
حين رأى عمر ابو ريشة النسر و هو يسقط نظر الى نفسه و الألم يعتصرها و كأنه يقول : (نعم ؛ ذلك النسر هو أنا )كان يتذكر أمجاد المسلمين و ينظر الى واقعهم الأليم و لم تطل تأملات الشاعر في ذلك النسر فقد استجمع قواه و تحمل آلام جراحه وطار ليهبط على القمة التي وقع منها ، لقد هبط ميتا و قد أعجب الشاعر بهذا الهبوط الذي تزينه المعاني السامية فالحياة الذليلة لا تساوي شيئا و أن كان صاحبها في نعيم و الحياة الكريمة هي السعادة الحقيقية و إن كان صاحبها في شقاء بل لو خسر من أجلها حياته كلها أعجب الشاعر بهذا الهبوط و لكنه لم يقل: (نعم ؛ ذلك النسر هو أنا ) لأنه لايعرف حقيقة اصرار المسلمين عربا او عجما على أن يعودوا الى قمة أمجادهم فقال و الألم ما زال يعتصره: (أيها النسر هل أعود كما عدت أم السفح قد أمات شعوري) في إشارة حازمة من الشاعر الى أن الرفعةلا تنال بالتمني و يستمر نداء الكبرياء عاليا في شعر (أبو ريشة) و ينشد الشاعر قصيدته الفريدة( أمتي) و يأتي السؤال في بدايتها عنيفا مؤلما كوقع السيف و لكنه رؤوف متزن (أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم) الشاعر يشرح هذه الأمة بمشرط الطبيب ليخرج مادة الفساد منها أو ليخرج مادة الكسل و الاستسلام منها و قد عالج الشاعر مرض الانبهار بشخصية ما و رفعها الى المكان الذي لا تستحقه ليعلو تصفيق المستمعين للشاعر و تستمر مطالبتهم بإعادة هذه الأبيات في الوقت الذي تكاد رؤوس البعض تنفجر من الغيظ و كأنهم أحسوا أن الشاعر يقصد شخصية بعينها (أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم) فهل كانت هذه القصيدة سببا في ابعاد الشاعر عمر ابو ريشة عن وطنه و تعيينه بالسلك الدبلوماسي برتبة وزير مفوض و كأن القوم لا يريدون الاعتراف بخطئهم بل يريدون الاستمرار في تقاعسهم و انخذالهم و سلبيتهم؟ لقد ذاق الشاعر صنوف العذاب من المستعمر الفرنسي و من أبناء أمته لتبقى قصائد الكبرياء في ديوانه ادانة لحالة السقوط و أملا في الوصول الى القمم