
Ω 17 Ω
إرتفع الكاهن في الهواء أمام جبل النار , وظل يرتفع حتى وصل إلى قمته .. وكانت الأميرة “هيرمين ” مقيدة بالكثير من الأغلال الحديدية و متدلية إلى هوة عميقة تظهر باطن الجبل المشتعل.. و رغم التعب و الإرهاق الباديان عليها إلا أن جمالها لم يتأثر بذلك .. فظلت بشرتها البيضاء وضاءة كقطعة من القمر .. وتنسدل خصلات شعرها الأسود الكثيف و الممزوج ببعض الخصلات الخضراء على كتفيها .. ترتدي زيا حريريا قرمزي اللون و يحيط بخصرها جزء من درع تم نزعه عنها ..
رفعت رأسها ببطء لترى الكاهن ينظر إليها في صمت ..فقالت في صوت متعب :
-إلام تنظر أيها المسخ ؟
فضحك الكاهن ضحكة قصيرة قبل أن يقول :
-أنظر إلى فتاة ميتة .. لقد علمت منذ أن رأيتك أول مرة أنه يسهل الإيقاع بك .. فتاة رقيقة تهب لمساعدة المساكين ..لقد نصبت لك شركا سهلا .. و لقد سقطت فيه بغباء الأنثى الفطري .. لا فرق بينك و بين مثيلاتك من بني البشر ..
فابتسمت ” هيرمين ” في سخرية و هي تقول :
-كما لا فرق بينك و بين أمثالك من الخنازير.. غير أنك أقل منهم شجاعة لتكشف عن وجهك القبيح .. حتى أنت تخجل من نفسك ..
فرفع يده اليمنى فجأة ليقذفها بشحنة كهربية جعلتها تنتفض في ألم للحظات قبل أن يقول :
-لا تثيري غضبي الآن أيتها الأميرة ..
فقالت و هي تلهث من الألم :
-لن تستطيع أن تفعل شيئا بلا أمر من سيدك أيها الحقير ..
فأبتسم الكاهن وهو يشير إلى البدر قائلا :
-بضع دقائق أيتها الأميرة … بضع دقائق و كل ما سأفعله هو أن أحررك من قيدك .. و سيتكفل جبل النار ببقية الأمر ..
نظرت إليه الأميرة في غضب بينما بدا عليه الإستمتاع بمشاهدتها عاجزة عن إنقاذ نفسها وقد إزدادت إبتسامته إتساعا .. و فجأة … حدث إنفجار .. كان الإنفجار يأتي عبر الغابات بين الأشجار ..و قد بدأت الأشجار في الإشتعال .. وقبل أن يدرك الجميع ما يحدث ..حدث إنفجار آخر .. عقد الكاهن حاجبيه و قد بدت عليه الحيرة ..فابتسمت الأميرة لما وجدته من فرصة سانحة لتسخر منه قائلة :
-يبدو أن الأمر بدأ يخرج عن سيطرتك أيها الكاهن ..ماذا حدث ؟ هل تخلى عنك سيدك ؟
فنظر إليها بغضب و هو يقول :
-إستمتعي بلحظاتك الأخيرة كما تشائين أيتها الأميرة … سأعود إليك بعد قليل ..
و طفق يهبط طائرا عن الجبل كما صعد ليكتشف ما يحدث في الأنحاء .. فقالت الأميرة في حنق :
-أتمنى أن تحترق في الجحيم أيها المسخ اللعين ..
-و أنا أيضا أتمنى ذلك ..
إلتفتت الأميرة بسرعة في إتجاه الصوت لتجد شابا يتكئ على سيفه وهو يلهث فسألته متعجبة :
-من أنت ؟
فقال “عمر ” وهو يقترب منها وكأنه لم يسمع سؤالها :
-إن صعود الجبال لهو أمر مرهق بالفعل ..
فكررت الأميرة في حنق :
-لقد سألتك من أنت ..
فقال “عمر” :
-وماذا أبدو لك ؟ شخص ما يأتي و يحمل سيفا و يظهر عداءه لآسريك .. لقد أتيت لأنقذك ..
فسألته في دهشة :
-ولماذا تعرض نفسك للخطر من أجلي ؟
فتظاهر بالتفكير لحظة قبل أن يقول :
-يبدو أنني قد قطعت وعدا لوالدك ..و أنا لا أحب أن أخلف وعدي ..
فبدا الشك عليهال وهي تسأله :
-ومن أين تعرف والدي أيها البشري ؟
فقال “عمر ” في سخرية :
-ما رأيك لو استمرينا في الحديث حتى يعود الكاهن ليضمن لي مكانا بجوارك ..ألا ترين السيف الذي أحمله ؟
فنظرت إليه قبل أن تقول :
-إنه سيف أخي “برنان ” .. أين هو ؟
فقال “عمر ” :
-في إنتظار إشارة الهجوم ..كان يجب تدمير البلورة السوداء أولا .. و لكني إرتأيت تخليصك قبل أن يكتشف الكاهن ما يحدث و يقدم على قتلك .. إستعدي الآن فسوف أضرب القيود بالسيف..
ثم رفع سيفه وهوى به بقوة على الأغلال فتحطمت , واستطاع أن يحررها قبل أن ينظر إليها في إعجاب وهو يقول :
-لقد إعتقدت أنك تماثلين قومك حجما و طولا ..
كانت الأميرة آية في الجمال .. تحظى ببياض الثلج لونا لها و قد تشرب خديها حمرة الورد , و مع عينين كماستين زرقاوتين ..و يحيط بكل ذلك شعرها الأسود الكثيف ذو الخصلات البيضاء المتواترة ..
فقالت “هيرمين ” :
-يستطيع الجني تغيير حجمه و طوله في حدود معينة ..و لكنه يفقد قدراته في حالتنا هذه .. ويستقر على الطول و الحجم البشري … ولكن أخبرني ..هل أنت من قمت بذاك ؟
و أشارت إلى جهة الإنفجارات فابتسم وقال :
-لا ..بل قام به صديق ..كيميائي عبقري ..ساعدني بمواده تلك في التخلص من الأفعى الحارسة ..
فصاحت “هيرمين” فجأة :
-ماذا؟.. هل قتلت أفعاي ؟ حيواني الأليف ؟
فأصابت الدهشة “عمر ” وهو يقول :
-أليف ؟!!..لقد إلتهمت طاقم سفينة وكأنهم حفنة من الحشرات .. هيا بنا قبل أن يعود الكاهن ..وراءنا الكثير لنفعله الآن ..
و جذبها من ذراعها ليهبطا من الجبل وهي تقول :
-لا أصدق أنكما قتلتما أفعاي .. يا لكما من وغدين !! ..
فقال “عمر ” في لهجة ساخرة :
-لا تحزني .. سيشتري لك والدك أفعى جديدة ..
*************************
Ω 18 Ω
” ما الذي يحدث هنا ؟ ”
قالها الكاهن بصوت هادر لأحد رجاله الملثمين فأجابه :
-لا تقلق ..الرجال يتقصون الأمر ..
فقال في إنزعاج واضح :
-من الأفضل لهم أن يفعلوا ..
حدث إنفجار آخر .. و مع الإنفجار التالي بدأت ملامح الأمل ترتسم على وجوه الأسرى في القفص .. فهناك من يسبب الإزعاج للكاهن …و هناك من لايزال حرا طليقا … و لكن الأمر لم يدم طويلا ..
“إتركوني …إتركوني أيها الأوغاد ..”
ظل “حسان ” يصرخ على رجال الكاهن أن يتركوه دون جدوى ..حتى ألقوا به عندي قدمي الكاهن .. وقال أحد الرجال :
-هذا هو المتسبب في تلك الإنفجارات ..
فنظر إليه الكاهن في غضب و هو يسأله :
-من أنت ؟.. أنت لست من أهل القرية ..أليس كذلك؟
فابتلع ” حسان ” ريقه وقال في خوف :
-لا .. لقد أتيت في وقت غير مناسب فقط
فصمت الكاهن لحظات و هو يتفحصه ثم أشار إلى رجاله فأمسكوا ب”حسان ” و أنهضوه عن الأرض .. فاقترب الكاهن منه حتى شعر “حسان ” بأنفاس الكاهن الكريهة .. وقال الكاهن :
-كيف دخلت إلى مملكتي بهذه السهولة ؟.. لا أحد يستطيع الدخول دون علمي ..
فقال “حسان ” في ارتباك :
-أستطيع أن أخرج منها بنفس السهولة .. ولن أعود أبدا …هذا وعد ..
فاستدار الكاهن وهو يطلق ضحكة عالية أوجست في نفس “حسان ” خيفة شديدة قبل أن ينظر إليه الكاهن مرة أخرى و يقول :
-بسهولة !! نعم … ولكن بطريقتي هذه المرة ..
فبدت الحيرة على وجه “حسان ” بينما أشار الكاهن ذو الوجه المظلم تحت غطاء رأسه لرجاله فأمسكوا ب”حسان” بقوة قبل أن يتساءل في حيرة :
-إلى أين تأخذونني ؟
ولم يجبه أحد .. و لكن الإجابة قد أتته سريعا .. فقد كانوا يأخذونه إلى المكان الذي لم ينج منه أحد من قبل .. إلى المذبح … و ثبتوا رأسه على حافة المذبح و هو يصرخ طالبا النجدة .. و ظهر المسخ العفن بسيفه الضخم و على وجهه إبتسامة مقيتة .. فقال “حسان ” و هو يرى المسخ يقترب :
-تبا .. ملك الموت أجمل من هذا بكثير .. تبا , لا يجب أن تكون نهايتي هكذا أبدا ..
فوقف المسخ النصف عاري أمامه و قد اختنق “حسان ” برائحته العفنة .. فقال وهو يسعل :
-عليك اللعنة … إن فضلات الكلاب لأندى رائحة منك ..
فزمجر المسخ في ضيق لم يدم طويلا حتى رسم على وجهه ابتسامة و هو يرفع سيفه الضخم و يبقيه عاليا وهو يراقب “حسان” ليستمتع قليلا بخوفه .. إلا أن “حسان ” المرتعد لم يجد بدا فقال في يأس :
-أين هذا الفتى ؟! لماذا يتخلي عني الآن ( ثم نظر إلى المسخ و هو يقول ) حسنا يا صديقي .. يبدو أنه الفراق الآن ..
فأطلق المسخ ضحكة غريبة و أغمض ” حسان ” عينيه منتظر النصل الحاد الذي سيفصل رأسه عن جسده , وهو لا يستمتع أبدا بسماع ضحكة المسخ .. إلا أن ضحكته قد إنقطعت فجأة .. و لثانيتين إعتقد “حسان ” أن النصل أقترب من عنقه .. إلا أنه سمع صوت سقوط شيء ضخم على الأرض .. ففتح عينيه ليجد المسخ جثة هامدة و في رأسه قد استقر نصل حاد ..
نظر الجميع إلى مصدر النصل ليجدوا شابا في مقتبل العمر يمسك سيفا , وعلى وجهه قد ارتسمت ابتسامة متوترة تخفي خلفها قلقا عظيما ..فتخلص “حسان ” من أيدي رجال الكاهن الذين انشغلوا بالزائر الجديد .. و قال و هو يلهث :
-تبا لك .. لما تأخرت كل هذا .. لقد أوشكت رأسي أن تكون بجوار الجماجم التي تطأها بقدميك الآن ..
فقال “عمر خان ” وهو يحافظ على ابتسامته الساخرة :
-آسف يا صديقي … ولكني كنت منشغلا قليلا ..
فالتفت الكاهن إليه و قد بدا عليه الإستياء وقال بصوت رخيم :
-أما تود أن تعرفنا بك أيها القوي ؟
فقال “عمر ” بنفس اللهجة الساخرة :
-أنا من سيمنح روحك الخلاص من جسدك القذر أيها الحقير ..
فأطلق الكاهن ضحكة شيطانية عالية قبل أن يقول :
-رائع .. رائع … هذه الحشرة تستطيع أن تمنح خلاصا .. إنها لمعجزة ..
فتقدم “عمر ” ببطء و هو يلوح بسيفه و يقول :
-إذن فلتساعدني على تحقيقها ..
فقال الكاهن ساخرا :
-مهلا .. لندع الرجال يعبرون أولا عن رأيهم في هذا الأمر .. و دع رأيي للنهاية ..
ثم التفت إلى رجال و استطرد :
-ما رأيكم يا رجال في هذا الأمر المعقد ..
-ما رأيكم يا رجال في هذا الأمر المعقد ..
فتجمع الرجال معا قبل أن يتقدموا إتجاه ” عمر ” .. و بدأ يحيطون به كما تحيط الذئاب بفريستها .. و بدأ الهجوم .. بدأ بأحد رجال الكاهن و قد استل سيفه و أخذ يهاجم “عمر ” الذي دافع بمهارة فائقة قبل أن يبدأ هجومه .. و ظل يحاول الضغط على الرجل و هو يتذكر كل ما علمه أباه إياه من مهارات القتال .. وقد ساعده سيف “برنان ” القوي في أداء مهمته .. و قد أخبره ” برنان ” أنه لا يستطيع مقاتلة أحدهم إلا بسيف جني .. فما أن اخترق السيف الرجل حتى إستحال رمادا .. مما أزعج الكاهن كثيرا .. فبدأ رجاله يهجمون جميعا على “عمر ” الذي أخذ يقاتلهم بمهارة شديدة .. و بدأ يقتل منهم الكثير ..إلا أن الضغط كان عليه كبير .. فلاحظ ” حسان ” الأمر , فتسلل أولا ليحرر الأسرى , ثم هرول ليحضر حقيبته التي أسقطها عمدا عند إحدى الأشجار و أخرج منها قارورتين من الزجاج الرقيق .. وكانت كل قارورة منقسمة من الداخل إلى قسمين أحدهما مملوء بالماء و الأخرى تحتوي على المادة المعدنية المتفجرة مغمورة في بعض الزيت .. و يفصل بينهما حاجز من الزجاج الرقيق .. و أختبأ خلف صخرة كبيرة و أخذ يحدد هدفه جيدا و بدقة .. ثم قذف القارورة الأولى بالقرب من الكاهن ..إنفجرت القارورة الأولى إنفجارا شديدا جذب إنتباه الكثير من رجال الكاهن .. حتى فوجيء “حسان ” أن الكاهن لم يمسسه سوء .. و قبل أن يقدم الكاهن على أي حركة ألقى “حسان ” بالقارورة الثانية على رجاله .. فانفجرت مهلكة عدد كبير منهم و قد استحالوا لرماد مشتعل .. فأشعل هذا الأمر غضب الكاهن الذي رفع يده ليلقي بقذيفة كالبرق , فانفجرت الصخرة و ارتد “حسان ” بعنف للخلف و هو يتأوه قبل أن يفقد الوعي .. فصاح “عمر ” :
-قاتلني أنا أيها الحقير .. أود مقاتلتك..
فالتفت الكاهن إليه قبل أن يزيح غطاء رأسه .. وقد بدا وجهه أبشع ما يكون .. مشوه الأنف و الخدين و ليس له أجفان تحمي عينيه الجاحظتين .. و قال مبتسما :
-لك هذا أيها المتحذلق .. لتكن ميتتك لم يسبقك إليها أحد من قبل ..
فابتعد بقية الرجال ليخلوا ساحة القتال .. ومد الكاهن يده جانبا فظهر بها فجأة سيفا قويا يشتعل نارا ..و أخذ يلوح به قليلا قبل أن يطلق صيحة هادرة و يسدد به ضربة رأسية إلى “عمر ” الذي استقبل الضربة بمهارة و هو بالكاد يحتمل شدة الضربة حتى شعر و كأن سيفه سوف يهوي مصطحبا كتفه معه ..
و أخذ “عمر ” في محاولة التخلص من كونه يدافع عن حياته ليتخذ موقع المهاجم لكي يجد نقطة ضعف بالكاهن ليضغط عليه بها .. ولكن دون جدوى … أخذ الكاهن يستمتع بتسديد الضربات إلى “عمر ” , ويلقي به يمينا و يسارا .. و “عمر ” يعاودا النهوض في سرعة لكي لا يعطي الكاهن فرصة لتسديد طعنة قاتلة إليه .. و لكن الكاهن نجح في إصابة ” عمر ” ببعض الجراح في ذراعه و ظهره , و قد شعر ” عمر ” بالإعياء الشديدة مما جعل الكاهن ينجح في إسقاط السيف من يده .. و بدلا من أن يقضي الكاهن عليه فضل أن يلقي بسيفه هو الآخر و يبدأ في تسديد اللكمات إلى “عمر ” .. و بدأ يلقي به هنا و هناك و هو يقول :
-القدر يسخر مني .. و يرسل لي حشرة أقاتلها .. هل هذا ما استطاعوا أن يفعلوه … هل هذا هو أفضل ما يستطيعون القيام به ..
ثم رفع ” عمر ” عاليا في الهواء قبل أن يقذف به قريبا منه .. و كان “عمر ” في حالة يرثى لها , ملقا على الأرض و لا يقوى على النهوض , و كان قريبا من سيفه ولكن الوصول إليه ليس بالفكرة الجيدة الآن .. فحاول أن ينهض و لكنه بالطاد استطاع الجلوس و هو ينظر إلى السيف ثم إلى الكاهن الذي إبتسم في خبث و هو يقول :
-لم يعد يجدي نفعا يا صديقي .. و لقد مللت من اللعب معك .. حان وقت الموت ..
قالها قبل أن يغزل بيديه في الهواء وقد تكونت دوامات صغيرة حول يديه وكأنها قطعة من سحابة ملبدة بالغيوم و مليئة بالرعد و البرق .. و قد اتخذت لونا أحمرا قاتما ممتليء بالوهج و الشرر .. ثم دفع بها الكاهن في اتجاه ” عمر ” , و لم تكن لديه أدنى فرصة لكي ينجو .. و قد بدت أنها النهاية ..
***********************
يتبع،،،