دعوى حُرمة الموسيقى والغناء

بقلم: حسام الدين عوض
حفلٌ ماجنٌ ، تقتحمه أصواتُ الموسيقى الصاخبة ، وقرع الطبول المجنونة ، ويجتمعُ فيه الشبابُ مع الفتيات للرقص الرقيع بغير حسيبٍ ولا رقيب ، وتُدارُ فيه كؤوس الخمر ، لينتهي الحفلُ بمواعدة الشباب للفتيات على الزنا ، كما يحدث في الملاهي الليلية في بلاد الغرب ليالي الأحد!
تلك هي الصورةُ التي تحدث عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث استحلال الأمة لـ “الحرّ والحرير والخمر والمعازف”.
حفلٌ غنائيٌ في ليلة أندلسية مقمرة ، تُنشَدُ فيه الأغاني ذات المعاني التي تسمو بالروح ، وتُعزَفُ فيه الموسيقى التي ترتاحُ إليها الأذن ، وترتادُه العائلاتُ المحترمةُ بحيث تكون تصرفات الشباب تحت رقابة الآباء والأمهات ، ولا تُحتسَى فيه الخمورُ اللعينة ؛ حضر مثله الإمام ابن حزم الأندلسي وأباحَهُ غيرُهُ من أكابر أئمة المسلمين ، فإن كنتَ تريدُ تحريم هذا؟ ثم تقوم بحشد الأدلة الشرعية على الطريقة الوهابية ، وهي أدلةٌ صحيحُها غيرُ صريح وصريحُها غيرُ صحيح .. فلن يرهبني ذلك!

وأما دعوى أنَّ تحريم الموسيقى هو رأي جمهور الفقهاء من جميع المذاهب .. فتلك فرية بلا مرية! فقد كان يُروَى عن جماعة من الصحابة والتابعين سماع الآلات ، وقد ذكر جماعة منهم الشيخ ” أبو المواهب التونسي ” في تأليف له ، وعد منهم ابن عمرو ، وعبدالله بن جعفر ، وعبدالله بن الزبير ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وآخرين ، وهو ما ذكره أيضاً الأستاذ ” أبو منصور البغدادي ” الشافعي في مؤلف له في السماع ، وحكى فيه أن عبدالله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأساً ويسوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره ، وكان ذلك في زمن أمير المؤنين علي بن أبي طالب ، وذكر إمام الحرمين في النهاية ، وكذلك ابن أبي الدم عن أثبات المؤرخين أن عبدالله بن الزبيركان له جوار عوَّارات وأن ابن عمر دخل عليه وإلى جنبه عود ، فقال : ما هذا يا صاحب رسول الله ؛ فناوله إياه ؛ فتأمله “ابن عمر” وقال : هذا ميزان شامي ؛ فقال “ابن الزبير” توزن به العقول ، ولعلَّ “البخاري” حين خَرَّج حديث “عائشة” وفيه إنكار أبي بكر على الجاريتين فقال : “مزمارة الشيطانِ عند النبي” أراد بهذه الترجمة أن يبين حل السماع من طرف خفي ؛ إذ لولا الحل لما دخلت بيت النبي ، ولا يقال إن الغناء يختص بيوم العيد ؛ إذ لا وجه لذلك فلا يتجوز في العيد بسماع المحرم ، ولأجل ذلك فقد ذكر ” أبو الفرج الأصبهاني في كتاب آداب السماع ” عن ابن عباس أنه قال : مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحسان بن ثابت ، وهو بفناء أطمه ومعه سماطان من أصحابه وجاريته تغنيهم فانتهى إليها رسول الله وهي تقول : هل على ويحكما *** إن لهوت من حرجٍ ، فتبسم رسول الله وقال : لا حرج ، وقد ألف في حل السماع والغناء جماعة من أجلاء العلماء لا نحصيهم وإنما يكفي أن نذكر منهم على سبيل المثال :
1- الإمام ابن قتيبة حيث ألف كتاب ” الرخصة في السماع ” .
2- الإمام أبو منصور التميمي البغدادي .
3- الإمام أبو محمد بن حزم الأندلسي .
4- الإمام أبو بكر العامري البغدادي.
5- الإمام الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي ، ومؤلفه وصف بأنه واسع البحث وقد تداوله أجلاء .
6- الإمام محمد بن عمر المعروف بالدرَّاح ومؤلفه سماه : ” الكفاية والغناء في أحكام الغناء ” .
7- الإمام أبو الفضل الإدفوى الشافعي ، ومؤلفه سماه : ” الإمتاع بأحكام السماع ” وهو نفيس .
8- الإمام أبو القاسم القشيري .
9- الإمام تاج الدين الفزارى .
10- الإمام العز بن عبدالسلام سلطان العلماء .
11- الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد .
12- الإمام أبو المواهب التونسي ، وق سمي مؤلفه ” فرح الإسماع برخص السماع ” .
13- الإمام أبو الفتوح الغزالي ، وقد سمي مؤلفه ” بوارق الإجماع في تكفير من يحرم مطلق السماع ” .
14- الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي ، وقد سمي مؤلفه : ” نزهة الإسماع في مسألة السماع ” .
15- الإمام أبو زيد العيدوس ، وقد سمى مؤلفه : ” تشنيف الأسماع ببعض أسرار السماع ” . الأستاذ عبدالغني النابلسي ، وقد سمى مؤلفه : ” إيضاح الدلالات في سماع الآلات ” .
16- الأستاذ جعفر بن إدريس الكتاني ، ومؤلفه في مجلد ، وله مختصر لأي العباس .
17- أحمد بن الخياط الزكارى الفاسي ، ومؤلفه طبع بفاس .
18- الحافظ محمد بن على الشوكاني ، ومؤلفه هو ” بطلان الإجماع على تحريم مطلق السماع ”
19- الأستاذ أبو المواهب الفاسي ومؤلفه ” مواهب الأرب المبرأة من الجرب في السماع والآلات الطرب “
المبتهل الشيخ سيد النقشبندي يستمع للعود!
أختمُ بتلك الحادثة المثيرة للضحك والشفقة -في آنٍ معاً- من حال القوم ومن أنواع تهوراتهم وألوان مماحكاتهم!
وقع في عهد الخليفة العباسي “هارون الرشيد” من تحامل أحمقٍ على “إبراهيم بن سعد” أحدُ رُواةِ الحديثِ الأجِلَّاء وهو من رجال “البخاري” من أهل المدينة ، وكان يرى حِلَّ السماع فحمل عليه أحمقٌ فجعله يحلف يميناً ألا يحدث بحديث حتى يضرب على عوده ويغني ، فلمَّا دعاه “الرشيد” إلى الحديث ذات مرة دعا بعودٍ فجعل يتغنى ببعض الأبيات ، ثم أقبل على التحديث ، وقال حملني أحمقٌ على هذا اليمين ، وما لي في الغناء حاجة!