
****************
Ω 9 Ω
كان “فاريان ” متكئا في مجلسه بقصره يستمتع بمشاهدة الجواري من حوله يرقصن و يغنين بأعذب الأصوات ..و ظل يضحك و يصفق فرحا و سعادة قبل أن ينفتح الباب و يظهر قائد الشرطة عند أعتابه , فيصيح “فاريان ” في نشوة :
-مرحى مرحى ..إنضم إلي يا صديقي قائد الشـــ….
بتر عبارته فجأة عندما انتبه فجأة لعيني القائد الجاحظتين و قد سالت بعض الدماء من بين شفتيه.. فأصابت الدهشة و الفزع “فاريان ” قبل أن ينهض من مجلسه ..و هربت الجواري عندما سقط الرجل ليكشف عن النصل المغروز حتى منتصفه في عموده الفقري.. ولم تدم دهشة “فاريان ” فقد حل محلها رعب كاسح عندما ظهر “عمر خان ” خلف جثة قائد الشرطة و سيفه في يده ..و قد امتلئت عينيه برغبة في الإنتقام ..فقال “فاريان ” :
-أنت ؟!!…كيف أتيت إلى هنا ؟
فابتسم “عمر ” في سخرية وهو يقول :
-ماذا ؟ هل اعتقدت أنك قد تخلصت مني ؟
فتصنع “فاريان ” رباطة الجأش وهو يصيح :
-أيها اللعين ماذا تريد ؟ أنت مكانك خلف القضبان ….يا حراس ..! أيها الرجال ..!
فأطلق “عمر ” ضحكة مدوية ارتعدت لها فرائص “فاريان ” :
-لن يسمعوك ..فقد انتقلوا إلى العالم الآخر … و لكن لا تقلق … فسوف تلحق بهم .. فلتخبرهم بما تريد ..
أصابت صدمة قوية “فاريان ” وهو يرى الدماء غزيرة تسيل على الأرض قادمة من الخارج لتحيط بأقدام
“عمر” الذي نظر إليها مبتسما في سخرية قبل أن يلتفت إلى “فاريان ” ليبدأ في التحرك نحوه في بطء
وهو يحرك سيفه أمامه مستعرضا قوته , و استمتاعا بما تبعثه هذه الحركات من رعب في قلب “فاريان”
الذي خارت قواه , و تهالك في مجلسه قبل أن يزحف متراجعا و هو يصرخ :
-أرجوك… أرجوك ..دعني أحيا …دعني أحيا و خذ كل ما أملك ..كل ثروتي …لكن دعني أحيا ..
تحول صراخ “فاريان ” إلى عويل و نحيب ..و وقف “عمر ” عند رأسه وقال بصوت عميق :
-لقد سلبتني كل ما لدي … و سأسلبك الآن أعز ما لديك ..
و هوى بسيفه على رأس ” فاريان “….
أطلق ” فاريان ” صرخة قوية و هو يستيقظ من كابوسه الرهيب وهو يتصبب عرقا و يتحسس رأسه و جسده و قلبه يكاد يقف من هول ما قاساه في كابوسه الرهيب :
-اللعنة..اللعنة ….لابد أن ينتهي الأمر قبل أن يُقضى علي …لابد أن ينتهي الأمر …
**********************
**********************
Ω 10 Ω
استرخى الملك “شربان ” عظيم الجان في عرشه اللؤلؤي المدعوم بقوائم من المرجان , وكان أبيض الوجه ..شديد بياض الشعر و اللحية كأنها خصلات من ثلج ..بدا عليه الهم الشديد و الشرود في معضلة استعظم عليه حلها ..و أمامه كان فارس الجن الأول ” برنان ” ولده و ولي عهده يقف منتصبا بقامته الهائلة ..مكفهر الوجه ..مقطب الجبين..قابضا يده على مقبض سيفه المرصع بالدر و الياقوت وكأنه ينتظر أمرا بإعدام شخص ما ..
كانت قبيلة الجن هذه تتميز بأن أفرادها متشابهين في اللون الأبيض الباهر الذي يكسو وجوههم و شعورهم ..و قامتهم الهائلة الرشيقة ..و آذانهم التي تشبه آذان القطط .. و كان يطلق عليهم جن البحور ..فقد كانت البحار الواسعة سكن لهم ..بعيدا عن بني الإنسان و صراعتهم …فقد كان لهم صراعهم الخاص الذي يشغل بالهم ..
تجمع نفر من حراس الملك “شربان ” حوله ومعهم مستشاريه يحاولون إيجاد حل لمعضلتهم , فقال أحد المستشارين :
-لا أرى يا سيدي الملك سوى أن ننصاع لرغباتهم ..
فقال آخر :
-بئس الرأي !! هل تدري ماذا سيحدث وقتها و ماذا سنفقد ؟
فأجاب الأول :
-ما سنفقده لو لم نفعل لهو أغلى و أعز على قلوبنا و على قلب الملك ..
فقال ثالث في حزم :
-ولو فعلنا سنفقد كل عزيز و غالي على قلوبنا جميعا …سيقضى علينا على أدق تعبير ..
فقال “برنان ” في حنق :
-أنتم تتجادلون بلا جدوى كعادتكم …ما أرى إلا أن نهاجم بكل قوة لدينا على قلب رجل واحد و نقضي عليهم..
فقال أحدهم في ارتباك :
-لكنا فعلناها يا سيدي الأمير منذ اللحظة الأولى ..و لكن التعاويذ ..أخشى أنك قد نسيت أمرها ..
زاد حنق الأمير و صاح في غضب :
-تبا..لا أستطيع المكوث هنا مكتوف اليدين..لا أستطيع الرضوخ للحثالة ..
فقال الملك في هدوء :
-إهدأ يا “برنان ” ..لن يفيدنا صياحك و لن يزيدنا غير ضباب حول عقولنا .. و تشويش على أفكارنا
فصمت “برنان ” على مضض بينما سأل أحد المستشارين :
-وماذا ترى أيها الملك العظيم ؟
فتنهد الملك “شربان ” و بدت عليه علامات الحيرة و القلق :
-إنه لأمر عصيب أن يخير المرء بين أمرين أيسرهما مهلكة ..
حاول أحد المستشارين أن يقول شيئا إلا أن قاطعه إستئذان بعض حوريات البحر في دخول مجلس الملك فأذن لهم …فتقدمت إحداهما وهي تحني رأسها إحتراما للملك قبل أن تقول :
-سيدي الملك ..لقد وجدنا إثنين من بني الإنسان هبطا علينا في وادي الشُعَب وهما فاقدا الوعي من نوبة الغرق ..
فذعر أحد المستشارين و قال في دهشة شديدة :
-وادي الشُعَب ؟!…كيف هذا ؟ و كيف نجيا من الحارسة ؟!
ألقى “برنان نظرة غاضبة على الجسدين الملقيين عند أقدام الحوريات و استل سيفه وهو يقول في غضب:
-لابد أنهما من مملكة الجماجم اللعينة ..لأقطعن رأسيهما ..ألا تبا للبشر أجمعين ..
وقفز قفزة سريعة قبل أن يستقر عند رأسيهما و رفع يده بالسيف و قبل أن يهبط بها صاح الملك بغضب :
-“برنان “..!!…ماذا تظن نفسك فاعل ؟!
فقال “برنان ” و شرر الغضب يتطاير من عينيه :
-أمقتهم جميعا ..أمقتهم..
فنهض الملك من مجلسه و اقترب في بطء و قد بدت عليه علامات الحيرة و هو يقول في هدوء :
-إهدأ يا “برنان ” ..ليسا من مملكة الجماجم ..
فقال “برنان ” في حنق :
-يكفيني أنهما بشريان ..
تجاوزه الملك إلى أحد الجسدين الهامدين وانحنى متفحصا لهما قبل أن يثيره رؤية الوشم على ذراع “عمر ” , فاقترب منه ليتأكد مما تراه عيناه .. وشم العنقاء و الأفعى , و اتسعت عيناه فجأة و هو يعتدل و يقول في صوت خافت :
-تبا ..!! الأمر حقيقي ..
جذبت الكلمات أذني “برنان ” فتساءل وهو يعيد سيفه إلى غمده :
-ماذا؟..ماذا هناك يا أبي ؟
فقال الملك “شربان ” و هو يلتفت لإبنه و مستشاريه :
-لقد راودتني رؤيا..
ثم التفت إلى الحوريات و هو يسأل :
-ماذا حدث للأفعى الحارسة ؟
فقالت إحداهم :
-تقصد ما تبقى منها يا مولاي ؟
فصاح أحد المستشارين في عجب :
-ماتبقى منها ؟! ماذا تقصدين ؟ هل قضي عليها ؟
فقال الملك و على شفتيه شبح ابتسامة :
-لقد قضى عليها الشاب الموشوم ..
فقال “برنان ” في استنكار :
-ماذا تقول بحق الله ؟! هل قضى هذا القزم الصغير على الأفعى الحارسة ..حارسة بحر الجن الأعظم ؟
فأومأ الملك برأسه إيجابا و هو يقول :
-تلك هي رؤياي التي رأيتها ..
فقال أحد المستشارين في فضول :
-لا أرى على وجهك أثرا لإنزعاج مما حدث يا مولاي الملك …فلتخبرنا إذن برؤياك التي أشفقت قلبك على الآدمي ..
فصمت الملك للحظات و هو يعود ليجلس على عرشه قبل أن يتنهد و يقول :
-لقد رأيت و كأن نزاعا قائما عند باب بحر الجن الأعظم ..و الأفعى الحارسة وسط الجحيم تحارب شخصا ما ..لم أر منه سوى الوشم على كتفه ..العنقاء تواجه الأفعى .. ثم رأيته على جبل النار في مملكة الجماجم يواجه الرأس المشوه .. و استفقت وقتها من غفلتي و لم أدر حقيقة ما حدث ..فانتظرت قدومه وها هو قد أتى .. هازما أفعاي ..و قد يكون منقذنا من مأزقنا ..
فصاح “برنان ” في سخرية :
-أي ترهات هذه أيها الملك ؟! .. هذا الشيء..ينقذنا نحن ؟
فابتسم الملك وهو يقول :
-يا بني لا تسخر من ضعيف المظهر ..فقد يكون أقوى مما تظن ..
فقال أحد المستشارين :
-لنتريث أيها الأمير ..فلن نخسر شيئا ..
فتأفف الأمير قبل أن تجذبه أنات من خلفه ..فالتفت ليجد ” عمر خان ” وهو يستفيق من غيبوبته ..و قد أغرقته الدهشة عندما وجد نفسه بين مجموعة من حوريات البحر الفاتنات .. :
-ما هذا ؟ ..أين أنا ؟
و التفت ليجد بجانبه ” حسان ” مغشي عليه فأخذ يربت عليه وهو يناديه :
-يا هذا !!.. استيقظ ..أفق ..أيها الكيميائي !!
فأخذ “حسان ” يستفيق رويدا رويدا قبل أن تقع عينيه على الحوريات و يقول مبتسما :
-يا إلهي !! هل أنا في الجنة أخيرا ؟
فأفسحت الحوريات مجالا أمامهما ليريا “برنان ” الغاضب و الملك و مستشاريه ..فتلاشت الإبتسامة من وجه “حسان ” وهو يستطرد :
-أو في الجحيم ..ربما ..
نظرا حولهما فوجدا أنفسهما في قاع البحر و قد بدا الماء على نحو عجيب لا يعيق تنفسهما و كان خفيفا للغاية أقرب للهواء من كونه ماء ..و تناثرت صخور بلورية مضيئة في المكان .. لاحظا بعضا من أسماك القرش الضخمة تحوم حول المكان ..و جذب انتباهم الأخابيط التي تحيط بالمجلس كحراس …
” إقتربا ..”
قالها الملك بصوته الرخيم فنهض “عمر ” و حسان ” و اقتربا من العرش في حذر و على وجهيهما علامات التعجب من هيئة هذه المخلوقات , وما أن مثلا بين يدي الملك حتى سألهما :
-من أنتما ؟ و كيف وصلتما إلى هنا ؟
فقال “عمر ” :
-أنا “عمر خان ” .. بحار .. و هذا ..
وأشار إلى “حسان ” و لكنه تذكر أنه لا يعرف اسمه حتى فقال “حسان ” :
-و أنا “حسان ” الكيميائي ..و لقد أتينا من بلدة رامستان بحرا..و لكننا تعرضنا لعاصفة شديدة ..و ..
و تردد لحظات فقال “عمر ” في جرأة :
-هاجمتنا أفعى عظيمة في البحر ..
فأبتسم الملك فقال “حسان ” في قلق :
-يبدو أنك لا تصدقنا ..
فقال الملك :
-بل أصدقكم جدا .. ( ثم نظر إلى عمر و هو يستطرد ) فتلك أفعاي التي قتلتها ..
فبدا القلق و الخوف على وجه “حسان ” بينما صمت “عمر ” لحظة قبل أن يقول :
-لقد هاجمتنا أولا و قضت على طاقم السفينة بأجمعه .. كان دفاعا عن النفس أيها الملك ..
فرمقه الملك بنظراته للحظات قبل أن يقول :
-لست حزينا على الأفعى إن كنت تظن أني سأعاقبكما جزاء تلك الفعلة ..
فلاذ الإثنان بالصمت و هما في دهشة من ردة فعل الملك الذي لاحظ ذلك فقال :
-يبدوا أنكما متعبان.. فلتستريحا قليلا و لتتناولا الطعام و الشراب .. و سنكمل حديثنا فيما بعد ..
فقال “عمر ” في دهشة :
-و لكن يا أيها الملك العظيم .. أين نحن ؟
فابتسم الملك قبل أن يقول :
-أنتم في مملكة جن البحور ..
……يتبع