
Ω 19 Ω
وقف ” فاريان ” و بجواره قائد الشرطة على أبواب قلعة كبيرة أطلقوا عليها اسم ” المعبد ” على قمة جبل ” البعث ” و قد شعر كلاهما بقشعريرة الخوف تسري في جسديهما .. و خاصة بعد أن انفتحت الأبواب .. و لم يجدا من أحد قد فتحها .. فطفقا يتقدمان ببطء و حذر و دخلا القلعة .. و أفزعهما أن أغلقت الأبواب بعد دخولهما .. وتمنى ” فاريان ” لو لم يقدم على هذا الأمر أبدا .. و لكن الآوان كان قد فات .. فأخذ يتشجع بوجود قائد الشرطة بجواره رغم علمه بأن هذا الأمر لا يجدي .. و ظلا يتقدمان عبر سرداب كبير من الأحجار الضخمة و قد علقت عليها هياكل عظمية لبشر و حيوانات مفترسة , و هياكل ضخمة لحيوانات و طيور غير معروفة على الإطلاق .. وكانت المشاعل قليلة في السرداب الضخم و السكون مطبق على المكان مما يقذف الرعب في قلوب أشجع المقاتلين .. أدى بهم السرداب إلى باحة كبيرة ضخمة و خالية إلا من فسيفساء كبيرة في المنتصف .. تخرج ماءا أحمر اللون و كأنها تخرج دماءا .. و الأعجب من ذلك أنها – الفسيفساء – كانت عبارة عن مجموعة من التماثيل الصغيرة تمثل مشهدا لمذبحة .. فالمياه الحمراء تخرج من رقاب مذبوحة و أطراف مقطوعة و بطون مبقورة .. و لم يساعد هذا المشهد إلا في زيادة الرعب في نفوس الزائرَين ..
إنفتح مصراعي باب ضخم بالباحة ليجدا أمامهما قاعة ضخمة مضاءة بكثير من المشاعل المتقدة بنار ذات وهج قرمزي اللون , و قد استقر في نهايتها شخص ضخم متشح بالسود ..لا يظهر منه شيء سوى يديه ذاوتا الأصابع الطويلة الرمادية ..و المخالب الحادة .. و على جانبيه عشرة أفراد على شاكلته .. و أخذ الجميع ينظر إلى الزائرَين في صمت و كأنهم تماثيل بلا روح إلا من أعين بيضاء تشع وميضا مخيفا .. و تقدم ” فاريان ” و قائد الشرطة ببطء شديد و هما يحنيان رأسهما إحتراما و رهبة .. و حاول “فاريان ” أن يخرج الكلمات بصعوبة من حلقه الجاف , و بالكاد استطاع أن يقول :
-السـ.. السلـ.. الس..لام ..عليكم يا قائد..حراس المعبد ..العظيم ..المبجل ..
و لم يتلق ردا على كلامه .. فنظر إلى قائد الشرطة في توتر و كأنه يسأله أن يعينه بشيء يقوله .. فوجد قائد الشرطة و كأنه يصلي أن يخرج سالما من هذا المكان .. فلم يجد معينا سوى نفسه فقال :
-لقد جئت طمعا في كرمك .. جئت طمعا في سخاءك .. أن تقبل أن تساعدني .. تساعدني على الوصول إلى فتى .. هذا الفتى قد سبب لي الكثير من المشاكل .. و سيجلب معه قريبا لو تركناه لعنات على هذه البلده .. و سيبدأ بقتلي .. و لقد جئت أطلب الحماية و النجدة .. بأن تتكرم و تحضر الفتى حيا ..
صمت ” فاريان ” في انتظار أي جواب .. و رفع عينيه خلسة ليرى قائد حراس المعبد يلتفت ببطء إلى أحد الحراس .. فارتاب ” فاريان ” , و ازداد خفقان قلبه حتى كاد أن ينفجر عندما نهض هذا الحارس .. و دون أن تلامس قدماه الأرض بدأ يقترب في اتجاه ” فاريان ” الذي نظر إلى القائد ليجده مغمض العينين , غارقا في عرقه و هو يتمتم .. :
-ستقتلنا بكلماتك .. لقد قضيت علينا ..
