
ليلة باردة للغاية
بتلك الليلة الباردة من ليالي شتاء العام، حيث وسط المدينة بأحدى الشوارع الكبيرة ذات الأرصفة العالية، والتي تبدو عليها مظاهر القِدَم ، جلس في زاوية صغيرة؛ ارتجفت عيناه قبل جسده النحيل من شدة الصقيع؛ احتضن بذراعيه ذاته الحزينة كأنه يُطمئنها ببعض الدفء القليل ، نظر للمارة أمامه دون أن يحفظ وجه أحدهم، حتى المارة لا يتذكرون وجهه الشاحب ولا عينيه البائستين، كأنه عابر سبيل في هذه الحياة..
الأَسْمال على جسده كشفت أكثر مما غطت، أمامه رقدت أكياس المناديل نائمة، تنتظر أحداً، ليأخذها ويعطي هذا المسكين بعض القروش لكنه لم يقدر على أن ينادي حتى تستجيب الناس له لعله جائع أو البرودة جمدت صوته..
وقفت كثيراً أمام المشهد
هذا الطفل ضاقت به الدنيا فلم يجد سوى زاوية في شارع صاخب لا يهدأ، العالم من حوله يعج بالأضواء والأصوات، الأشخاص من حوله يبتاعون الملابس الجميلة غالية الثمن، والأطعمة الشهية؛ و الأطفال أمامه تنعم بدفء العائلة..
عقلي ظل يسأل لماذا ينعم آخرون بأبسط حقوق العيش دون غيرهم؟!، لعل الله يختبر قلوبنا فهل من الممكن يعطيه البعض قطعة من ملبس أو طعام نظيف أو نظرة من أب دافئة أم أن الرصيف أحن من البشر..
وضعت نفسي مكانه لبرهة كان من الممكن أن أتجرد من الرعاية وأصبح بلا ملبساً وطعاماً أوغطاءً يحميني من الشتاء حتى أنني سأذهب إلى زاوية بنفس الشارع لأبيع المناديل..
تمت ..
إيمان صلاح