المقالات الأدبية

رومانسية الشابي و واقعيته

زيد الطهراوي

كتب زيد الطهراوي

 

حين تدفق ابو القاسم الشابي مياه نصح صادق للشعب التونسي الأعزل الذي سلبه الاستعمار الفرنسي حريته، كان شاباً أنهك المرض جسده و لكنه لم يجد سبيلاً الى همته. همس الشابي في الحياة بحماس الشاب و مرحه، فتقمص شخصية الراعي و غنى للشياه، و غرق في بحر الجمال شاعرا رومانسيا، و كان له في حياته خروج في الليل يتأمل الظلام و النجوم و القبور و الناس، كأنه يبحث لرهافة احساسه عن ما يزيده رقة، و لكنه صاح بأعلى صوته في الشعب كما ينفعل الأب بحنان على ولده ليراه في أحسن حال؛ و قال لهم :(أيها الشعب ليتني كنت حطابا فأهوي على الجذوع بفأسي). نهض الشاعر و هو يحتمل أعباءه الشخصية التي تتمثل في مرض والده ثم و فاته، و مرضه هو، و في العبء الذي تركه له والده حين ترك أسرة تحتاج إلى من يهتم بها ؛ نهض الشاعر من ذلك كله ليهتم بمأساة وطنه و شعبه، لأن رغبة المستعمر هي بث الكسل و الحذر و الإحجام في الشعب، و كان الوعي قائد شاعرنا المثقف الذي يعلم أن الظلم لا بد أن يزول، و لا بد أن يعود الحق لأصحابه و لو بعد حين، و لكنه يعلم أيضاً أنه لا بد من البذل و التضحية و الفداء فكان لا بد من الصياح لا الهمس و انتشرت قصيدته إرادة الحياة و علق في الأذهان بيت منها هو :(إذا الشعب يوما أراد الحياة /فلا بد أن يستجيب القدر)،كانوا يرددونه و يدرسونه في المناهج الدراسية، و يبدع الطلاب في كتابة مواضيع انشاء تدور حول هذا البيت بما فيه من تحفيز للهمم لاغتنام النصر، و في مثل لمح البصر أصبح المدرسون يحذرون من بيت الشابي لأن إرادة الشعب لا تعلو على قدر الله عز و جل، و يتمنون لو أن الشابي حصل على درجة من الوعي الديني كما حصل على درجة من الوعي بهموم امته و سبيل رفعتها، و يبقى الشابي شاعر الحرية و الحياة و التحدي و يبقى شعره إدانة صارخة للاستعمار في كل زمان و مكان

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى