أدب و ثقافةروايات و قصص

رواية عمر خان ومملكة الجماجم (حلقة1 مسلسلة)

محمد رضا كافي

الحلقة الأولى من رواية
عمر خان ومملكة الجماجم…
Ω 1 Ω

بلدة رامستان هي بلدة صغيرة تقع في إحدى جزائر الهند و السند , والتي أختارها أحد التجار العثمانيين كي تكون مستقرا له و مقاما بعدما جاب الأرض من مشرقها إلى مغربها يمارس التجارة و يشبع غريزته في حب الأسفار و مغامرات الإبحار … فريد خان التاجر الجوال استقر أخيرا في بلدة رامستان ليتزوج بإبنة ” شاهبندر التجار ” , و كانت فتاة على درجة عالية من الجمال و الذكاء , مما جعل الكثيرون يتمنون أن تكون زوجة لهم .. فأخذوا يخطبون ودها بلا جدوى ..فقلبها لم ينبض حبا إلى لصاحب العينين الزرقاوين القادم من بلاد الشمال .

زواجه من إبنة ” شاهبندر التجار ” ساعده كثيرا في تجارته , و بعد وفاة ” الشاهبندر ” آل اللقب إلى فريد الذي لم يربح فقط الثروة و الجاه , بل ربح قلوب الجميع بما امتاز به من حلاوة اللسان و حسن المعشر ..

رزق فريد خان و زوجته بصبي وسيم , ورث عن أبيه عينيه الزرقاوين و إقدامه و شجاعته وعن أمه بشرتها الخمرية و شعرها الأسود الناعم و ورث عنها طيبة القلب ..حاول والده أن يخلق منه فارسا مقداما ..فبدأ يعلمه منذ نعومة أظافره المبارزة و الفروسية و السباحة.. و علمه بعض اللهجات و اللغات التي عرفها من خلال رحلاته و أسفاره إلى الكثير من بلدان العالم.. كان يرغب في إعداد وريثه الوحيد ليتحمل بجدية المسؤولية التي سيلقيها على كاهله … كان يريده رجلا ناجحا مثله ..ولكن ..لكل ناجح أعداء على قدر نجاحه..

“سعيد فاريان ” أشد الناس عداوة لـ” فريد خان ” …تعود جذور تلك العداوة عندما وجد ” سعيد ” من ينافسه في تجارته بأخلاقه الفضلى و عذوبة لسانه ..و ازدادت العداوة عندما رفضت إبنة الشاهبندر الزواج منه مفضلة “فريد” عليه …شعر “فاريان ” أن الغريب يسلبه كل شيء في بلدته .. حاول كثيرا أن يقضي عليه و لم يستطع …طوال سنوات و محاولاته تبوء بالفشل ..إلا أنه غالبا ما تختبيء البلايا في تصاريف القدر..

” حان الوقت لنمحو تلك الإبتسامة الحمقاء…إلى الأبد “…..

قالها ” فاريان ” و هو يعطي لفافة من القماش لأحد رجاله الذي ابتسم في خبث قبل أن ينطلق مبتعدا , فنظر ” فاريان ” إلى رجل آخر قبل ان يقول في لهجة آمرة :

-تعرف ما يتوجب عليك فعله …أسرع الآن ..

فأومأ الرجل بالإيجاب قبل أن ينطلق تاركا ” فاريان ” خلفه و على وجهه إبتسامة شيطانية قد ارتسمت , فقد أدرك الأن أن تدمير عدوه الأوحد .. لم يكن يستلزم سوى خطة في غاية البساطة ..و غاية في الخبث..

********************

Ω 2 Ω

كان ” فريد ” قد أصابه الإهاق الشديد لما يبذله من جهد شاق في العمل و قد بلغ من الكبر عتيا , فسقط أخيرا طريح الفراش و كأنه كان يتمنى ذلك , فبعد وفاة زوجته قبل ثلاث سنوات و قد وجد نفسه غريقا في محيط من الحزن و الألم..و كان ملاذه الوحيد هو العمل .. حاول ولده الوحيد ” عمر ” – الذي لم يبلغ العشرين من عمره بعد – أن يثنيه عما يفعل , ولكن بلا جدوى , فقد كان ” فريد ” صعب المراس..لايثنيه أي شيء عن فعل ما يدور بخلده..

بقى “عمر” بعينين دامعتين بجوار والده المريض وقد فطرت قلبه رؤية والده يحتضر , وسالت بضع عبرات على خديه ..لمحها ” فريد خان ” بعينين تعبتين وقد أنبأته بما يدور في خلد ولده , فقال مهونا عليه :

-أي بني ..! لا يصيبنك الحزن على ماتفقده قدرا مقدرا..فليس لك من الأمر شيء..و أعلم أن الموت يصيب كل ذي روح على وجه البسيطة .. إن دنت ساعتك , فلا مفر منه إذا أتى .. و إن لم تدن , فو الله لوكنت في قاع الجحيم , لم يكن ليمسك سوء .. القدر فوق البشر ..هذا ما علمتنيه حياة الرحالة…

سعل “فريد” بشدة فأخذ “عمر” يربت على يده :

-لا تجهد نفسك بالحديث يا أبي … إسترح..

فقال فريد في ألم :

-جل ما يحزنني يا ولدي أن أتركك وحيدا في هذه الحياة .. و لكني أعلم أن ما خرج من صلبي هو رجل قادر على مجابهة الحياة .. واجه القدر بشجاعة ..واجه الخطر بحنكة.. واجه الظلم بقوة ..و أقسم على نفسك ألا تظلم أحدا أبدا …بل أن تكون نصيرا لمن يُظلم مادمت تستطيع ..

سعل “فريد” من جديد فأحضر ” عمر ” كأسا من الماء و ساعد أبيه على الجلوس , و ما كاد ” فريد ” يجرع جرعتين حتى أفزعتهما أصوات صاخبة في المنزل .. اختلطت أصوات الخدم بأصوات غريبة قبل أن يقتحم عدد من رجال الشرطة غرفة النوم و على رأسهم قائدهم , بينما كان بقية العسكر يقومون بتفتيش المنزل بمنتهى الفظاظة , فصاح “عمر” في إنفعال و تعجب:

-ما الذي يحدث بحق الله ؟

فنظر إليه قائد العسكر باستخفاف قبل أن يوجه كلامه إلى طريح الفراش في صوت غليظ :

-فريد خان..!! أنت متهم بالتآمر ضد جلالة سلطان البلاد ..أدام الله عمره ..

هبطت الكلمات كالصاعقة على الرجل المريض و ولده “عمر ” الذي قال في ذهول :

-ماذا ؟ ..ماذا تقول..؟ لا يمكن أن ..

قاطعه صوت أحد العسكر الذين يقومون بتفتيش المنزل و هو يناول القائد لفافة من القماش قائلا :

-لقد وجدنا هذه بين مخطوطاته التجارية ..

أخرج القائد رقعة جلدية من اللفافة و بسطها ليقرأ ما فيها قبل أن ترتسم على شفتيه إبتسامة ظفر , و بينما ارتسمت ملامح الإستنكار على وجه ” فريد ” سأل ” عمر ” في دهشة :

-ما هذا ؟ ما الذي تحتويه هذه المخطوطة ؟

فقال القائد في خبث و هو يطويها :

-كل ما يحتاج إليه أبيك لينهي حياته البائسة …

ثم أشار لجنوده فتقدم اثنان منهم لينتزعوا ” فريد” من فراشه .. حاول “عمر” أن يمنعهم ، ولكن إثنان آخران منعاه بقوة من حماية والده المريض الذي قاموا بجره خارج منزله على مشهد من بعض أهالي البلدة الذين أسفوا لرؤية ما يحدث , ولكن أحد منهم لم يتدخل و لو بكلمة خشية أن يصيبه بعض ما يحدث …سقط ” فريد ” أرضا و هو يلتقط أنفاسه بصعوبة ,في حين تخلص “عمر” من الأيدي القابضة عليه و انكب على أبيه المحتضر و الدموع تملأ عينيه :

-أبي ..أبي !!

رفع “فريد” يده اليمنى بصعوبة ليتحسس وجه ولده برقة :

-لا تنسى كلماتي الأخيرة إليك..

-أبي..لا تتركني وحدي..

-كما علمتني الحياة ..ستعلمك..

و سقطت يده على صدره و تسمرت عيناه بعد شهقة خفيفة فاضت فيها روحه إلى بارئها ..وسط نظرات قلق و ارتياب
بين العسكر ..و نظرات شفقة و حزن بين أهالي البلدة .. انهار “عمر ” للحظات على صدر أبيه قبل أن ينظر لقائد العسكر نظرة نمت عن غضب رهيب مكتوم على وشك أن ينفجر , بينما قال القائد في صوت خلا من أي شعور بالشفقة :

-اتركوا العجوز….و احضروا الفتي ..

يتبع،،،

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى