مقالات الرأى

قداسة المدنس

“والله ما هتنازل يا عمدة عن نص فدان وجاموسة” جملة خالدة من رائعة سعد الدين وهبة “الزوجة الثانية” المقتبسة من قصة قصيرة لرشدي صالح تحمل نفس الاسم على لسان شخصية العطار مبروك رجل الدين الذي وضع ثمناً لدينه لمن يدفع، تلك الجملة تستحضرني حالياً كثيرا

بعد انتشار وباء المبروك الطرطوفي بيننا.

في كل تجمع بشري سواء مجموعة أصدقاء، مكان عمل، نادي، مدرسة، قرية، من أصغر قياس للأكبر في مجتمعنا، ستجد هذا الشخص الطرطوفي مدعي التدين والعلم، يحاول نشر نفوذه وسطوته داخل المكان، ويكون أسواط الكفر والضلال وعدم الإيمان جاهزة ليجلد بهم كل من يجرؤ على مجرد التفكير في المناقشة لا الاعتراض.
بالتأكيد لا يمكن التعميم فليس كل متدين أو ملتحي على هذه الشاكلة، لكن بطبيعة الحال كقانون البيض “الفاسد يطفو على السطح والسليم يظل في القاع” لذا هؤلاء المدعين الذين يتدثرون بقشرة التدين لتكسبهم تلك المكانة بين الناس يطفون على السطح.
وكما مبروك العطار فهذا الدثار هو للبيع يمكن قصه وتطويله؛ فهي قطعة من القماش الطيع التي تتمدد كما يشاء حاملها، صانعا منها أثواباً تناسب المشترين، وكل شيء بثمنه، فالفتوى للبيع، الطريقة للتحايل والدوران حول الدين معتقدين خداع الله هين كقصة أصحاب السبت، غير مدركين المصير الذي ينتظرهم ربما ينقلبوا قردة خاسئين مثلهم لنتطهر منهم.
لكنهم لم ينقلبوا بل يتمرغون في نعيم كذبهم ونفاقهم، لذلك أصبح المبروك مهنة -أسفة لأقول- رجل دين يظهر في القنوات الفضائية يعظ الناس و يلقي الفتاوي، فلكل قناة مبروك الخاص بها وكلما كانت قماشة المبروك طيعة؛ كان الأجر أعلى وبدلاً من فدان مزرعة والجاموسة تصير قطيع.
أخطر أنواع الطرطوفين هم رجال دارسين الدين حقاً غير مدعين يعلمون الحلال والحرام، لكنهم يطوعونه لخدمة الحكام وموالاة لهم للظفر بمنصب أو حتى يكتفون بالرضا، فيصدرون الفتاوى الغريبة المثيرة للجدل حتى يلهون الناس عن قضية سياسية، كفتوى إرضاع الكبير وبول الرسول.
بين مبروك الأمس ونجوم الاعلام اليوم سنين ضوئية من حيث المظهر، لكن المضمون واحد الغاية واحدة والتأثير أيضاً واحد، جميعهم دنسوا قداسة عباءة رجال الدين ليتشكك الناس في كل رجل دين ويتنكرون للدين الحق ويصمون الدين بمدعين الدين.

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
زر الذهاب إلى الأعلى