ارتعد ” فاريان ” و اصتكت أسنانه و هو يرى الحارس يظهر فجأة في يده سيفا من العدم و قد بدت النهاية جلية أمام عينيه .. فلم يجد بدا من أن يصيح بشدة :
-لدي ما سيرضيكم .. لدي ما سيرضيكم ..
فتوقف الحارس و التفت برأسه في بطء لقائده .. و بعد لحظات أومأ له القائد فابتعد قليلا .. فتنفس ” فاريان ” الصعداء و هو يقول :
-لدي ما سيرضيكم .. سأسمعكم ما لدي .. فهو سر خطير .. و ذاك الفتى هو مفتاح كل شيء..
نجح ” فاريان ” في جذب إنتباه حراس المعبد .. بل نجح في جذب إنتباه قائد الشرطة الذي أصابته الدهشة العارمة .. عندما سمع كلام ” فاريان ” .. و أدرك مدى أهميته .. و خطورته ..
و فوق المعبد كان هناك من يسمع الحوار الدائر بشغف .. وعلى شفتيه ابتسامة غامضة .. فكل شيء يسير بدقة .. بدقة بالغة ..
****************
Ω 20 Ω
كان الأمر محتوم .. “عمر خان ” أعزل و سيفه بعيدا عنه .. أما الكاهن فقد مل من المبارزة , و قد قرر إنهاءها بالسحر .. ولم تعد هناك فرصة لـ” عمر ” أمام سحر الكاهن .. فألقى الكاهن بشحنته المهلكة إتجاه ” عمر ” الذي كان مستندا على يده اليسرى .. و كرد فعل غريزي على قذيفة الكاهن حاول أن يحمي نفسه بذراعه اليمنى .. وكانت المفاجأة ..
اصطدمت قذيفة الكاهن بوشم ” عمر ” لتتبخر و كأنها لم تكن .. فأصابت الدهشة ” عمر ” أكثر مما أصابت الكاهن الذي أطلق من يديه أشعة حمراء مدمرة .. فاستقبلها ” عمر ” بذراعه الموشومة و هو لا يكاد يشعر بأي شيء يهاجمه , و قد أصاب الكاهن الذهول هو و رجاله و هو ينظر إلى يديه ويقول :
-مستحيل … مستحيل .. ماذا يحدث ؟
ثم نظر إلى وشم ” عمر ” ليجد الوشم متوهج و بارز فقال متسائلا في دهشة :
-ما هذا الشيء بحق الجحيم ؟
فتحسس “عمر ” الوشم و هو لا يدري ما الذي يحدث .. لقد كان الوشم سببا في إنقاذه من موت محقق .. فقطع دهشتهما صوت الأميرة ” هيرمين ” من أعلى الجبل و هي تصيح :
-لقد دنت ساعتك أيها الكاهن .. قل وداعا ..
و كانت البلورة السوداء في يديها .. فصرخ الكاهن :
-لا ..لا تفعلي..
و بإبتسامة سخرية رفعت ” هيرمين ” البلورة و ألقت بها في الهوة , لتسقط في قلب جبل النار .. و ما أن سقطت حتى ارتج الجبل ارتجاجا شديدا .. و أخرج فجأة وميضا قرمزيا بلغ عنان السماء .. و برقت حدود مملكة الجماجم فجأة , فالتعاويذ قد بطل مفعولها .. فقفزت ” هيرمين ” من أعلى الجبل و هبطت في يسر شديد على الأرض و هي تقول مبتسمة و في يدها سيفها :
-هل اشتقت لي ؟
فالتقط الكاهن سيفه في سرعة و هويصيح في غضب عارم :
-لقد عجلت بنهايتك أيتها الأميرة الحمقاء ..
و ما أن أخرج رجاله سيوفهم , حتى سمعوا صرخات القتال تحيط بهم .. فارتعد قلب الكاهن وهو يرى جن البحور على خيولهم الطائرة يحيطون بالمكان و يتقدمهم ” برنان ” .. فارتفع في الهواء بسرعة و دار حول نفسه و هو يلقي بسحره على رجاله , فتضاعفت أعدادهم .. و دار بينهم و بين الجن حربا غوغاء .. فالتقط ” عمر ” سيفه و ركب أحد جياد الجن ليطير به إلى الكاهن .. و كانت ” هيرمين ” قد طارت في الهواء لتساعد ” عمر ” على القضاء على الكاهن الذي أظهر سيفين في يديه و أخذ يحارب بهما بقوة .. و ظلت المعركة دائرة بينهم حتى سدد الكاهن ضربة إلى ” عمر ” فأسقطه من على جواده أرضا .. و التفت إلى “هيرمين ” يقاتلها في سهولة .. وكانت قواها أكثر ضعفا في الهواء دون جواد .. لأن جن البحور يستهلكون من قواهم في الطيران .. و كان “عمر ” لا يدري ما يفعل و هو على الأرض فأخذ ينادي على ” هيرمين ” :
-استدرجيه إلى أسفل ..إهبطي به إلى هنا ..
