المرأة و المجتمع

لمَ يعشقها نرجسية؟

راما أسامة

لمَ يعشقها نرجسية؟

لماذا نرى شريحة من الرجال ينجذبون آلياً للمرأة المستبدة المتمردة؟

ولماذا ما أن يتمكن من قلبها حتى يضع كرامتها على المحك، ويُقحمها في مساومات أخلاقية وعاطفية رخيصة مبتذلة؟ وما أن يُحرز الفوز بها حتى يَزهدها ويبدأ التفكير بالفكاك منها والهرب. فيمارس في حقها شتى صنوف الاستغفال والاستغباء والاستعباد؟ ويحيك لها عشرات التهم ويُفَوْتِرُ باسمها صغرى الزلات ونَزْرَ العثرات!

ولماذا لا يكتفي بهيئة القطة الأليفة التي كوَّنها الله عليها ويسعى بجهد لاستفزاز وإخراج اللبؤة التي بداخلها؟
لماذا يجعلها تعيش صراعاً مستمراً بين الحاجة للتعبير له عن حبها وتفضيلها الكتمان حفاظاً على عزتها واجتناباً لحتمية الخيبة؟ لماذا يضطرها لسحب وصايتها العاطفية عنه؟

لمَ يدفعها لاستعذاب تكبُّرها ولؤمها وكبت الرحمة في قلبها، بينما يسقيها مرار الذل حتى تعضَّ بنانها ندماً إن أبدت له ولاءها وانتماءها؟ لماذا يسيء فهم وتقدير عطائها؟

لمَ يعشق الرجل تلك المرأة المعضلة اللعوب التي تدق بصدره مناجل الشكوك، وتثير برأسه التساؤلات؟
لم يحمل الرجل بداخله نزعة ماسوشية يمقت بفعلها وداعة ووضوح الأنثى؟ لمَ يعشقها نرجسية؟

سيحتج وينفي هذا أحدهم، وسيجيب آخر أنه يكره ضعف المرأة وخضوعها وسذاجتها، ويفضِّل تلك الصعبة الواثقة المتماسكة. فهل هناك تضادٌّ بين الرفق والقوة والتعقل والنقاء أو اللطف والرزان ؟ أليس بإمكانها تحقيق سيادتها بالجمع بين كل تلك السمات؟ ثم متى كان الحب سهولة ورخص؟

وقد يختبر بها معاني الكرم والحلم واللين فيطمئن لنفعها أمَّاً لأطفاله وكِنَّة لأمه وواجهة برَّاقة لحياته الأسرية. فيقدسها ما دام بمنأىً عن تعاملاتها وفق تلك الأسس. وقد يستغرق عشرات الأعوام ليبادلها إحساس الودَّ والاحترام. ويكون الميثاق قبل هذا غليظاً عماده الإشفاق عليها والصبر على بلواه.

لست بصدد القدح والمهاجمة.. فقد استندتُ بأسئلتي على سلوكيات الكثير من الرجال .. وللأمانة الأدبية.. فقد أرسلت لمجموعة من صديقاتي تساؤلاً مفاده “كيف تخسر الأنثى مكانتها في قلب شريكها؟” ثمانون بالمئة عزيْنَ الأمر لشدة انصياعها وعطائها.

وفي موقع اليوتيوب بحثت عن فن التعامل مع الرجل فواجهت سيلاً هائلاً من النصائح. معظمها صادر عن رجال خبراء بعلم النفس و سيكولوجيا العلاقات العاطفية. وجميعها جاءت على غرار العناوين التالية:
-تجاهليه.
-كيف تجعلين الرجل يغار؟
-الرجل يعشق معذبته.
-لا تجعليه يضمن بقاءك.
-سيأتي راكعاً لو اتَّبعتِ تلك الحيل.
-احرقي قلبه وعقله.
-سيعود رغم أنفه بعد الفراق بثلاث خطوات فقط.
-سبع خطوات مجربة للانتقام منه وإخضاعه.
-سيندم على إهماله لك ويركض خلفك كالمجنون لو طبقت هذه الوصفة السحرية.

لألبرتو مورافيا رواية بعنوان “السأم” تضم ثلاثمائة صفحة يشرح فيها الطبيعة النفسية للرجل العاشق عبر فصول تحكي قصة رسام يملأه الملل من فنه وحياته فيسعى للبحث عن الإلهام الذي سيعيد ارتباطه بالأشياء من خلال علاقة يقيمها مع فتاة فقيرة محدودة الفكر سرعان ما يسأمها هي الأخرى ويبدأ التخطيط لتركها، فتباغته بانقلابها وتحولها لأنثى استغلالية غامضة ومستبدة. وهنا يستحيل نفوره منها عشقاً مضنياً يحيله العوبة بين يديها. فيملأه هوس المطاردة ويسعى لاستردادها واستملاكها ثانية بشتَّى السبل بلا جدوى.

ومن جانب آخر. لماذا يميل للوقوع بحب الأنثى الذكية الناجحة، وإن حدث و بادلته الحب ذاته استحال حبه عداوة نِدْيَّة وغيرة حاقدة؟ لماذا؟

هناك روائية لامعة – لن أذكر اسمها احتراماً لخصوصيتها- أحبت رجلاً مناضلاً فخلَّدته في الكثير من أعمالها، وجعلت منه البطل الأسطوري الذي لا يتكرر.. وما إن بزغ نجمها وذاع صيتها في كبرى الأوساط الأدبية والإبداعية حتى كفر بحبها وراح يكيل لها عشرات التهم.. فادَّعى بأنه من كتب لها تلك الأعمال واصفاً إياها “بالابنة الغير شرعية للغة”.
لا يُلام.. فقد أساءت إليه تلك الأدبية مرتين.. مرة يوم تفوَّقت عليه، وأخرى يوم عملقت شخصه وخلدت ذكره.

وفي السياق ذاته.. هنالك كاتب وقع بحب مدققة لغوية حسناء. ملكت عليه مجامع قلبه. ويوم ملَّها والتقى “بصيدة جديدة” كانت على علم بحبه لتلك المدققة، أرسل يخطب ودّها وينفي حقيقة ارتباطه بتلك الحسناء قائلاً بأنها لم تكن في حياته إلا منديلاً يمحو أخطاءه اللغوية وجسر عبور يوصله لأحلامه.. وملهماً يُغذي خياله ويعينه على الإبداع. ويوم تخلَّى عنه الملهم ومحاه المنديل وأسقطه الجسر بكى يرثوه قائلاً:
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي
روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ.

اظهر المزيد

ايفان سمان

صحفية وكاتبة سوريه، تدرس Media في جامعة برغن UIB. مديرة النشر في موقع الصحبة نيوز. تتقن 6 لغات ولها عديد المشاركات في الكتب الجماعية.
زر الذهاب إلى الأعلى