أدب و ثقافةروايات و قصص

رواية البصمة الجزء الثالث

إيهاب بديوي

طروادة
انتهى يوم العمل المرهق أخيرا، طلب مسئول العمال منهم التجمع كي توصلهم السيارة إلى المدينة، اقترب منه أديب وطلب منه أن يقضي الليلة في الموقع مع العمال المقيمين، تفحصه المسئول من رأسه إلى قدميه، ثم نادى على مسئول التنقيب وأخبره بطلب أديب، نظر له طويلا ثم سأله مباشرة:
– هل عندك خبرة في عمليات التنقيب؟
– نعم سيدي، شاركت في عمليات كثيرة.
– أين بالتحديد.
– في سوريا والعراق.
– ولكن طبيعة العمل هناك مختلفة عن هنا.
– نعم، ولكن أساسيات العمل واحدة.
– حسنا، غدا سأخضعك لاختبار ونرى.
– أشكرك جدا يا سيدي، ولن أخيب ظنك.
قضى ليلته في خيمة مشتركة مع بعض العمال الأتراك يلتقط أنفاسه ويحسب المدة التي عليه أن يقضيها ليكمل المبلغ المطلوب لعبور البحر.
في صباح اليوم التالي طلب منه مسئول الموقع أن يعمل في الكشف عن جرة صغيرة لا يبدو منها سوى مقدمتها، طلب أديب فرشاة صغيرة وأداة للحفر الدقيق حول الجرة، ثم نزل بحرص بالغ إلى الموقع المطلوب ونجح في الكشف عن الجرة في مدة وجيزة بمهارة عالية.
فوجئ أديب بتحية حارة وثناء من المسئول:
– رائع جدا، مهارتك واضحة، أنت متخصص بالتأكيد، تعال معي إلى المكتب.
ذهب معه وهو سعيد متردد في نفس الوقت من نوعية الأسئلة، وهو ما حدث بالفعل حين حدثه بالعربية الضعيفة بعد أن جلسا:
– أنا الدكتور نومان تغرول المسئول عن الآثار في المنطقة، أريد أن أعرف قصتك، من الواضح أنك سوري مهاجر، يمر علينا الكثير مثلك، لكنك متخصص فيما يبدو في الآثار.
– نعم يا سيدي، اسمي أديب تموز، درست الآثار في الجامعة وعملت في نفس المجال طوال عشر سنوات حتى أصبحت رئيسا لفريق تنقيب داخلي قبل الحرب مباشرة.
– رائع جدا، ولماذا تعمل كعامل؟ وتحدث لا تخف لن أبلغ عنك السلطات لو لم تخالف القانون.
– لم أخالف القانون، تعرف ظروف الحرب عندنا، أنا أحاول العبور إلى اليونان ولكن ينقصني المال ولهذا أعمل لأكمله.
– حسن، سأساعدك، هل تعرف طروادة؟
– بالتأكيد.
– ماذا تعرف عنها؟
– مدينة تاريخية شهيرة يرجع تأسيسها المعروف إلى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، تقع جنوب مضيق الدردنيل الذي كان يسمى هيليسبونْت الفاصل بين آسيا وأوروبا وهو ممر تاريخي هام جدا لكل الحضارات،
بخلاف الأساطير فإن ما هو معروف عن تاريخ طروادة قليل وعلماء الآثار يعرفون أن طروادة أسِّسَتْ في أوائل العصر البرونزي، اكتشفها العالم الألماني الشهير هنريك شيلمان منتصف القرن التاسع عشر، وقد اكتشف أنها تسع مدن تقع فوق بعضها بنيت عبر ثلاثة آلاف عام ثم مدينة عاشرة بناها الرومان واستمرت حتى القرن الأول الميلادي، بعدها اختفت حتى اكتشفها العالم الألماني، وقد كانت كل مدينة تالية منها تُبنى على أنقاض المدينة التي سبقتها.
كانت كلٌ من طروادة الثانية وطروادة السادسة، بصفة خاصة، مدينتين غنيتين، حيث اشتغل الطرواديون بالزِّراعة وبتربية الأغنام وبإنتاج السلع الصوفية، كما تاجروا مع المسِّينيين الذين كانوا يعيشون في بلاد الإغريق، ومع شعوب أخرى تعيش على امتداد سواحل آسيا الصغرى المطلة على بحر إيجة.
– رائع جدا، وتعرف بالطبع قصة حصان طروادة وأجا ممنون وهيلين وأخيل.
– تقصد ما ذكره هوميروس في الإلياذة والأوديسا، والإنيادة للشاعر الروماني فيرجيل بعد ذلك، بالطبع، والغالب أنها طروادة السادسة أو السابعة، وتَرْوي هذه الملاحم قصة عن طروادة، قد لا تكون صادقة إلا بشكل محدود، وقد سُمِّيَتْ المدينة باسميها نسبة إلى إلوس، مؤسسها الأسطوري، وتروس والد إلوس.
وتروي الملاحم أن باريس ابن الملك حُكِّم في منافسة جمال بين المعبودات الإغريقية هيرا وأثينا وأفروديت، فاختار للفوز أفروديت إذ كانت قد وعدته بأن تزوجه أجمل امرأة في العالم.
قام باريس، بعد هذه المنافسة، بزيارة منيلاوس، ملك أسبرطة، فوقع في غرام زوجته هيلين، التي كانت قد عُرفت بأنها أجمل امرأة في العالم، وقد كانت السبب الرئيسي للحرب الطروادية، التي هزمت فيها اليونان مدينة طروادة.
فأخذ باريس هيلين معه إلى طروادة، مما أغضب منيلاوس، وأقسم شعب الإغريق، الذين يُسمِّيهم هوميروس الآخيين، على الإنتقام من باريس، ومن شعب طروادة، وهكذا انطلقت حملةٌ، قادها أجاممنون أخو منيلاوس، وضمت إلى جانبه كلاً من أخيليوس أو أخيل البطل الأسطوري وأوديسيوس، وكثيرًا من أبطال الإغريق الآخرين.
ولكن أخيل انسحب في بداية الحرب لخلاف على جارية مع أجا ممنون.
حاصر الإغريق طروادة مدة عشر سنوات إلا أنهم أخفقوا في الاستيلاء على المدينة التي كانت محصَّنة بأسوار حجرية عالية، أمر أوديسيوس العمّال بصنع حصان خشبي ضخم، اختبأ في داخله عدد من الجنود الإغريق، بينما تظاهر بقية الجيش بالإبحار بعيدًا، تاركين الحصان قائمًا خارج أسوار المدينة.
أثار الحصان فضول الطرواديين، فسحبوه إلى داخل المدينة على الرغم من تحذيرات الكاهن الطروادي لاوكون لهم بألا يفعلوا ذلك، وفي تلك الليلة تسلل الجنود الإغريق خارجين من جوف الحصان، وفتحوا بوابات المدينة أمام بقية القوات الإغريقية، لدخول طروادة. وهكذا نفذ الإغريق مذبحةً ذهب ضحيتها شعب طروادة، ونهبوا المدينة وأحرقوها، وقد نجا إينياس، بطل ملحمة الإنيادة لفيرجيل، إلى جانب عدد قليل من الطرواديين، من هذه المذبحة بينما قُتل باريس في هذه الحرب وعادت هيلين إلى منيلاوس.
ولا يعرف العلماء إلا القليل عن حرب طروادة الحقيقية، إذ وجد علماء الآثار دلائل على أن الإغريق ربما كانوا قد هاجموا طروادة، ودمروها في حملة مماثلة لتلك التي وصفتها الإلياذة. إلا أن سبب تلك الحرب الحقيقي ظلّ غير معروف، ويَعْتَقِدُ علماء اليونان أن طروادة سقطت حوالي العام 1184ق.م، بينما يظنّ كثير من علماء الآثار أن المدينة السابعة التي قامت على موقع طروادة هي المدينة التي كُتِب عنها في الأدب الإغريقي القديم، ويَعْتَقِدُ هؤلاء العلماء أن هذه المدينة قد دُمِّرت نحو عام 1250ق.م.
– هذه معلومات دقيقة، يبدو أنك متخصص فعلا.
– نعم، أنا متخصص في الآثار اليونانية الرومانية.
– هل تتحدث الألمانية؟
– القليل منها.
– جيد، سأنقلك للعمل مع فريق عمل ألماني يعمل حاليا في طروادة، وهذا سيعطيك فرصة لتزيد دخلك وتختصر الوقت، وسنستفيد من خبرتك السابقة، ولكنك تعلم بالطبع أنك ستعمل كعامل تنقيب.
– لا يهم يا دكتور، أشكرك جدا على مساعدتي.
…..يتبع

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى