العقيدة و الدين

ضربتُ أطفالي حتى يُصَلُّوا!

بقلم : حسام الدين عوض

قال لي : هل تُنكِرُ أنَّ الضرب ضربٌ من ضروب التأديب والتهذيب؟ ثم هل تنكرُ أنَّ الله تعالى قد أمر به؟ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين ، و اضربوهم عليها لعشر سنين” كما في مسند أحمد وسنن البيهقي والدارقطني والترمذي
أجبته قائلاً :
أولاً : الضربُ -كلُّ ضرب- هو سلوكٌ همجي بدائي عدوانيٌ انفعاليٌ مرفوض ، وذلك وفق ما اتفقت عليه أبحاث علم النفس في كافة المؤسسات العلمية والتعليمية في العالم ، وتأسيساً على ما استقرت عليه وانتهت إليه المجتمعات المتحضرة في كل عصر وفي كل مصر.

ثانياً : التهوين والتوهين من مسألة ضرب الأطفال يعدُّ جريمةً في حق الإنسانية ، فقد مات أطفالٌ بسبب استسهال الآباء والأمهات لهذا النوع من أنواع العقاب والإيذاء الذي يمثلُ عدواناً جسدياً على طفلٍ مسكينٍ لايملك من أمر نفسه شيئاً ، ولايقدر على الدفاع عن جسده المهزول ، وكم أصيب أطفالٌ آخرون بأمراض ذهنية أو إعاقات وعاهات جسدية ، كما أصيب غيرهم بعقد نفسية ، بسبب بذر بذور العنف في نفوسهم الغضّة ، فكان أن انتقم أكثرُهُم حين كبروا من المجتمع بأسره لمّا ملكوا السطوة والسلطة لأنهم كانوا يُضرَبُون وهم صغار! ومن زرع الشوك فلاينتظر أن يحصد ورداً!

ثالثاً : هذا الحديث -ورغم كونه متداولاً على الألسنة ومستقراً في الوعي الديني لدى مجتمعاتنا الإسلامية بكل أسف- ، إلا أنَّه حديثٌ ضعيفٌ لايصحّ ، وأسانيدُه كلُّها معلولة ، ولولا ضيقُ المقام هنا لبسطتها جميعاً ناقداً إياها حتى آتي بنيانها من القواعد ، ثم إنه ليس له أثرٌ واحدٌ في أصحّ الكتب السنية (البخاري ومسلم) ، وأقصى مافعله بعضهم ترقيته إلى مرتبة الحسن! فإذا أضفنا إلى ذلك أنّ فيه دعوةً مبطنةً لإساءة استخدام السلطة الأبوية تجاه الطفل كما أسلفتُ ، وخصوصاً في بابٍ بأهمية باب العبادات التي لاتقوم إلا على إيمان مستقر في القلب ، وهو الذي يلزم معه الاختيار لا الإجبار والاضطرار ، وجبَ ردُّهُ بكل أريحية حتى نغلقَ باباً واسعاً للشر باسم أحاديث السنة!

رابعاً : كيف يُقالُ إن رسولنا الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- والذي لم يضرب بيده شيئاً قط ولا امرأة ولاخادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وهو الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين ، وكان نموذجاً في التسامح النادر والرحمة والمغفرة ، كيف يُقال إنه أمر بضرب الأطفال لتعويدهم على العبادة؟ وقد بيّن الله تعالى له مهمته الرسالية في نحو عشرين موضعاً من كتابه العزيز ، فقال : “لست عليهم بمسيطر” ، “وما أنت عليهم بجبار” ، “ليس عليك هداهم” ، “فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ” ، “فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين” صدق الله العظيم.

خامساً : ثم كيف يُقالُ إنَّ الله تعالى قد أمر بضرب الأطفال؟ وليس لشئٍ من هذا الزعم ظلٌ من الحقيقة أو أثرٌ واحدٌ في كتاب الله تعالى ، بل قد تضافرت آياتُ القرآن العظيم على خلاف ذلك ، فقد قال -عزَّ من قائل- : “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى” (النحل : 90) ، فهل الإيذاء البدني للأطفال من العدل أو الإحسان أو إيتاء ذي القربى في شئ؟ تلك والله فرية بغير مرية!

قال معارضاً : لكنّ كثيراً من الأئمة والفقهاء الكبار قد احتجوا بهذا الحديث وقالوا بصحته وعلى رأسهم الإمام النووي وهو من هو ، فالحديث -وإن كان ضعيفاً عندك- فإنه صحيحُ الإسناد عند من هم أكبر منك ، فهل نصدقك ونكذبهم هم؟ ثم إن صدقناك ، فلم لاتقول إن هذا من الخلاف السائغ الذي لايجدرٌ بك التشنيع فيه على المخالف!
قلت :
أولاً : لايعنيني أن يحتجّ به من يحتج ، فنحن أمة النقد ، أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! لانتهيبُ أن نقول للمخطئ أخطأت ولاكرامة كائناً من كان ، هذا وأقوالُ الرجال ليست حجّة في ذاتها ، فإنما هي أقوالٌ بشريةُ ليس فيها ثمّةُ قداسة ، وصدق إمامنا مالك بن أنس حين قال: وكلُّ أحدٍ يُؤخذُ من قوله ويُترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.

ثانياً : نحن ياأخي لانتكلم في شئٍ من فضائل الأعمال أو سنن الوضوء! حتى تذكِّرَنِي بقاعدة الخلاف السائغ الذي يمتنع معه الإنكار على المخالف ، وإنما بصدد جريمة تدخل في باب العنف الأسري كما صنفتها مراكزُ الأبحاث النفسية والعلمية المعنية ، فلايمكن في حالٍ كهذا أن تعارض كلامي بمثل تلك الدعوى التي تفتحُ أبواباً من الشر لا أظنك تحتمل عاقبتها ، وإلا فهل تقدرُ على أن تلقى الله تعالى بتسويغك لجريمة قتل طفلٍ أو إصابته لأنَّ أباه قد أسرف في ضربه؟ فإن قلتَ لي: إن الفقهاء قد قيدوا الضرب بضوابطٍ تمنع الإسراف فيه إلى هذا الحدّ ، فيقال: وهل تضمنُ أن يلتزم كلُّ ضاربٍ حال عصبيته الممهورة بالغيظ والتهور بتلك الضوابط فضلاً عن أن يعرفها أصلاً؟ وأمتنا لازالت ترزح تحت وطأة أمية القراءة والكتابة فكيف بأمّية تعقّب أقوال الفقهاء لفرزها وتصنيفها؟ ثم هل يُعقَلُ أن يكون الضربُ طريقةً لتعويد الطفل على العبادة؟ وأيُّةُ عبادةٍ تلك التي تُؤدَّى قسراً وقهراً وإيذاءاً لمن لمّا يصل بعدُ إلى سنّ التكليف؟ هل الله تعالى في حاجةٍ لعبادةٍ كهذه؟

ثالثاً : كثيرٌ من الرواياتُ المنسوبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاتخلو من مؤاخذاتٍ لأنّ القواعد التي وضعها رجال الحديث هي في نفسها عُرضةٌ للنوازع التي تعرض للبشر ولايسلم منها بشر ، من مثل الخلط والخطأ والغلط والسهو والنسيان ، فإذا وضعنا في اعتبارنا أنّ تلك الروايات قد انتقلت مشافهة عبر أربعة أجيال -على الأقل- حتى وصلت للراوي الأدنى ، فضلاً عن أنَّ الصحابة كانوا يروون عن الرسول بالمعنى وليس اللفظ ، ناهيك عن أنّ الرواة أنفسهم كانوا يتصرفون في النصوص بالإضافة والحذف كما اعترف به الحافظ البخاري نفسه ، فعندها يتضّحُ لك لماذا انتهى إلينا مثلُ ذلك مما لايمكن نسبته لرسول الله بحال

