خلال أمسية احتفى بها الجمهور بتجربته الشعرية الشاعر محمد البريكي .. عاين الوجع الإنساني وتغنى بعروبته في “الشارقة للكتاب”
عمان – عمر أبو الهيجاء

الشاعر محمد البريكي حين يعتلي المنصة يأخذك إلى حالات العشق وفضاءات البوح تجاه الحياة معنى ومبنى ضمن رؤية وفلسفة الشعر التي يعمل من خلال البناء المحكم لنصوصه الشعرية التي يشتبك من خلالها مع المعطى اليومي يعيشه، شاعر نشنّف الآذان لنصغي بحواسنا إلى حروفه المبللة بماء الروح والشعر ويتركنا محلقين معه في سموات أكثر اتساعا للمعنى والتجلّي قارئا الودع الذي يعتمل في الصدور وفي حالات أخرى يرسم لنا مساحات من الفرح الذي نرنو إليه.
ومن خلال ما ذكر، وضمن أنشطة وفعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب الرئيسية، شارك مدير بيت الشعر في الشارقة الشاعر الدكتور محمد عبدالله البريكي في أمسية شعرية، قدمتها الإعلامية اللبنانية لوركا سبيتي، وحضرها جمهور اكتظ به ملتقى “3 ” في المعرض، حيث ذكرت سبيتي في أثناء تقديمها للأمسية: “محمد البريكي شاعر منذ طفولته.. منذ أن كان يسند رأسه إلى حائط وينظر إلى البيوت المتراصة في حارته، رأى ما لم يره الآخرون… الفرح يتمشى في شوارعها الممتدة، وفي صباحات ولياليها المقمرة وطيبة أهلها، هذا ما شسع خياله…الذي نبت فيه الشجر والعشب.. واقام فيه الربيع، وطلعت الشمس حرة مشعة…أصبحت حياته على شكل الحلم، سكنت في روحه روح الشعر ونبت له جناحين .. وحلق الى الاعلى حيث الوحل أقل واللعبة بلا قساوة …بعين واحد ترى المشاهد من فوق.. الانسان وقضاياه، الحب ومعانيه، القرى وحيواتها…وما تنطوي عليه من أشياء يستحيل أن تراها في أي مكان سواها..
افتتح البريكي قراءاته بمجموعة من النصوص التي جسدت محبته لإنسانيته وعروبته منها:
“مَوْتٌ يَمرُّ على البُيوتِ عَنيفا
لِيَزيدَ أرْضَ الخائفينَ نَزيفا
مَوْتٌ يُرافِقُهُ الجَحيمُ كَظلِّهِ
يَأتي بطوفانِ الفَناءِ مُخيفا
حتّى الشَّواهقُ وهيَ تَرْفَعُ رَأْسَها
كانَ القَرارُ أمامَها تَجْريفا
ذابَتْ حِجارتُها على أَرْواحِهِمْ
فالعُمْرُ فَرَّ من النزيفِ رفيفا
ذابَتْ وذابوا.. هَلْ نَقولُ: بقاؤهم
تَحْتَ الحِجارةِ لَمْ يَكُنْ تَشْريفا؟”
ثم قرأ من قصيدة “لا علم لي” التي تميزت بدهشة لغتها وعمق معناها:
“يا أنتِ تختصرينَ قِصَّةَ عاشِقٍ
أدّى صلاةَ العشقِ قبلَ أذانِها
وأذابَ في البُنِّ المُعَتَّقِ ذاتَهُ
فَتَوَزَّعَتْ رُشَفاً على فِنْجانِها
رُشَفاً كأنَّ الأغنياتِ قَدِ استَقَتْ
أوجاعَ هذا البُنِّ من ألْحانِها”.
وقد طالب الجمهور من البريكي الاستمرار بلا نهاية، مما جعله يقرأ نصوصاً أخرى حلقت في فضاء العاطفة الإنسانية، وغلبت عليها نبرته الدرامية في أثناء الإلقاء، فحركت كلماته بجمالياتها الشجون لدى المتلقين ومنها هذا النص:
“وقلتُ للأرضِ هذا الكونُ محتفلٌ
بما لديَّ من الألحانِ، فاقتربي
وقرّبي لي الحزانى، كي أهُزَّ لهم
جذعَ الشعورِ فيدنو نحوهُم رُطَبي
وكي أقدّمَ فنجاناً بدهشتِهِ
من الأحاسيسِ مغليّاً على حطبي”.
ثم قرأ بعض النصوص التي اختزلت الحكمة، فصور من خلالها مشاهد تفاعل معها الذوق الإبداعي نظراً لتمثيلها لحركة الحياة، ضمن أساليب مركبة ارتفع فيها صوت الموسيقى بإيقاعاتها الحميمية.
وقبل ختام الأمسية طالب الجمهور الشاعر محمد البريكي قراءة نصوص شعرية من اللهجة النبطية الخليجية التي تتميز بطابعها التواصلي، إذ احتشدت أبياته التي تلاها على مسامع الحضور – بناء على رغبتهم الجارفة – بموسيقى من نوع آخر، واتسعت دائرة الصورة بما يجسد تراكماته المسكونة بصفاء الشعر النبطي والرمزية العالية التي استجاب إليها الجمهور سريعاً نظراُ لحساسيتها الجمالية، ومن ضمن ما قرأ:
“جتني وكان الجو عندي أمعكّرْ
ومن شفتَها جيش الأماني عسْكَرْ
حطّتْ لي الشاي وْجِفَتْني بضحكه
سألت: هذا الشاي.. وين السّكّرْ؟
قالت وهي تدري بأني أمزحْ:
كاهو عيوني.. خَلْ عنْكْ المنكرْ”.
الجدير بالذكر أن الشاعر البريكي شارك مؤخراً في منتدى الشعر العربي الذي نظمته أكاديمية الشعر العربي بالمملكة العربية السعودية ببحث حول “الشعر العربي.. الدور والمكانة والصورة” سلط فيه الضوء على دور الشعر العربي قديمه وحديثه، واختلاف أدواره بشواهد شعرية عبر عصور الشعر العربي المختلفة.
وكما يذكر أيضا الشاعر والإعلامي محمد عبدالله البريكي هو مدير بيت الشعر بالشارقة مدير مهرجان الشارقة للشعر العربي، ومدير تحرير مجلة “القوافي” الشهر والتي تعنى بالشعر وقضاياه، اختيرت قصائد له ضمن المناهج التدريسية، وحكم في العديد من المهرجانات الفصحى والنبطية، وحاز على جوائز أدبية كثيرة، هذا إلى جانب مشاركته في المهرجانات الشعري العربية.
وصدر للشاعر البريكي مجموعة من الدواوين الشعرية نذكر منها: “ديوان “زايد” إهداء للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله، همس الخلود “شعر شعبي”، سكون العاصفة “شعر شعبي”، ساحة رقص” شعر شعبي”، كتاب “على الطاولة” قراءات في الساحة الشعرية الشعبية، ديوان “بيت آيل للسقوط” شعر فصيح، “بدأت مع البحر” فصيح، كتاب الشارقة غواية الحب الأبدي، كتاب بيوت الشعر مشاهد وإضاءات، وغير ذلك من الأعمال الشعرية والنقدية، وكما قدمت رسائل الماجستير والدكتوراه في تجربته الشعرية وصدرت في كتب.