
فتاة الأوبرا
اِعتدت أن أراها في الحفلات الموسيقية بالمسرح الصغير بالأوبرا، رأيتها أول مرة عند شباك التذاكر، كانت وحدها مثلي، قالت لي: أتمانع في الرفقة؟!
لم أرفض، تعجبت كثيرًا حينما علمت أن المصادفة جعلت كرسيها بجواري، جلسنا محلقين مع موسيقى الفيولين، دار حوارًا مقتضبًا بيننا، عرفت منها أنها خريجة آداب أنجليزي، وتعمل صحفية في جريدة اليوم السابع.. رأيتها بعدها كثيرًا، كلها مصادفة، في نفس المكان، عند شباك التذاكر، وبكل مرة أجدها حجزت الكرسي المجاور لي.
كانت تبث المعلومات عنها في حواراتها المقتضبة، أخبرتني عن رفض أبيها التحاقها بورشة لتعليم الفيولين، لكنه بعد وقتٍ مات، وآخر ما نطقه أنه يريد منها أن تعزف له، أحست بالعجز وهي تخبره بأنها لا تعرف العزف.
بعد وفاة أبيها، قررت ترك كل شيءٍ خلفها، عملت صحفية فنية، كانت لا تعرف العزف لكنها تتذوقه جيدًا، غضب الجميع منها، لم يرد أحد استيعاب طموحها، واستقلالها، في النهاية تركت البيت، وأجرت شقة بالدقي، ومن خلال بعض الوسائط استطاعت العمل بجريدة اليوم السابع.
لم تهتم يومًا بأخباري، لكنني في لحظات صمتها كنت أحكي عن حياتي الشخصية، وكيف أنني أشعر بالوحدة، لم تبدِ أي اهتمام لما أقول، في النهاية كنت أصمت، مستمتعًا بالموسيقى.
ألتقيت بها، هذه المرة لم تلتفت إليّ، بدت متوترة، قطعت التذكرة كعادتها، ولم تلتفت لنداءاتي، وأختفت داخل المسرح، أسرعت خلفها، لكنني لم أجدها، اختفت نهائيًا.
فقدت التركيز، فلم أتابع أي من فقرات الحفل.. عدت حزينًا للبيت، لم أستطع النوم طوال الليل، أقف في البلكونة، وأعود للصالة، ومن ثم أفتح النافذة المطلة على الشارع الرئيسي وأقف بها.. مر الليل بصعوبة، ولم أنتبه إلا والشمس تدفع الظلام لتنير الصباح.
اِرتديت ملابسي ونزلت لعملي، تسمرت عند عم محمد بائع الجرائد واِبتعت جريدة اليوم السابع؛ علني أجد مقالًا فنيًا كتبته.. لكنني لمحت عنوانًا مخيفًا “أخيرًا كشف لغز قتل صحفية اليوم السابع.. بعد العثور على جثتها منذ عام في شقتها بالدقي”
أحمد سعيد