مقالات الرأى

لماذا تقدَّمُوا وتأخَّرنَا؟ إيلان مَسْك نموذجاً

بقلم: حسام الدين عوض

أرسل لي أحد أصدقائي تسجيلاً لرحلة صعود الملياردير المهندس إيلان مَسْك (Elon Musk) مؤسس شركة سبيس-إكس (Space-X) التي تجهز لإطلاق رحلات سياحية إلى كوكب المريخ! وصاحب شركة تيسلا (TESLA) للسيارات الكهربائية الأكثر أماناً في العالم.

طالعتُ التسجيل الذي يرصد قصة نجاح الرجل وكفاحه ، وإصراره على طرق الأبواب المختلفة ، حتى أصبح ضمن أهم عشرين اسماً في عالم التقنية الحديثة بالولايات المتحدة الأميريكية والعالم ، فضلاً عن امتلاكه ثروةً طائلةً تقدر ب 17 مليار دولار أميريكي!

إلا أنَّ المنطلقَ الماديَّ المغرق في شبقه والذي صيغ به هذا التسجيل بطريقة لاتخطئها عين ؛ قد لفت نظري واضطرني لأن أبحث فيما وراء هذه الشخصية الفريدة ، وكان ماتوقَّعتُه تماماً!

يحكي التسجيل نشأةَ إيلان مَسك الذي ولد في العام 1971م في دولة جنوب إفريقيا ، حيث كان مغرماً بعلوم الكومبيوتر منذ صغره ، لدرجةٍ قام معها بتصميم لعبةٍ وهو في الثانية عشرة من عمره ، باعها آنذاك بخمسمائة دولار أميريكي ، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميريكية لدراسة الهندسة الفيزيائية ، وبدأ مشروعه التقني الأول بعد التخرج من الجامعة بمبلغ زهيد لايتخطي الـ 28 ألف دولار أميريكي وذلك بمساعدة والده الذي كان يعمل مهندساً متواضعاً ، ثم نجح في بيع مشروعه ذلك في العام 1999م لشركة كومباك (Compaq) ليحقق ربحاً شخصياً في حدود 22 مليون دولار أميريكي ، حيث استثمر أكثر من نصف ذلك المبلغ لتطوير خدمة بنكية أون لاين ، والتي تطورت فيما بعد -بمشاركة آخرين- لتصبح شركة باي بال الشهيرة (Paypal) للدفع وتحويل الأموال عبر الإنترنت.

في العام 2001 وضع تصوراً لمشروعه الحلم والذي فحواه بناء مساكن صديقة للبيئة على كوكب المريخ! وقرر بيع حصته في (Paypal) في العام 2002 لشركة (E-bay) ليحقق ربحاً وصل إلى 180 مليون دولار وذلك لتمويل مشروعه ، سافر إلى روسيا الاتحادية والتقى بأحد المصانع الروسية المتخصصة في صناعة الصواريخ الباليستية ليعرض عليهم فكرته ، لكنهم رفضوا التعاون معه وسخروا منه! فقرر أن ينشئ شركته المتخصصة في بناء الصواريخ لأغراض السياحة الفضائية باستثمارات شخصية قدرها 100 مليون دولار. (من يعرف بيئة البيزنس في روسيا جيداً ، فلا شك أنه يعرف قدرة هذه البلاد على صناعة كل شئ ، رغم أنها تستورد كل شئٍ من الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميريكية وكندا ، ولاتصدر -تقريباً- سوى المواد الأولية!)

المهم ..

فشلت التجربة الأولى لإطلاق الصاروخ في العام 2006 ، فحاول مجدداً في الأعوام 2007 و 2008 لكنه كان يفشل في كل مرة ، حتى أوشك على الإفلاس! وكان أمام رهانٍ في غاية الصعوبة ، فإما أن يستكمل تمويل محاولته الرابعة والأخيرة والتي إذا فشلت فسوف يفقد معظم ثروته وأمانيه ، وإما أن يحاول مجدداً ، فاختار المحاولة وأطلق بنجاح صاروخه في سبتمبر 2008 ، الأمر الذي دعا وكالة ناسا الفضائية لمنح شركته عقداً بقيمة 1.6 مليار دولار أميريكي! وأخيراً وفي العام 2017 نجحت شركته في تنفيذ هبوط ناجح لأحد صواريخها على ظهر سفينة تسبح في المحيط الهادي وذلك بعد أن كانت فكرة عودة صاروخ مرة أخرى إلى جو الأرض دون أن يتم تدميره فكرةً شبه مستحيلة!

لاشك أنها قصة ملهمة تلك التي سردها ذلك التسجيل الرائع الذي شاهدتُه منذ يومين ، لكنَّ ما أخفاه التسجيل -بطبيعة الحال- أن إيلان قد ولد لأبوين يهوديين !

إيلان مَسْك ليس اليهودي الوحيد الذي حقق هذا النجاح الكبير في عالم التقنية الحديثة (High-Tech) .. بل لايكاد هذا العالم يخلو من نجاحاتٍ مذهلةٍ لرجال الأعمال اليهود ، ويأتي على رأسهم مارك زوكربيرج مؤسس وصاحب موقع فيس بوك الشهير (Facebook) والذي تقدر ثروته الشخصية بنحو 45 مليار دولار أميريكي ، ثم الشريكان لاري بيج (مولود لأم يهودية) ، و سيرجي برين (هاجرت عائلته اليهودية من الاتحاد السوفيتي إلى الولايات المتحدة الأميريكية عام 79) صاحبا عملاق التقنية العالمي جوجل (Google) ويمتلك كل منهما ثروة تقدر بنحو 38 مليار دولار أميريكي.

وقبلهم لاري إيليسون صاحب ومؤسس عملاق قواعد البيانات أوراكل (Oracle) والذي يمتلك ثروة تقدر بنحو 36 مليار دولار أميريكي.

ثم يأتي مايكل ديل صاحب عملاق صناعة الحواسيب (DELL) بثروة تقدر بنحو 22 مليار دولار أميريكي.

ثم ستيف بالمر الرئيس التنفيذي لعملاق البرمجيات مايكروسوفت (Microsoft) وثروة تقدر بنحو 15 مليار دولار أميريكي.

فضلاً عن قائمة طويلة تضم أبرام كوهين (مؤسس BitTorrent) ، كين جولدمان (العضو المنتدب لشركة Yahoo) ، أندرو جروف (رئيس مجلس إدارة Intel) ، ستيفن كوفير (مؤسس Tripadvisor) ، جان كوم (مؤسس Whatsapp) ، ساندي ليرنر (مؤسسة Cisco systems) ، ماكسميليان ليفتشين (رئيس Paypal) ، تالمون ماركو (مؤسس Viber) ، ليور رون (مطور Google maps) ، آندي روبن (مخترع نظام تشغيل الهواتف المحمولة Android) ، بنيامين روسن (مؤسس Compaq) ، إيفان سايدنبرج (مؤسس عملاق الاتصالات Verizon) و جيف واينر (مؤسس linkedIn) وغيرهم !

أنا لستُ ممن يهوون إرجاع كل ظاهرة تحدث على كوكب الأرض إلى نظرية المؤامرة الصهيونية ، ولستُ ممن يؤمنون بأن أسفل كل حجر توجد أفعى يهودية ، بل أقول -وبكل ثقة- إن مشكلتي ليست مع اليهود كأهل ديانة سماوية ، لأن العداوة المذكورة في القرآن العظيم هي من جانبهم هم تجاهنا نحن المسلمين ، لكننا لانعادي أحداً لمجرد مخالفته إيانا في الاعتقاد.

مشكلتي هي مع الصهاينة الذين يدعمون دولة توسعيةً لقيطة قامت باحتلال أرض الغير باستخدام القوة الجبرية ، ومنذ تأسيسها قهراً وقسراً وهي تمارس أسوأ أنواع العنصرية والغطرسة المستندة للقوة الغاشمة على الشعب الفلسطيني الأعزل ، وعلى الشعوب العربية كافة!

ولكنِّي -وفي نفس الوقت- فلايمكنني أن أستبعد تماماً وجود سرٍ يقف خلف هذه الظاهرة التي حققتها (شبكة) رجال الأعمال اليهود العالمية في مجالاتٍ بعينها! يأتي على رأسها مجال التقنية الحديثة.

السؤال الذي ينبغي أن نسأله لأنفسنا .. لماذا نجح هؤلاء وفشلنا نحن؟

لماذا تقدموا وتأخرنا؟ لماذا أنتجوا واستهلكنا؟ لماذا توحدوا وتفرقنا؟ لماذا استفادوا من شبكة علاقاتهم الدولية .. فيما نحن نقتتل كل يومٍ على أشلاء بلادنا المأزومة المهزومة! لماذا انشغلوا هم بتطوير العلوم التقنية والمادية المختلفة ، فيما انشغلنا نحن بالصراعات الطائفية ، والخلافات المذهبية ، ونكأنا جراحات تفرقنا وخلافاتنا التاريخية والعرقية؟ لماذا وفروا للناجح بيئة خصبة لمزيد من النجاح والتألق ، بينما أمددنا نحن النابغين منا بكل أسباب الإحباط والإبعاد واليأس حتى نحولهم إلى فاشلين !

قد كانت أمتنا تمتلك الأموال الطائلة التي من شأنها توظيف أفضل الخبرات العالمية في مجال التقنية الحديثة ، فضلاً عن إمكان إنشاء كبريات الشركات العالمية العابرة للقارات .. فلماذا لم تُستثمَر أموالُنا العربية والإسلامية في هذا المجال؟ وأُزهِقَت تحت أقدام راقصات التعري في حانات أوروبا وأميريكا؟

أسئلةٌ مرَّة ؟!! والإجابات عليها .. أدهى وأمرَّ !!

اظهر المزيد

حسام الدين عوض

مهندس مصري وكاتب وباحث في الشؤون الإسلامية ، حاصل على بكالريوس الهندسة ، ماجستير إدارة الأعمال ، دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى