أدب و ثقافةروايات و قصص

رواية مسلسلة عمر خان ومملكة الجماجم الجزء السادس

محمد رضا كافي

Ω 11 Ω

أخذ يخطو أعلى الجرف في بطء في رداءه الأحمر , و غطاء رأسه يخفي معظم وجهه ..يرقب من بعيد أتباعه المتشحين بالسواد و المسلحين بالسيوف وهم يفتحون قفصا كبيرا في وادي الجماجم , مليئا بالبشر المذعورين ..و يسحبون فتاة في ريعان شبابها و هي تصرخ طالبة الرحمة .. فيسحبونها غير آبهين و يسوقونها إلى المذبح الدامي و قد ثبتوا رأسها على حافة المذبح ..واقترب وحش آدمي شبه عارٍ إلا من إزار من الفرو و قناع من الجلد يخفي وجه ..و بقايا من الدماء الجافة تلطخ جسده المتعرق العفن ..و في إحدى يديه سيفا عريضا ضخما , وضعه على عنق الفتاة المسكينة الباكية ..ثم رفع بصره ناظرا إلى سيده أعلى الجرف الذي مالبث أن رفع يده اليمنى ثم ضم أصابعه إلا إبهامه قبل أن يعكسه لأسفل و يهبط به .. فأومأ الوحش برأسه و صدرت منه ضحكات مكتومة وهو ينظر متأملا البقية المذعورة الباكية في القفص و كأنما يتلذذ بإرهابهم ..ثم رفع سيفه قبل أن يطلق صيحة هائلة و يهبط به على عنق الفتاة ..لتفارق الحياة ..فأخذ بقية من في القفص يصرخون طالبين الرحمة بلا جدوى.. و السيد الكبير أعلى الجرف ينظر نظرات رضى قبل أن يحول بصره إلى ضباب أحمر في السماء المظلمة إلا من ضوء القمر.. و بدأ الضباب ينقشع ..فحول بصره مرة أخرى إلى جبل متوهج عند قمته يخرج دخان كثيف :

-قريبا سيرضيك قرباني يا سيدي ..الليلة المقبلة ..عندما يكتمل البدر ..سيرضيك قرباني ..

قالها بصوت خافت شيطاني قبل أن يتوجه إلى معبده بجوار الجبل ..يخطو على أرض كانت ذات يوم ممهدة أكثر ..إلا أنه قام بتعبيدها من جديد بشيء أكثر قداسة…قام بتعبيدها بالجماجم البشرية..

*******************************
Ω 12 Ω

” ترى ماذا سيفعلون بنا الآن ؟ ”

سأل “حسان ” “عمر ” و هما يجلسان في حجرة بللورية و يتناولان المحار و بعض لحوم البحر .. فأجاب “عمر ” بعد لحظات من التفكير :

-أعتقد أنهم في حاجة إلينا ..و إلا ما تركوننا أحياء ..

فتأفف “حسان ” و قال في حنق :

-لا أدري لما حدث كل هذا معي ؟ ما هذا الذي يحدث ؟

فابتسم “عمر ” وهو يقول :

-إلى أين كنت ذاهب ؟ فلم أرك على ظهر السفينة .. كالهاربين

فأسرع “حسان ” يقول :

-لا لا ..لم أكن أهرب من شيء ..و لكني كيميائي يبحث عن مكان أكثر هدوءا ليبدع و يبتكر ..

فأومأ “عمر ” برأسه غير مصدق ..ثم قال :

-ها أنت تختبر تجربة جديدة في حياتك ..و كنت عظيما إذ استطعت التفكير في مادتك المتفجرة ..لقد أنقذتنا يا صديقي ..

فارتبك “حسان ” و ابتسم وهو يقول :

-لا تقل هذا …لقد كنت شجاعا عندما قمت بتلك المجازفة الرهيبة مع الأفعى .. لم يكن علمي ليفيد لولا شجاعتك ..

فضحك “عمر ” وهو يقول :

-كانت لتصير حماقة أن يحارب الإنسان أفعى بتلك الضخامة ..

فضحك “حسان ” هو الآخر قبل أن يقطع ضحكته فجأة وهو يقول :

-ولكننا لا نعرف إن كنا أصبحنا بأمان الآن ..أم أننا لازلنا في منطقة الخطر ..

فتناهى إلى مسامعهما صوت الملك وهو قادم يصحبه ابنه الفارس ..وقال الأول :

-معك حق أيها الكيميائي ..فالخطر موجود بالفعل ..

فانتصب الإثنان احتراما للملك و بدت عليهما علامات الحيرة فاستطرد الملك :

-ولكن الخطر ليس هنا .. بل هناك …في مملكة الجماجم ..

فازداد الإثنان دهشة وهما ينظران إلى بعضهما ..بينما بدت على “برنان ” علامات التزمر قبل يقول “عمر ” :

-سامحنا أيها الملك الكريم ..و لكننا لا نفهم ..

فتنهد الملك و هو يقترب أكثر و يقول :

-اسمعني يا “عمر ” جيدا .. و ستفهم كل شيء .. كنا نعيش طوال الوقت في البحور ..وكان بيننا و بين آدميين على جزيرة كبيرة تجارة من نوع ما …فكنا نمنحهم ما يريدون من البحور ..وكانوا يمنحوننا مما تهبه الأرض .. حتى اشتد أزر جماعة شيطانية يترأسها كاهن يتعامل مع الشيطان ذاته ..و كان هدفهم الوحيد إقامة مملكة شيطانية على الجزيرة ..فبدأوا يرهبون الناس و يأسرونهم ليكونوا قرابين لشيطانهم ..فقتلوا و ذبحوا الكثير منهم ..و أحالوا الأرض المعمورة إلى خراب ..استغاث بنا سكان الجزيرة لنجدتهم .. و ما كدنا أن نهب لنجدتهم حتى أصابنا ما أحبط كل شيء ..

صمت الملك و قد بدا عليه الحزن و الهم فتساءل “عمر ” :

-ماذا حدث أيها الملك ؟

فتحامل الملك على نفسه و قال :

-لقد اختطفوا الأميرة “هيرمين ” ..ابنتي ..عظيمة الشجاعة ..كانت تتقدمنا لتراقب الجزيرة عندما رأتهم وهم يسحبون رجلا مسنا على وجهه ليذبحوه ..فهبت لنجدته وحيدة ..فألقى الكاهن تعاويذا ألجمتها ..و أسرها في جبل النار لتكون ورقته الرابحة ليمنعنا عنه ..

فقال “حسان ” متسائلا في دهشة :

-ولكن أعذرني أيها الملك..أما استطعتم أن تهجموا فجأة و تنقذوا الأميرة و تقضوا على تلك الجماعة ؟

فابتسم الملك في ألم وهو يقول :

-لقد حاولنا بالفعل .. و لكن الكاهن كان قد ألقى تعاويذه الشيطانية التي تمنع جن البحور من دخول الجزيرة أو الإقتراب منها ..فكل من اقترب من الجن قد احترق فورا ..

فشعر الجميع بالأسف .. وقال “عمر ” :

-إنه لمأزق بالفعل .. ويالها من مصيبة أصابتك أيها الملك ..

فقال “برنان ” :

-إن المصيبة الكبرى هو أن الليلة القادمة ,عندما يكتمل البدر سيقوم الكاهن بالتضحية بـ”هرمين أن يقويقينمابل ” كقربانا عظيما للشيطان .. فبالتضحية بأميرة جن البحور سيكافأ الكاهن بسلطان أقوى يمنحه القدرة على تدمير الكثير و الكثير ..

و قال الملك مفسرا :

-إن بين أقوام إبليس و جن البحور عداءا قديما لأننا رفضنا الإنضمام لهم ضد البشر ..و هلاك رفيع الشأن فينا لهو شيء مبهج بالنسبة لهم .. أنت ترى عالمنا الجميل في قاع المحيط و من فوقنا الماء .. لا نؤذي أحدا و لا نبتغي التدمير .. و لكن للشياطين رأي آخر .. الحرب بيننا و بينهم قادمة لا محالة ..و لكنني في الوقت الحالي لا أريد سوى إسترجاع ابنتي ..

فساد الصمت لحظات قبل أن يتسائل “عمر ” :

-و لكن أعذرني أيها الملك ..ما شأننا بهذا الأمر كله ..

فأجاب “برنان ” نيابة عن الملك و في لهجته شيء من السخرية :

-أبي يظن أنك قد تنقذ الأميرة ..

فأصابت الدهشة “عمر ” و هو ينظر إلى “حسان ” و يقول :

-أنا ؟!! كيف هذا ؟

فسعل “حسان ” و قال في ارتباك :

-أيها الملك إن كنت تظن أننا نهوى صيد الأفاعي العملاقة فهذا خطأ ..لقد حدث الأمر محض توفيق ..و إن كنت تظن أنه لقتلنا أفعى فأننا نستطيع أن نقضي على جماعة كتلك فهذا خطأ أكبر ..أنت لا ….

فقاطعه الملك :

-أنا لا أظن شيئا ..فلقد بدت لي رؤيا .. و لقد علمت بأمر “عمر ” مسبقا …لقد رأيت هذا الوشم الموشوم على زراعه .. رأيته و هو يقتل الأفعى ..و رأيته وهو عند جبل النار بمملكة الجماجم ..

فبدت الحيرة على وجه “عمر ” وحسان ” وساد الصمت فاستطرد الملك :

-لم أتوسل إلى كائن من قبل ..ولكن دعني أتوسل إليك إن كان هذا سينقذ ابنتي و شعبي و بني جنسك من أولئك الشياطين ..

فقال “عمر ” في سرعة :

-معاذ الله أيها الملك العزيز ..و لكن ..ولكن كل ما في الأمر هو أنني أجهل كيف سأقوم بهذا الأمر .. ما الذي علي أن أفعله ؟

فقال “برنان ” :

-عند أحد شواطيء المملكة نقطة لا تعمل عندها التعاويذ مع البشر ..لقد رأيتهم يلقون ببعض بقايا الجثث منها و لم تحترق ..ستكون نقطة اختراقك للجزيرة ..ستحاول الوصول إلى كهف الكاهن لتدمير بلورته السوداء..بتدميرها تبطل التعاويذ .. وعندها سنهجم نحن و نقضي عليهم ..

فساد الصمت لحظة قبل أن يقول “عمر ” :

-و أما تظن أنهم قد يقضوا على الأميرة قبل أن تصلوا إليها ؟

فابتسم “برنان ” وهو يقول :

-ستقوم أنت بتعطيلهم ريثما نصل إليك ..و يا حبذا لو استطعت أن تحررها قبل أن يفتكوا بك ..ستحميك منهم ..

فصاح “حسان ” في توتر :

-هذا درب من الجنون …كيف تتوقعون أن يصل إليها ؟ مجرد شخص وحيد أمام تلك القوة ..و بلا دعم..

فقال الملك :

-و من قال أنه سيكون بلا دعم ؟

فتسائل “حسان ” :

-ومن سيدعمه إذن ؟

فصمت الجميع و قد لاحظ “حسان ” أنهم ينظرون إليه نظرة غريبة أدرك معناها بعد لحظات :

-لا لا لا …مستحيل ..لن أذهب إلى هناك ..أنا أصر على موقفي ..

***********************
يتبع ….

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى