قلبي، أنا والحزن ثالثنا

دعاني الحزن إلى ضيافته وقلبي لبّى النداء،
مكان مفعم بالألم واللّوعة، دخلته برفقة قلبي وصديقنا الثالث
الذي يرافقنا دومًا؛ في هكذا مناسبات؛
“المجهول”.
دخلنا معًا، فوجدنا مضيفنا بحلّة تستفزّ الشجون،
وأكثر…
فذهلت من فرط المشاعر والأحاسيس التي تحيط بك من كلّ
إتجاه.
شموع في كلّ مكان… النور خافت جدًا، والهدوء المستتبّ في
الأرجاء يضع الموجودين في حالة اختبار لاإراديّ لعواطفهم.
جلست وقلبي وبيننا المجهول… ننتظر!
كلّ شيء يوحي بالسكون…
إلاّ السكون المجنون فمن يعرفه يستدرك أنّه الهدوء الذي يسبق
العاصفة…
وبينما كنت أنتظر…
كان قلبي يخفق وكان المجهول يراقب نظراتي بلهفة، ويستمع إلى
خفقان قلبي بشغف وترقّب
وفجأة وصل ضيف الشرف…
فاستنفرت كلّ حواسي،
وضاع التركيز…
وبدأ الحلم…
كوكبة من الهمسات الرقيقة حدّ الحب…
وشوشات بريئات حدّ الصمت…
نظرات حائرات كدمعة طفل…
وشيء ما اهتزّ في ضلوعي…
أهو قلبي يتراقص مع ترانيم المساء؟! أم ومضات حبّ تلوح في
الأفق؟!
أم شمس تلامس البحر بدلع فراشة تقترب من الضوء؟!
بالباب يقف برجولة مغرية حدّ المجون…
فوجدتني غير آبهة بكلّ الحضور…
رمقني بنظرة أمر لم يستطع بعدها قلبي البقاء سجين الضلوع…
فذهبنا إليه، كعاشقة ترقص على أنغام الخفر…
وعند التلاقي، شعرت بأنفاسه تحرق وجهي فعرفته من رائحته التي
ملأت المكان بأسره…
نعم هو، ما زال يشبه ذاته، كلّما ابتعد عني اشتقته،
وكلّما اقترب مني أحرقني…
ضاق المكان بي، وقلبي ليس معي؛ فلم يبقَ من نفسي سوى بقايا
نشوة، لم تصل حدّ الجنون، وقلبي منّي هارب، علّه يفلت هذه
المرّة…
لكن كيف؟!…
كلّما نظرتُ في عينيّ هذا الضيف، أفقدُ ذاكرتي،
وأنسى أغلب حواسي، وأمشي وراءه كالظلّ الذي يلحق بصاحبه…
وأحيانًا يسبقه…
ضيفي أنا.. اسمه يُطرب السامعين، ويُلهم الشعراء…
أمّا نحن، معشر العشاق، نعرفه لأنّه يسكن الحشا…
ومأواه بين الضلوع…
نحن المتيّمون، نختاره كلّ مرّة، متيقّنين ألّا مفرّ من الوصال…
حتّى ولو بعد حين…
ضيفي أنا.. سيّد القصر، مليكه، يتربّع فوق مملكة العشق، تعرفونه
جيّدًا…
هو “العذاب”
نرشفه مع كلّ جرح ينزف لوعة ويقينًا…
نعزّزه طوعًا ونهديه أجمل أيّامنا ليغدوَ سيّد الذكريات… والقائم
بأعمال القلب…
فإلى أين تهرب يا قلبي؟!
تعوّدْتَ دومًا أن تحيا في الرمال المتحرّكة، لم تعرف يومًا أرضًا
صلبة، ثابتة…
تقف اليوم أمام المرآة، ترى قلبًا مشوّهًا…
أمّا أنا، فتفوّقت عليك، وفزت بلقب مسخ امرأة برتبة….
عاشقة!
رندلى منصور، من روايتي “حرية وراء القضبان”