أدب و ثقافةالمقالات الأدبية

في السفر عجائب ومقالب (3) خلينا أصحاب أحسن

إيهاب فاروق

في السفر عجائب ومقالب
(3)
خلينا أصحاب أحسن, حتى في الصين!!

لا أستطيع أن أصف شعوري, عندما حطت بنا الطائرة أخيرًا على أرض الصين, فهو شعور لا يمكن وصفه ولا حتى بتقليد صيني, لكن المؤكد أنني لم أكن أتوقع رؤية تنين ضخم قد أتى بحاله وماله, وذيله وألسنة نيرانه لكى يستقبلنا في المطار, أو أن هناك فرقة “كونج فو” صينية قد أتت واستعدت في المطار, لكى تتحفنا بآخر حركات اللعبة وهم يرتدون البيجامات الحمراء, لكنه ظل شعورًا غريبًا والسلام, باختصار أنا الآن على أرض الصين, وهذا يكفي لكى أقول لكل من حولي “نيهاو”, فيردون على بلا أدني استغراب “نيهاو ورحمة الله وبركاته” .
كانت هذه العبارة وهى تعنى إلقاء التحية باللغة الصينية, مع كلمة أخري هي “شياشيه”, وتعني شكرًا جزيلًا , هي كل محصولي من اللغة الصينية, التي لن أتعلمها طبعًا, لا في القريب العاجل ولا على الأمد البعيد, فلا أضمن أن يمتد بي العمر في هذه الدنيا لمائة عام أخرى, حتى أستطيع إتقانها قبل أن تضيق عيناي طبعًا !!
لكن يبدو أن عيناي قد بدأتا تضيقان بالفعل, أو أن عيون هؤلاء الصينيات المنتظرات لنا على أبواب صالة االوصول في المطار “مدغششة حبيتين”, فبعد أن تَركَتُّ عبارة “Thank you” علي باب الطائرة, والتي كانت تطلقها أفواه المضيفات الألمانيات لكل الركاب المغادرين بلا حساب, بدأت أتلقي تلك الطلقات المتتابعة من عبارة “نيهاو” وهي تُصَوب علي من كل اتجاه, لتتعلق بأذنيَّ من أفواه المستضيفات الصينيات الواقفات في انتظارنا أو المرتبصات لنا بالمرصاد كقادمين إلى المطار, حتى بدأت أشك في كوني قد أصبحت صينيًا فعلًا, فأسرعت لأقرب مرآة لكى أرى وجهي المصري الأصلي, فربما ضاقت عيناي كذلك وأصبحت صينيًا أصليًا, لكن يبدو أن أهل هذا البلد لا يعترفون بشيء اسمه اللغة الإنجليزية .
ولكن يعترفوا أو لا يعترفوا, هذا شأنهم هم, فكل شعب حر في لغة بلده, فما بالك بشعب هو خمس تعداد البشر في العالم, هذا غير النمور طبعًا, فكان يجب علينا نحن أن نتعلم لغتهم, خصوصًا وأنهم متنمرون لكل شيء في العالم, ويستعدون للانطلاق إلى كل بقاع الدنيا, وقد بدا تنمرهم هذا واضحًا في صف العساكر الصغير الذي هل علينا فجأة وكان مكونًا من أربعة عساكر, ولولا أنني نمت جيدًا في الطائرة لكنت قد دعكت عيني حتى أدميتهما لكى أتبين الفرق بين هؤلاء الأربعة, وأتأكد بأنني لم يصبني الحول المركب أو المربع, لدرجة أنني أري أمامي عسكري واحد فقط, لكن بأربع نسخ طبق الأصل !!
كان العساكر الأربعة قطعية واحدة في كل شيء, وكأنهم الأولاد في ورق الكوتشينة, أي أن كلًا منهم كان على أتم الاستعداد لكى “يقش” كل من أمامه, رغم أن سلاحهم الفتاك لم يكن إلا الهراوات السوداء المعلقة حول وسطهم فقط, إنما كان هذا إيذانًا لنا جميعًا بالتوجه مباشرة نحو أكشاك ضباط مراجعة الجوازات, فهراوة واحدة من هذه فوق أم الرأس حتى ولو كانت صينية مقلدة, قد تجعلنا ننسى أننا مصريون أصلًا, وربما نتحول إلى النوع الصيني ونقول لضباط الجوازات نيهاو بجد !!
أخذنا الأختام الصينية على جوازات سفرنا بمنتهى الترحاب, فالصين وغيرها من دول جنوب وشرق آسيا ترحب بكل قادم إليها على كل حال, طالما أنه قادم إليهم للسياحة والشراء, لا لمشاركتهم في الغطس في سلاطين النودلز, ومهما زادت أعداد القادمين لتلك الدول فهي لن تقارن أبدًا, بهولاء الذين تعج وتضج بهم شوارعها من ملايين الأفواه التي تطلب الطعام في كل صباح, وهذا بالضبط ما قد قرأته في عيني ضابط الجوازات, الذي كان على وشك ختم جوازي بخاتم الدخول, ودون حتى النظر في صحة التأشيرة, لولا أنه قد رأى في عيني أنا نظرة عربية شرق أوسطية إرهابية, فكان يجب أن يراجع التأشيرة أكثر من مرة, وربما يضعني أنا ورفاقي تحت جهاز كشف الكذب, الذي سيكون صينيًا طبعًا ولحسن حظنا .
لكنا قد دخلنا والحمد لله, ووافقت الصين بأختامها وعيون ظباطها الضيقة أن نطأ أرضها, ودون أن نرجع خائبين والأختام ليست في الجوازات, إنما على قفانا, كأحد الجنسيات القليلة جدًا في العالم الذين يمكن أن تعطيهم السلطات الصينية “Refuse” على الباسبور, ومع ذلك يظل حبل الود مع البضائع الصينية “متصل”, بل ويمكننا أيضًا أن نقول لهم مع كل رفض “طب ما تخلينا أصحاب أحسن”, ومن هذا الذي يستطيع أن يستغني حاليًا عن منتجات الصين الرخيصة, على الأقل أولئك الباعة في أسواق وأرصفة الموسكى والعتبة والرويعي ودرب البرابرة, أو من ذاك الذي يتحمل ثورة فطاحل التجار وأصحاب الفتارين في شارع عبدالعزيز !!

نلتقي في الحلقة القادمة .. طريقك أخضر حتى في الصين!!

إيهاب فاروق

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى