خطابُ الأحلامِ الخدّاعات!

بقلم : حسام الدين عوض
كم تسبب هذا الخطاب التقليدي المستهلك المعتاد من الدعاة والمشايخ وخطباء المنابر ، في تضييع الأوقات واستنزاف الطاقات في أحلامٍ رومانسية خدَّاعات!
انظروا إلى تلك المغنية المشهورة التي كانت تكسب الملايين! ثم تركت الشهرة والأضواء لكي تتحجب! (تتعالى صيحات الانبهار بما فعلته من ترك ملذات الدنيا حتى تعيش في نور الله!)
انظروا إلى الشيخ فلان الذي تزوَّج من امرأة سافرةٍ متبرجة ، ثم هو يضعُ صورته مع زوجته دون خجل ولا وجل ولا أحد ينهاه عن ذلك المنكر المستشنع! (تتصاعدُ همهمات الضَّجر على ماوصل إليه حال الأمة التي تضاهي أمماً كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه!)
كلامٌ برَّاق .. لكن .. حين لايكون لدينا سواه! فإنه يعدُّ خطاباً إلهائياً كارثياً يسهم في صرف الأمة عن حقيقة أزماتها الحضارية ، وعن واقعها المؤلم!
لو أن الجماعات الدعوية ركزت بعض جهودها على تحرير المستعبدين بدرجة “موظف” وتشريع قوانين تحمي حقوقهم ، وتنتصر لهم من أرباب أعمالهم/أعمالهن!
لو أننا وجهنا بعض جهودنا لتزويج ملايين العوانس والعانسات ، وتصحيح مفاهيم الناس عن الزواج وإصلاح الزيجات التي انهارت أو توشك على الانهيار ، فضلاً عن الانتصار لحقوق المرأة بدلاً من تركها نهباً لمن نسميهم “اللادينيين”!
لكانت النتيجة شعوباً من الأحرار ، وبالتالي مجتمعات صلبة قادرة على مواجهة الاستبداد للحصول على حقوق الأمة ، أما النتيجة الحالية (وبعد سنوات من الخطاب التقليدي المكرر) فضلاً عن آلاف الخطب والمقالات والدروس ، فهي:
– صاحب شركة يمارس ضغوطه على سكرتيرته حتى قالت “هيت لك”! ورئيس تحرير جريدة يتحرش بصحفية! وأستاذ جامعة يمنح درجة امتحان الشفوي لطالبة دون غيرها!
– محجبات يرقصن أمام لجان الانتخابات! وملتحون يتعايشون بكل أريحية مع الاستبداد و الفساد ، لكنهم يتحفظون على توصيف الدولة بـ “المدنية”!
– ناسٌ يصومون رمضان لكن ليس لديهم إشكال في تملق رب العمل والتزلف الرخيص له ، فضلاً عن ضرب ‘الأسافين’ في زميل لنيل حظوة أو تحصيل ترقية أو حتى علاوة بقرشين!
– رجال غير دياييث -ماشاء الله-! بل غيورون على زوجاتهن لايتركونهن يخرجن متبرجات! لكن أحدهم قد لايمانع من هضم ميراث شقيقته الأنثى حتى لاتذهب أرض العائلة لغريب! وهو مع هذا لايكاد يفوت فريضة واحدة.
– دول فاشلة علمياً وتعليمياً واقتصادياً وعاجزة من منافسة الدول الأخرى.
– ناهيك عن أدخنة طائفية تتصاعد فوق سماء المنطقة العربية لتمنع ضوء الشمس من الوصول إليها ، ولتعكس حجم الصراعات المذهبية والهوس بفكرة الحق المطلق الذي تزعمه لنفسها كل طائفة و جماعة.
عندما يكون في بلادنا ودولنا العربية حقوق وحريات أساسية ، فلا إشكال عندي في أن تكلمني عن الحجاب! أما حين يكون المواطنون مهمشون بلا حقوق ، والموظفون يعملون كالعبيد عند أرباب الأعمال حتى يحصلوا على (ملاليم) في نهاية كل شهر! ثم حين يقال هذا الكلام في مجتمعات لاينقصها المحجبات ولا المنتقبات! ولا حتى دور العبادة! فلاتكاد تجد كنيسة إلا وأمامها مسجد مذئنته أعلى! وكأننا بمثل هذه الكتل الخرسانية قد نصرنا الأديان وأرينا الله من أنفسنا خيراً ، فلاشك أن لدينا مشكلةً جسيمة!
بلادنا أيها الأفاضل لاينقصها الإسلام ، بل هي بلاد مسلمة حكاماً ومحكومين من قبل أن نولد ، وإنما تنقصها الإدارة الجيدة ، والتعليم المتميز ، والبحث العلمي الجادّ ، والإعلام المسئول! فمن يلقي بأكياس القمامة في الشارع ، لايفعل ذلك بعد خروجه من دار الندوة! وإنما بعد فراغه من صلاة الجمعة!
حين نتخلص من أكاذيب (سيستمر الغلاء مالم تتحجب النساء) ونكف عن إيهام الناس بأن مشاكلنا ستحل بمجرد (تطبيق الحدود)! وحين ندع الشعارات التي أبعدت الأمة عن مشروعها الحضاري المتمثل في السعي نحو منافسة الدول المحترمة مثل كندا واستراليا وبلجيكا وهولندا والدول الاسكندنافية ..
عندها فقط يمكن أن يكون لدينا أمل !