لاعبودية في الإسلام

بقلم: حسام الدين عوض
تصور؟ وصل الأمر ببعضهم إلى حد وصف العبودية بالإعجاز! وذلك في مقال سطره أحدُ الأغمار على موقع ‘طريق الإسلام’ تحت عنوان “الرق في الإسلام شبهةٌ أم إعجاز”! ثم بعد هذا يتساءلون في دهشة : لماذا يُلحِدُ شبابُنَا؟
لأنهم فقدوا الثقة في سخافاتكم التي نسبتموها للإسلام!
ثم إنَّهُ لاينقضي عجبي من إسلاميٍ يتصايحُ مما يحدثُ للفتيات في سجون المستبدين ومعتقلاتهم ، ويصرخُ من أفاعيل جيوش القوى الكبرى في بلادنا المهزومة المأزومة ، ثم تجده على الجانب المقابل يتكلف التكلفات ويتعسف التعسفات في محاولةٍ منه لإيجاد دليلٍ يشرعنُ به العبودية!
لقد ظنَّ هؤلاء بفهمهم غير المتقن لنصوص الشرع ، والذي يخلو من الصنعة الفقهية ومن أثارة العلم أنَّ الإسلام حين أقرَّ أحكاماً لتنظيم آثار الرق وثماره (والذي فرضته ضرورة “المعاملة بالمثل” في فترة تاريخية معينة) –ظنوا- أنَّ الإسلامَ يشرعُ الرقَّ نفسه ، وذلك لأنهم لم يفرقوا بين تشريع الأصل ، وبين ضبط الآثار المترتبة عليه حتى يزول ، وإلا فإنني أطالبهم أن يأتوا بدليل شرعي صريحٍ صحيح واحدٍ يتعبَّدُ المسلمين باستعباد غيرهم من الأمم والشعوب ، لكنهم لم ولن يفعلوا!
أقول بملئ فمي ونسجاً على منوال الغزالي والشعراوي والقرضاوي وغيرهم من أكابر علماء الإسلام المعاصرين: إن الإسلام شرع العتق ، ولم يشرع الرق ، والله تعالى يقول: “ولقد كرمنا بني آدم” جميع بني آدم ، وفاروق الأمة –رضي الله عنه- يقول: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ..!
أقول: نزل القرآن الكريم والرقُّ واقعٌ ، حضَّ الإسلامُ على تجفيف منابعه ، وخطط لزواله تماماً من على وجه الأرض في خلال جيلين أو ثلاثة وبانتهاء حروب المسلمين الأوائل مع القبائل العربية التي كانت تسبي النساء ، ولكنّ حب الدنيا واستمراء الملوك والأمراء لمتعها الزائلة ، قد حال دون تحقيق هذا الهدف الإسلاميّ النبيل ، حتى تحقق مؤخراً على أيدي من نسميهم بـ الكفار! وذلك حين منعوا العبودية وأصدروا المواثيق الدولية التي تقرُّ حقوق الإنسان ، وقد كانت أمتنا أولى بهذا منهم!
قال المعارض: كيف جفَّفَ الإسلامُ منابعَ الرقّ؟ وقد كان الصحابةُ والتابعون يسترقُّون ويتخذون الإماء والسرايا ، هل أنتم أعلم بالإسلام منهم؟ ثُمّ إنَّ الإسلامَ قد أبطلَ أموراً كثيرةً كالربا وكشرب الخمر ونحو ذلك بنصوص قطعية ، فلماذا لم يمنع الرقّ بنظير هذه النصوص؟
والجواب عليه من وجوه:
أما الأول: فالإسلام لم يكن ليمنع أصل الرقِّ لضرورة خوض معارك متكافئة الشروط (مبدأ المعاملة بالمثل) فإذا دخلت معركةً مع طرفٍ يمنحُ نفسه حق استرقاق الأسرى والأسيرات بينما تعفي أنت نفسك من تلك المشارطة! تكون بذلك قد أوقعت جنودك في الحرج ووضعتهم تحت ضغط عصبي ونفسي عسير ، ومع هذا فالإسلام قد حضّ المؤمنين على إعتاق الرقاب تمهيداً لمجئ زمن لايباع فيه إنسانٌ ولا يُشتَرى ، والآيات القرآنية في هذا أكثر من أن أذكرها هاهنا.
وأما الثاني: فالإسلام نظَّمَ آثار الرق لضرورة أيضاً ، وإلا فأين تذهب سبايا المعارك الأولى؟ وقد كانت السبايا في الجاهلية كلأً مباحاً ، يتحكم فيهن السادة ، وليس لديهن من أمل يذكر في نيل الحرية يوماً ، وقد يكره السيد سبيته على البِغَاء ليحصل المال من ورائها ، أو قد يزهد فيها كأنثى ، فيتركها فريسة للوقوع في الزنا ، فنظَّم الإسلامُ تلك العلاقة ، ثمّ حضَّ على إعتاقها إمّا ابتغاء وجه الله (وما أدراك ماالعقبة ، فكُّ رقبة) أو ككفاراتٍ لبعض الذنوب.
وأما الثالث: فالإسلام حصرَ منابع الرقَّ على أسرى الحروب فقط (كانت المنابع أكثر من عشرة منابعَ في الجاهلية) ، وفي مواجهة الأعداء الذين يتخذون الرقيق فقط ، انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل كما قدَّمت ، كما حصر المعاملة مع أسرى الحروب في أحد أمرين كما في آية سورة محمد (فإمّا منّاً بعدُ وإما فداءً حتى تضع الحربُ أوزارها) وهو أحدُ أكثر أساليب اللسان العربي حصراً وقصراً : إمّا .. وإمّا ، ليس ثمّةُ احتمالٍ ثالث! إلّا أنّ الفقهاء أضافوا “وإمّا استرقاقاً” بمستند السنة لأنهم خلطوا -كما أسلفت- بين الضرورة العسكرية والضرورة الشرعية!
وأما الرابع: فالآيات التي تتكلم عن ملك اليمين في القرآن الكريم تاريخية الأحكام ، واللفظ في آية سورة ‘المؤمنون’: (إلاّ عَلَى أزواجِهِم أو مامَلكَتْ أيمانُهُم فإنَّهُم غَيرُ مَلُومين) جاء باستخدام حرف العطف “أو” الذي يفيد التخيير لا الجمع ، ففي مرحلةٍ تاريخية يكون الزواج أو التملك ، ثم حين يزولُ الرقُّ تماماً ، يصبحُ الزواج بمفرده هو شريعة الإسلام للعلاقة السوية بين الرجل والمرأة.
وأما الخامس: فإنَّ كُلِّيات الشريعة تنحاز لتكريم الإنسان (كل إنسان) وتنتصر لقيم الرأفة والرحمة والعدالة والتسامح ، ومما لاشك فيه أن العبودية نقيض كل هذه القيم الإسلامية العظيمة والقرآنية القاطعة الماتعة.
وأما السادس : فلست أدري ، كيف تجترئ أمة مهزومة مأزومة على الكلام في استرقاق نساء أعدائها المحاربين لها ، ولو حاربها عدوها بما يملك اليوم من أسلحة فتاكة لاتصنع الأمة منها شيئاً مذكوراً -فلو عاملها العدو بمثل مايتصور ذكورها أن يحصِّلوهُ هم في حالة انتصارهم- لكان بذلك مذموماً لديهم ! وهذا –والله- الكيل بمكيالين ، والنظر بإحدى عينين !
تصور نفسك وأنت تقلّبُ في أحكام الرقيق والسبايا التي وضعها الفقهاء ، ثم أنت ترفعُ لفظة “السرية” وتضع مكانها زوجتك ..! أو أمك ..! أو أختك ..! أو ابنتك! التي أسرها جيش عدوك المحارب ، ثم حدثني بعدها عن وخز الضمير ووجع النفس.
=======================
هامش:
أولاً: المدعو أبو إسحق الحويني يشرح فكرته المهووسة عن الجهاد! والتي مفادها غزو الدول المجاورة لسبي نسائها واستعباد رجالها وأطفالها ، ثم بيعهم في أسواق النخاسة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للدول الإسلامية!!
https://www.youtube.com/watch?v=NchAZ1bHkno
ثانياً: العلامة الدكتور عدنان إبراهيم يردّ على الحويني