
باب البحر
بقلم/مصطفي رشوان
{العادة المتبعة عند المسلمين تجاه الأجانب في جميع أنحاء الشام هي أنه لايسمح لأجنبي بدخول الشام راكباً فلا يجرؤ أجنبي علي دخولها الا مشيا}
“نص من رحلات الرحالة البورغوندي برتدانون دي لابروكير 1433”
الظلام يفرش السماء صوت الصلوات وأنين المرضي والأطفال يسقطون واحداً تلو الآخر دوار البحر علي مركب في نقطة مفقودة لا أعرف تاريخ اليوم أو الوقت أفقد وعيي وأعود مجدداً لأكتب فقط لمن أكتب هل سيفيد هذا عندما يحين اللقاء بيني وبينه
من قليل أخبرنا قائد المركب أننا اقتربنا من المياه الإقليمية الإيطالية لا أحد يصدقه يقول: هذا من يومان
مائتين شخص علي المركب الموت يتعرف علي واحد كل دقيقة هجرت بعيداً عن الحرب
كان الجيش الوطني يطاردنا أنا وشباب غيري للتجنيد الإجباري أصبحنا غير قادرين علي الذهاب لأعمالنا لذا قررت أن أركب البحر عسي أن أعيش بسلام بعدما فقدت عائلتي وفقدت دفء دمشق
نعم هل تذكرون دمشق قبل الحرب كانت قطعة من الياسمين
أتذكر دمشق التي تختزل كل النساء في حيائها وحين ترفع حاجبيها دهشة تخجل المدن من عينيها ويسترق الليل سمعه حين يغلبها البكاء
دمشق الفقراء الذين يولدون علي قناعة أن الفقر والكرامة والحرية يولدون معاً
دمشق التي ترفض أن تموت كما يموت الجبناء أنظر بعيداً بعينين مثقلتين أري مآذن الجامع الأموي وأسمع أجراس كنيسة الزيتون
أسأل نفسي هل هربت من الموت بحثاً عن طريقة أخري في الموت؟
هل هربت من قذائف المسلحين علي بيتنا في باب توما للموت وحيداً في عرض البحر؟
كل ما أتذكر أني باحثاً عن طريقة للخروج من سوريا إلي أوروبا.
وبعد مراقبتي لطرق الدخول اكتشفت أن أوروبا فتحت الباب الخلفي للاجئيين عن طريق إيطاليا تواصلت مع أحدهم بعد خروجي من سوريا إلي مصر
وتم نقلنا من ميناء الإسكندرية خروجاً من المياه الإقليمية وصولا الي هذه النقطة
خمس أيام ونحن هنا فقدنا الطعام والمؤن أصبح الموت فقط هو رفيق رحلتنا أنظر إليهم كم عانوا مثلي الحروب ..
الحروب هي من ستحاسب ولكن من يصنع هذه الحروب؟
*سيرين* التي فقدت زوجها وهربت من السبي والذل
*علي* يضم أطفاله ويبتسم لهم حتي لبكائهم
*يحي ووالده*العجوز مريض الربو سيموت حتماً بعد لحظات
وغيرهم الكثير .
سمعت قائد المركب يتكلم في جهاز الثريا ويقول: بصوت عالي نعم نعم نحن هنا في هذه الاحداثيات ويقول أرقاما لخطوط تخص موقعنا ويرد عليه المتكلم : أنتم في منطقة باب البحر
ولا أظن وجود مخرج غير التواصل مع مركب علي نفس الخط
أحاول أن أتمالك نفسي، وأقوم اخلع عني سترت البحر
أقف في منتصف المركب محدثا القائد : أنظر .. انظر هناك أري دمشق أسمع أصوات الأذان أري بيتنا من هنا
ياالله . . ياالله نهايتي ستكون في دمشق الحمد لله ..
تمت…
بقلم/ مصطفى رشوان