و لكنها لم تستطع القيام بالأمر .. و ضغط عليها الكاهن بقوة ضربات سيفيه حتى سدد لها ضربة قوية فخارت قواها و تهالكت أرضا , فابتسم الكاهن وهو يلقي بسيفيه و يقول :
-الآن قد قضيت عليكي يا أميرتي العزيزة … ولكن لا تزالين ورقتي الرابحة ..
حاول “عمر ” الوصول إليها سريعا , ولكن الكاهن إنقض عليها و طار بها هاربا .. و في نفس اللحظة سقط أحد جنود الجن صريعا وهبط جواده , فقفز ” عمر ” على ظهره و طار به في أثر الكاهن الذي كان يكبل ” هيرمين ” بكلتا يديه و هي في حالة إعياء , متجها بأقصى سرعة إلى قلب الغابة ..
” أين ذهب ؟ ”
قالها ” عمر ” و قد فقد أثر الكاهن في الظلام .. و قد وجد نفسه في قلب الغابة و الأشجار تحيط به من كل مكان .. فأخذ يتلفت حوله في حيرة شديدة ..و هو لا يدري إلى أين يذهب .. إلى أن لمح شيئا ما مثيرا للدهشة .. وميضا خفيفا بالقرب من موقعه .. فاستدار بفرسه متجها إلى مصدره في حذر شديد .. و ما أن وصل حتى فوجيء أن الوميض يصدر من كهف مجهول , وقد بدا و كأن أحدا لا يعرف مكانه .. فالأشجار تحيط بمدخله من كل جانب .. هبط عن فرسه في خفة بالقرب من مدخل الكهف , و استل سيفه و شرع يقترب في حذر و حيطة .. و ما أن ولج إلى الكهف حتى وجد أن مدخله كسرداب طويل و متعرج .. على جوانبه الداخلية علقت بعض المشاعل التي أضفت عليه جوا مخيفا ..ناهيك عن صوت غريب مخيف كان يصدر من أعماق الكهف .. و كانت الأفكار تعصف بعقل ” عمر ” عما ينتظره , و ما إذا كان سيوفق في مهمته لإنقاذ الأميرة و القضاء على شر ” ذي الوجه المشوه ” .. أم أن هذا الأمر هو آخر ما قد يحاول فعله في حياته …
ظل ” عمر ” يتقدم و ما يزعجه سوى الصوت المخيف الذي ينطلق بين الفينة و الأخرى .. إلى أن أفضى به السرداب إلى ما يشبه القاعة الحجرية الضخمة ..و على الجانب الأخر كان هناك مخل لممر آخر ..
” تبا ..!! ”
و لكن ما كان يفصله عن الممر ..كان مصدر الصوت المخيف .. ثورا أسودا ضخما للغاية .. له عين واحدة في جبهته ..و نابين حادين يتدليان خارج فمه .. و مقيدا من رقبته بسلسلة حديدية ضخمة إلى أحد جدران الكهف .. و ما كان هذا الصوت المخيف إلا صوت أناته و هو نائم . إنزعج ” عمر ” من وجود هذا الكائن الضخم .. و اضطر أن يتحسس خطواته كي لا يوقظه , و كان يشعر أن الثور ليس بنائم ..إنما مغمض العينين فقط .. و ظل يخطو في بطء و حذر إلى أن حدث فجأة ما كان يكره حدوثه .. تعثر في حجر صغير , و تسبب تعثره هذا في احتكاك سيفه بجدار الكهف مصدرا صوتا لا يمكن تجاهله .. و فتح الثور الأسود عينيه …
” يا إلهي ..!! لقد ساء الأمر ”
*****************
يتبع،،،،