
فِي لَيْلَةِ شِتَاءٍ
كَانَتْ تُمْطِرَ الْمَطَرَ الْحَزِينَ
قَالَتْ سأعود يَوْمُ أَجِدُ نَفْسُي
.. سأعود إِذَا اِنْقَطَعَ الْمَطَرُ
و يَأْتِيَ الرَّبِيعُ بِالْحَنِينِ
تشبثتُ بِالْأَمَلِ الْوَاهِنِ الضَّعِيفِ ..
و الرَّبِيعَ جَاءَ
و ورائه خَمْسُونَ ألْفًا آخرين
عَلَى مَقَاعِدِ الْاِنْتِظارِ
اُنْتُظِرْتِ رَغْمَ شَكِّيٍ بِالْيَقِينِ
بَعُدَ الْقِطَارُ ..
و الْأَزْمانَ تَبَاعَدْتِ مَعَ الضَّبَابِ
إلّا نَفْسُي كَانَتْ تَسْكُنُ دُرُوبَ الْوَاثِقِينَ
كَانَتْ تَكَذُّبُ فِكْرَةِ الرَّحِيلِ
مَلَأْتِ حَقائِبَ الْاِنْتِظارِ بِالْوُعُودِ
و تُرِكْتِهَا مَعَي
و آخِرُ طَوْقٍ مِنْ وُرُودِ
وَدَعَتِهَا .. بِرِدَاءِ الْأَمَلِ
و تَحَرُّكُ الْقِطَارِ ..
يَحْمِلُ قَلْبُي و نَبْضَي الموؤود
بَاعَدْتِ بَيْنَنَا الْحُدودَ
و الْجَسُورَ تُحُطِّمْتِ
الْأَسْوارَ كَالْجِبَالِ تَعَاظَمْتِ
و خَلْفَهَا ..
اُحْتُضِرَ نَسِيمُ الرَّبِيعِ
لَفْظُ أَنْفَاسِهِ الْأَخِيرَةِ
زُفِرَ زَفْرَةُ الْمَوْتِ الْمَرِيرَةَ
و تَسَاقَطْتِ أَوْرَاقَ الْحَيَاةِ بِالْعُهُودِ
قُتِلَتْ شَمْسٌ اللقاءِ
قَتَلْتِ و مَعَهَا أُلِّفَ ذِكْرَى لِلَحْنَيْنٍ
و اللِّقَاءَ بَاتَ شَيْءٌ مُسْتَحِيلٌ
كُلُّ الْمُغادِرِينَ عَادُوا
حَتَّى الْمُحَارِبِينَ فِي دَوْرِ الْاِغْتِرَابِ
إلّا أَنْتِ حَبيبَتُي
شتاؤكِ الْمَزْعُومَ غَابً
كَتَبْتُ مئات الرَّسَائِلَ
كُلُّهَا مِنْ مُعَيَّنِ الشَّوْقِ و الْعِتَابَ
سَيْلٌ مِنَ الْأَوْجَاعِ يَغْتَالُنِي بِالْعَذَابِ
و كَأَنَّي فَرِيسَةٌ فِي الْعَرَاءِ
وَالظَّنونِ كَالْنُّسُورِ مَزَّقْتِنِي
يَأْتِيَ سِرْبُ يُعْقِبُهُ أسْرَابً
مَا وَجَدْتُ شَيْءَ يَحْتَمِي بِهِ
وَجِدَانِي النَّحِيلَ
هَلْ خَانُكَ الْقِطَارِ ..
كَمَا خَنِثْتِ بعهدكِ
أَمْ أَصْبَحْتِ تَائِهَةٌ
فِي وَضَحِ النَّهَارِ ..
سَيِّدَتُي مَاتَتْ كُلُّ الْأَعْذَارِ ..
و عَلَى حِكَايَتِنَا اُنْسُدِلَ السِّتَارُ
.. حَتَّى الْوَعْدِ الْأَخِيرِ ..
بَيْنَنَا مِنْ فَوْقَ جِبَالِ الثِّقَةِ
قَفْزً إِلَى وَادِي الْاِنْتِحارِ
لَمْ يَبْقَى إلّا أَنَا و الشَّوْقَ فِي قَاعَةِ الْاِنْتِظارِ
و مَعَي تَذْكِرَةٌ عودتكِ مُمَزَّقَةً
فِي طَيَّاتِ دِيوانِيِ الْقَتِيلِ