
سيد عبد النبى محمد
يكتب
لن أخرج من بيتي
صحوتُ من نومى منزعجاً — إنفجارُمدوىِ هائلُ إهتزت له جدرانى – الظلاُم يلفُ المكان حيث هربت عقاربُ الساعةِ إلى ما بعدُ الثانيةِ صباحا .
البرودةُ والمطرُ والخوفُ يضربون الجميعُ إستيقظ خائفا منزعجا الكل وقفِ مشدوهاً.
ماذا حدثَ – أخرجُ من بيتى وجسدى يهتُزُ خوفا وشعورا بالبردِ – أطفالُ وأمهاتُ ورجالُ وقفوا أمامَ منازلهم قلقين ترتعدُ فرائضهمُ خوفا ورهبة لا يبالون قسوة البردِ القارصِ ولا شللات المياة المتدفقة من السماء .
الفوضى تعمُ المكان – صرخاتُ المارةِ مع هرولةِ البعضِ – الكلُ يجرىَ خائفا والسببُ غيرُ معروفِ .
عندما تحلُ الفوضى يهربُ الجميعُ لا يدرون إلى أين يذهبون .
كثيرون منهم نسوا أنفسهم وخرجوا من بيوتِهم وهم بملابسهمُ الداخليِةِ ووقفوا بذهولِ فى شبةِ تجمعاتِ صغيرةِ يساندُ ويقوىِ بعضهمُ البعضُ .
– لا مفيش حاجة دى أنبوبة بوتاجاز فى بيت أبو أحمد .
– لا دى قنبلة فى كشك النور أول الشارع .
– لا دى عربية مفخخة عند السوبرماركت اللى على الناصية .
تكهناتِ كثيرةِ بدأتّ بأنبوبةِ غازِ وإنتهت بسيارةِ مفخخةِ عن سببِ الإنفجارِ والكلُ يدركُ أنها ليستِ الحقيقةُ .
لحظاتِ دوتّ خلالهَا صفاراتِ سياراتِ الشرطةِ والإسعافِ والمطافئَ والأمنِ الوطنىِ والمراسلينَ وخلافةِ .
إختلطتّ نغماتِ السياراتِ المختلفةِ مع أصواتِ البرقِ والرعدِ – مزيجُ غريبُ من الفوضى السمعية تثيرُ فى الجميعِ الشعورِ بالخوفِ والفزعِ .
إحساسُ غريبُ يتملككِ وأنتَ تهبُ من نومكَ متفاجئا مفزوعا على إهتزازِ جدرانِ بيتكَ وكسرِ وسقوطِ كلِ ما يحيطُ بكَ وترفعُ عنكَ غطاءكَ الدافئَ وتهرولُ مترنحا فى الظلامِ الى خارجِ البيتِ والسكنِ عندها فقط تحسُ بالأم والقهرِ .
البيتُ مهما كان هو الملاذُ الآمنُ للإنسانِ وهو الحصنُ الذى نشعرُ فيه بالحريةِ مهما كان الإختلافُ .
شعرتُ عندما خرجتُ من غرفتى الصغيرةِ وبيتى ورميتُ خلفى سريرى وغطائى ونظارتى أنى أنسلخُ من مكانى .
إنتابنىَ شعورُ ضربَ كيانىَ الداخلىِ بمرارةِ الفرقةِ ويتمَ اللقاءِ وأدركتُ معاناةِ اللاجئينَ الذين يتركونَ بيوتهِمُ وذكرياتهمُ ويخرجونَ عرايا إلى مصيرهمُ المجهولِ .
شئُ بغيضُ أن تعودَ إلى الفراغِ دونَ مأوىَ ولا سكنِ – شئُ مملُ أن تكونَ بلا روحِ ولا هدفِ ولا بقايا إنسانِ .
تحركتُ مع الجموعِ إلى أولِ الشارعِ هالنىَ ما رأيتُ – آثارُ لإنفجارِ هائلِ أتى على المكانِ – طارتّ أشلاءُ وبقايا إنسانُ وجمادُ بالمنطقةِ – مبنىَ كاملِ قد تهدمت وتساقطت كلُ أجزائةِ والغريبُ أن هذا المبنى تهدمِ فى لحظاتِ
الواضحُ أن للهدم كينونة أسرعُ من البناءِ – كم إستغرقَ من الوقتِ بناءَ هذا المكانِ وكم من الثوانِ إكتملتّ ليتهدمُ بما فية وما علية .
رجالُ الأمنِ يمنعونَ المارةَ من التجمهرِ ويفتحونَ الطريقَ لحركةِ سياراتِ الشرطةِ والإسعافِ والإطفاءِ .
وقفتُ مع الجميعِ مشدوها – دراجة بخارية ما طارِ منها أكثرُ مما هو بقِىِ – جانبها بقايا لإنسانِ تجمعت أشلاءةُ مبعثرةُ فى كلِ مكانِ .
قالوا إرهابىُ يرتدىَ حزامِ ناسفِ وآخرينَ قالوا إنسانُ بسيطُ يمُر مصادفةَ فى المكانِ بدراجتةِ – تناقدتِ الأقوالُ والكلُ يعتقدُ أن القاتلَ والمقتولَ سواءٌ فى نفسِ المكانِ فإن كان إنتحاريا صارَ قاتلا وإن كان مارا بالمكانِ أصبحَ مقتولا ولأولِ مرةِ يجتمعُ القاتلِ والمقتولِ فى شخصِ واحدِ .
أُضئَ المكانُ بكشافاتِ مساعدةِ وأخذَ رجالُ الأمنِ فى إستعادةِ ترتيبِ الفوضى والبحثِ بين الأنقاضِ عن أى أدلةِ .
أُشيعَ أن هناك قنبلةِ أخرى – تحركت مجموعاتِ من رجالِ الشرطةِ والحمايةِ المدنيةِ لتأمينَ ومحاصرةِ المكانِ وأخرى لإخلاءِ الجثثِ والمصابين – سياراتُ الإسعافِ تدخلُ المكانَ مهرولةَ وتخرجُ منه هادرةَ حاملةَ معها المصابين .
تحركتُ فى المكانِ مرتديا بيجامتى وشبشبى وبرودتىِ التى سيطرت على جسدى بعد هروبى من بيتى منزعجا عقبّ الإنفجارِ فى النصفِ الأخيرِ من الليلِ الباردِ .
ببطئ توجهتُ الى أحدِ أفرادِ الأمنِ .
– هو في إية ؟
– وسع يا حاج – هو إنت لسة جاى تسأل وأزاحنى بعيدا وهرول مع الآخرين.
توجهتُ الى رجلِ آخرِ يسيرُ بجانبى همسَ فى أذنى ( مصيبة – عشرين ماتوا وكتير مصابين ) – أدرت رأسىِ الى آخر يجري خلفى – (لا بسيطة مصابين عددعم خمسة فقط )– رجعت خائفا وكلى حيرة الى آخرِ (لا دى قنبلة صوت دمرت المكان وخلصت على الإرهابى وفيه واحدة تانية بيبطلوا مفعولها) .
إنتابتنى رعشةُ هزتّ بقايا جسدى من شدةِ البرودةِ والأرقِ والخوفِ والحيرةِ .
أمورُ كثيرةُ تحدثُ لم تكنّ موجودةُ فى مجتمعاتنا من قبلُ كنا نعيشُ فى سلامِ لم نكن نعرفُ لفظَ إرهابىِ أو قنابلَ ولم نكن نسمعُ إنفجاراتٍ وكنا نعيشُ فى بيوتنِا وشوارعِنا آمنينَ نتحركُ فيها براحِة ويسرِ لم نكن نخافُ ولم نكن نغلقُ أبوابنِا علينا.
تجمَع بالمكانِ بعضَ الأفرادِ كلُ منهم تبدو علية علاماتُ الحيرةِ والتساؤلِ ماذا حدثَ سادَ بيننَا جوُ الألفةِ أخذَ كلُ منِا يطمأنُ الآخرَ هربَ الخوفُ من بينِنا تجاذبنا أطرافَ الحديثِ وأنتقلَ الحوارُ الهادئُ الى المشاكلِ اليوميةِ والأسعارِ والغلاءِ والعيشةِ ونسينا الأرهابَ والمتفجراتِ وتكومنا على أنفسنَا- مجتمعُ غريبُ جمعتةُ الصدفةَ والحيرُة والخوفُ وأصَرَ على أن يقهرَ كلَ شئِ ليحسَ بالأمنِ والأمانِ والدفءِ .
آذانُ الفجرِ يقطعُ السكونِ والترقبِ – خرجت من بينهم الى المسجد القريب وتحرك معى الكثيرون – أخذنى جوالسكون والأمن والطمأنينة داخلة حاصرنى دفء وحضن المكان وقفت بين المصلين التحمت أجسادنا كتفا بكتف وتساندنا – شد بعضنا البعض – إمتزجت أرواحنا بنداء السماء سمت فى نفوسنا روح التسامح والصفاء والقينا خلفنا كل همومنا وأوهامنا الله أكبر أشعرتنا بقوة وقدرةالخالق نعم أكبر وأكبر من كل شئ .
عندما ألقينا قلوبنا وتركناها وديعة عند الله شعرنا بالأمن والأمان وأدركنا أنه فى معية الله يكون الستر والسند .
إنتهينا من الصلاة مددنا أيدينا بعدها لنتصافح كل منا يعاهد الآخر على الولاء .
خرجتُ من مسجدى الى بيتى القريبِ ودخلتُ سريري وشددتُ فوقى غطائىَ شاكرا اللَه على أننى رجعتُ الى بيتى وموطنى ودعوتُ ربى أن يخلصنا ويرحمنا من دعاوى الفتنةِ والفرقةِ والقهرِ .
سيد عبد النبى محمد أحمد