
اعتبر كثيرون أن الفيلسوف الانكليزي جون لانغشو أوستن متطرفاً حين قال أن القانون هو إرادة الحاكم أو السلطان الذي له السيطرة المطلقة.
والبعض اتهم هيغل بالتشاؤمية حين قرّر أن الدول هي من توفق في حسم التناقض الأساسي بين الوجدان الفردي والمصلحة.
أما إذا عدنا إلى الموسوعة العالمية فنراها تقرّ بأن القانون يهدف إلى تحقيق الأمن والعدالة والاستقرار لكلّ من المجتمع والأفراد والمنظمات والتجمعات البشرية.
طبعاً كل ذلك لم يدر في خلد كارولا ريكيت وهي تناور خفر السواحل الايطالي والذين منعوها أو حاولوا من الرسو بسفينتها سي ووتش، لتعرّضهم بمناورتها وتعرّض نفسها للخطر قبل أن ترسو عنوة على شواطئ لامبيدوزا في صقلية الايطالية.
تبدو قصة كارولا ريكيت ملهمة للكثيرين، فقد كسرت القبطانة الألمانية الشابة الحظر الذي فرضه بأمر القانون، وزير الداخلية الايطالي اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، بمنع أيّ سفينة تحمل مهاجرين بالرسو على الموانئ الإيطالية مهما كان السبب.
قالت كارولا أنها انتظرت الاذن لحوالي ستين ساعة دون جدوى، وأن من ضمن حمولتها ( 53 من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذين تمت عملية انقاذهم قرابة السواحل الليبية ) من كان بأمس الحاجة للعلاج الصحي ( 17 شخصاً سرعان ما تم نقلهم للمشافي الايطالية ).
كارولا أكّدت أنها لم تكن تقصد الإتيان بأي فعل عنيف، بل أن كلّ ما قامت به هو أنها عصت الأوامر وأنها غير مخولة بتنفيذها طالما الأمر يستدعي ( إنسانياً ) تجاوز القانون.
هنا ينشأ الصراع الأزلي بين القانون والمصلحة، أو بين المصلحة والحق.
النائب الايطالي اليساري غراسيانو ديلريو رأى أن تصرف كارولا هو كسيارة الاسعاف التي كسرت ضوءاً أحمر لإنقاذ حياة مصاب.
طبعاً سالفيني كان مخلصاً لدونيته وأرغى وأزبد واعتبر العمل إجرامياً وشبّهه بفعل حرب.
ريكيت من المفترض أن تمثل أمام المحكمة يوم الاثنين، حين إعداد هذه السطور، حيث تواجه تهماً قد تصل عقوباتها للسجن عشرة اعوام إضافة لغرامة مالية تتجاوز 27 ألف يورو.
ولأن الأعمال الإنسانية تستنهض أعمالاً إنسانية أخرى، فقد قام الناشط الالماني يان بومرمان وزميله كلاس اويفر أوملاو بحملة على شبكة الانترنت لجمع المال لدفع غرامة القبطانة الألمانية، وقد جمعت الحملة حتى تاريخه ما فاق 750 ألف يورو، ليُثبتوا لنا أن الانسانية مازالت حية داخلنا وأن الأمل موجود رغم كل العتمة التي تكدّر صفونا .
دمتم بود.