل فإن القصيدة تعود لعلي بن عبد الغني والمشهور بالحصريّ القيرواني المتوفي حوالي سنة 488 هـ / 1095 م

ومن اسمه نرى أن الشاعر من أهل القيروان ولكنه سرعان ما انتقل إلى الأندلس ليمدح ملوكها وينال عطائهم وهو الشاب الضرير الحافظ للقرآن ورغم تركه لديوان ( هو الرابع له ) اسمه اقتراح القريح واجتراح الجريح وهو الذي يحوي 2591 بيتاً في رثاء ابنه الذي لم يتم العاشرة من عمره و توفي في حضنه إلا أن أكثر آثاره شهرة كانت قصيدته ( ليل الصب ) والتي كانت في مديح صاحب مرسية محمد بن أحمد بن طاهر الفارس المغوار والأديب المجيد والأمير المأسور.

اشتهر من القصيدة الطويلة ( 99 بيتاً ) مقدمتها فقط ( 23 بيتاً ) والتي كانت في الغزل في حين طمس الزمن باقي القصيدة التي تمدح أبا عبد الرحمن ابن طاهر .

اشتهرت القصيدة أيّما اشتهار، وعارضها ما يُقارب من ثلاثة وتسعون شاعراً لم يكن أولهم نجم الدين القمراوي المتوفي 1173 م ولم يكن آخرهم أمير الشعراء أحمد شوقي المتوفي 1932م.

أختار لكم مما ذاع من القصيدة الأصلية :

يا ليلُ، الصبُّ متى غــده
أ قـيـام الساعـة مـوعـده
رقــد الســــمَّـــار وأرقـه
أســفُُ لـلـبــيــن يــرددهُ
فـبـكــاه النجــم ورق لــه
مـمــا يـرعــاه ويرصــده
كـلـف بغــزال ذي هـيـفِ
خوف الواشيـن يشــرده
نصبت عـيـنـاي له شركاَ
في النوم فعـز تـصيـــده
وكفى عـجـباَ أني قـنـصُُ
للسرب سـبانــي أغيــده
ينضـو من مقـلـتـه سيفاَ
وكأن نعــاســـاَ يغـمـــده
فـيـريـق دم العـشـاق به
والــويـل لمـن يتـقــلـــده
كـلا لا ذنب لـمـن قـتـلت
عـينــاه ولـم تـقـتـل يـــده
يا من جحدت عيناه دمي
وعـلـى خــديـــه تـــورده
خداك قـد اعـترفا بـدمـي
فعــلام جـفونك تجـحــده؟
إني لأعـيـذك من قـتـلـي
وأظـنـــك لا تــتـــعــمـــده
بالله هب المشتاق كــرى
فـلـعـــل خيـالك يسـعـــده
ما ضرك لو داويت ضنى
صــبِ يـدنيـك وتبـعـــــده
لم يُبـق هـواك له رمـقــاَ
فـلـيــبـك عــلـيــه تعـــوًّده
وغـداَ يقضي أو بعد غـد
هـل من نظــرِ يــتــــزوده
يهـوى المشتاق لقـاءكـم
وصـروف الـدهــر تبعـده
ما أحلى الوصل وأعـذبـه
لــولا الأيــام تــنــكــــــده
بالبين وبالهـجــران فـيـا
لـفــؤادي كـيـف تجـلــده

ومما قاله أحمد شوقي:

مُضناك جفاه مرقدهُ

وبكاه ورحمَّ عوَّدُهُ

حيران القلب معذبهُ

مقروح الجفن مسّهدهُ

أودى حُرقاً إلا رمقاً

يبقيه عليك وتنفدهُ

يستهوي الورق تأوههُ

ويذيب الصخر تنهدهُ

ويناجي النجم ويتبعهُ

ويقيم الليل ويقعدهُ

ويعلّم كلّ مطوقةٍ

شجناً في الدوح ترددهُ

كم مدّ لطيفك من شركٍ

وتأدّب لا يتصيدهُ

فعساك بغمض مسْعفهُ

ولعل خيالك مُسْعدهُ

 

قد ودّ جمالك أو قبساً

حوراء الخلد وأمردُهُ

وتمنّت كلّ مقطِّعتةٍ

يدها لو تبعث تشهدهُ

جحدت عيناك زكيّ دمي

أكذلك خدك يجحدهُ

قد عزّ شهودي إذ رمتا

فأشرت لخدك أشهدهُ

وهممت بجيدك أشركهُ

فأبى واستكبر أصيدهُ

وهززت قوامك أعطفهُ

فنبا وتمنّع أملدهُ

سببٌ لرضاك أُمهدهُ

مابال الخصر يعقِّدهُ

بيني وبينك في الحي ما

 

لا يقدر واشٍ يفسِدُهُ

مابال العاذل يفتح لي

باب السلوان وأوصدُهُ

 

ناقوس القلب يدقّ لهُ

وحنايا الأضلع معبُدهُ

حسَّادي فيه أعذرهم

وأحقُّ بعذري حُسَّدُهُ

نذكر هنا أن ممن عارض هذه القصيدة أيضاً ابن الأنبار و ناصح الدين الأرجاني واسماعيل الزبيري واسماعيل صبري ونسيب أرسلان وأبو القاسم الشابي وغيرهم كثير.

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
زر الذهاب إلى الأعلى