
عبير مصطفى تكتب…
سبع ولادات
قمرٌ يختفي هنالك خلف السحاب، يتوارى خجلًا، أو ربما كان يتوارى ارتعادًا.. كهفٌ تترصده سراديب الضباب، صوتٌ من غياهب ماضٍ سحيقٍ سحيق يناديني أن أقبلي.. أن تعالي إليّ، ترتجف فرائصي هلعًا، تنتفض ارتباكًا، تختبىء نفسي خلف نفسي، ولكن روحي توغر في التقدم، تحدثني ألا سبيل للتراجع، تخبرني أنها تهواه، وأن هذه هي فرصتنا الوحيدة وعلينا اقتناصها، تنصاع لها نفسي، تطأ أراضٍ صخرية لم تمسسها قدم بشرٍ منذ دهرٍ ونيفٍ من تاريخ الهوى..
أزيح ستائر الظلام بكلتا يدي، تنبلج خيوط الضياء شيئًا فشيئًا، أراه هنالك في ذلك الركن القصي، يجلس القرفصاء..
راهبٌ هندوسيٌ هو، ينظر له قلبي باستجداء هاتفًا.. “أعشقه، وما لي في هواه من سبيل”.. يخبرني أنه لا مستحيل هنالك في (الهند).. أنظر له في رجاء، يدنيني منه بإيماءة واحدة.. يفح صوته مرددُا “أي بنية.. سأمنحكِ سبع فرص.. بسبعة أعمار، إن فوتِّ واحدة؛ فلتغتنمي الثانية.. إن ضيعتِ الثانية، فلتَحي الثالثة.. سبع فرص هي، فاغتنميها، ولكن حذارِ .. إن ضاعت السابعة فلا حياة لكِ بعدها” ابتسم له في أمل متسائلة عن الثمن، يخبرني أنه ثمنٌ زهيد.. سبع قطراتٍ من دمي، فقط.. سبع قطرات..
مددت له يدي بامتنان، فاستلبني قطراتي..
وأعطاني سبع شموعٍ عوضًا عنها..
ما زال صدى صوته يطن بعالمي..
“سبع شموع هي.. بسبع ولادات..
ستولدين لسبع مرات..
ستعيشين سبع حيوات..
فاغتنميها..
اغتنميها..
اغتنميها”
يا الله.. ما أشبه اليوم بالبارحة.. ها هو القمر يتوارى خلف السحاب ، وها هي روحي من عالم آخر تناديك من جديد.. فلا تسمعني.
ترى.. لِمَ لم يخبرني ذلك الراهب الهندوسي بألا أشعل السبع شموع معًا؟
أترى قد يحدث التجسد لمرة ثامنة؟ أم أن ذلك الراهب الهندوسي قد صدق؟ تراني استنفذت السبعة أعمار ولن أحظى بكَ لمرة أخيرة؟
ولكن مهلًا.. من أنا حقًا؟ ولِمَ روحي ما فتئت تردد ذلك النداء..
“سبع شموعٍ.. بسبع ولادات..
سبع شموعٍ.. بسبع ولادات”
لن أعلم.. حتى أعلم..
#سبع_ولادات
#عبير_مصطفى