الخـلاصة: نحنُ في حاجةٍ ماسة لمراجعة كثير من الأحاديث المنسوبة لرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ، رغم شيوعها وتداولها ، خصوصاً وإن كان يُشتمُّ منها رائحةُ الإساءة إلى مقام النبوة الرفيع ، وذلك بنسبة العنف البدوي الغليظ تجاه الطفل أو المرأة لرجلٍ تمثّل كل معاني السمو والرقي الإنساني في معاملاته وأخلاقه ، وقد زكّاه الله تعالى حين قال واصفاً إياه: “وإنّك لعلى خلقٍ عظيم” صدق الله العظيم.

============ هامش: الرد على الدكتور أسامة الأزهري والشيخ محمد بن صالح العثيمين وموقع إسلام ويب!

http://www.youtube.com/watch?v=GLWOhi1vRWU

في الدقيقة 7 من هذا التسجيل المنشور -بكل أسف!!- على يوتيوب يقول الدكتور أسامة الأزهري (مستشار الرئيس المصري للشئون الدينية) ، مخاطباً الإعلامي المعروف خيري رمضان مايلي:
تعرف كلمة الضرب بالمفهوم الحالي اللي هي إيه؟ الطبطبة .. الزغزغة .. إن أنا أقوله ياد صلي مينفعش كده .. لازم تقوم تصلي علشان تدرب عليها .. آدي مفهوم الضرب الوارد في الحديث! (انتهى كلامه)
التعليق:
1. لا أدري إن كان الدكتور حقاً يستسيغُ هذا التأويل السمج الذي ينتهكُ اللغة ويصادمُ اللسان العربيّ بهذه الطريقة المخجلة وهو يظنُّ أنَّ الناس سوف تصدقه؟ ولماذا لم يكلّف الدكتور نفسه بدراسة أسانيد ذلك الحديث بدلاً من سلوك مسلك التقليد الذي حمله على التصريح بأنّ الحديث صحيحٌ ثابت رغم كونه بخلاف ذلك! أم هو التكاسل العلمي والتراخي المعرفيّ ممن يحملون الألقاب الفخيمة؟

2. ربما كان الأحرى بالدكتور أن يكون أكثر أمانةً في التعاطي مع نفسه كما فعل ذلك الشيخ ابن عثيمين (العضو السابق بهيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية) وذلك حين قال في تسجيلٍ صوتي منشور له على يوتيوب أيضاً ما نصه: الأولاد من ذكورٍ وإناث يتم ضربهم على الصلاة لعشر سنوات وإن لم يبلغا ، ويكون الضربُ أشدّ بعد البلوغ إذا لم يصليان! والأمر لهما بالصلاة يكون عند كل صلاة ، ولايُكتفى بالوعظ! (انتهى كلامه) ، ولستُ أدري هل أعملُ بماقاله الشيخ؟ أم أعملُ بفتوى شبكة إسلام ويب التابع لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية القطرية ، وكان نصُّ الفتوى الرسمية المنشورة على موقعهم مايلي : “وغايةُ نهاية الضرب للصبي هي بلوغه ، فحينئذ يكون الولد مكلفا أمام الشارع” (!!!)

هكذا تتم تصدير صورة الإسلام للعالم المتحضر! ومن عقر دار المؤسسات العلمية الكبيرة التي يحملُ سادتُها وكبراؤها ألقاباً علميةً مزخرفةً عريضة! وهكذا يخرجُ الخطابُ المؤسف من ممثلي تلك المؤسسات الدينية في أكبر دولتين عربيتين وإسلاميتين!
فاللهم لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم!

اظهر المزيد

حسام الدين عوض

مهندس مصري وكاتب وباحث في الشؤون الإسلامية ، حاصل على بكالريوس الهندسة ، ماجستير إدارة الأعمال ، دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى