العقيدة و الدين

خرافة الإلحاد ..

الرد على الملحدين .. الربوبيين .. اللادينيين

بقلم : حسام الدين عوض

يستخدمُ الملحدُ لغةً موهِمةً تنتحلُ الطّابع العلميّ ، وتوظِّفُ اللسانَ العقلانيّ ، وذلك في حديثه عن الأديان ..
تجده يحدثك بموفور الثقة قائلا: الأديانُ كلها لاتخلو من خرافات .. ونحن نعيش عصر العلم، فلم يعد من اللائق أن نستسلم للخرافة كما فعل السابقون، إن هذا إلا أساطير الأولين!

وهو في هذا التمحّل ذاهلٌ عن أنّ الإلحاد نفسه يتطلب إيمانًا هلاميًا، وتصديقًا خرافيًا .. بجملة من الأباطيل والأوهام والأساطير المخالفة للعقل والمنطق، بل وللمنهجية العلمية التي يتوسَّدُها هو نفسه، فإذا ماعرَّضنا منطقه للنقد والتحقيق، والنظر والتدقيق ، تبيّن لكل مُبصِرٍ أن ما زعمه “كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءا، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، والله سريع الحساب” صدق الله العظيم

فلكي تكون ملحدًا عليك أن تؤمن بما يلي:
– الإنسانُ الذي يمثل أرقى صور الحياة العاقلة .. هو مجرد حثالة كيميائية نتجت عن تطور عشوائي غير موجه لخلية بدائية أولية ظهرت بمحض الصدفة على جرم سماوي متناهي الصغر! فكيف وُجدت تلك الخلية؟ ومن ذا الذي هيأ الظروف التي مكّنتها من الحياة على هذا الكوكب دون غيره؟ ولماذا بدأت وإلى أي شئ تصير؟ وما الغاية أو النهاية؟ لا جواب!

– الإنسانُ العاقل الذي اكتشف بعض قوانين الكون المحكم وصاغها في معادلات رياضية غاية في الدقة والتعقيد .. وأخضع الطبيعة نفسها لنفسه ، قد أوجدته تلك الطبيعة الأم الصماء غير العاقلة ، فصار فاقد الشئ يعطيه! لينتحر المنطق على أعتاب الإلحاد والربوبية واللادينية!

– الطبيعةُ الصَّمَّاء غير العاقلة ، تنتظم وفق قوانين مضبوطة بأعظم الموازين دقة وفق ثابت كوني متناهي الضآلة لايتصوَّرُهُ العقل (10 مرفوعة إلى الأس سالب 120) ، وكل هذا ليس أكثر من صدفة وسط ركام هائل من الصدف السعيدة المتسلسلة بطريقة محكمة بحيث تخرجها عن كونها صدفا من الأصل! بيْد أنها أوجدت الحياة والأحياء!

– الكونُ الرهيب المهيب الذي رصد الإنسان جزءا -ربما يسيرًا- من أبعاده التي يعجز العقل البشري -رغم رقيه- عن تصورها (قُطر الكون المرصود حتى الآن يقدر بـ 93 مليار سنة ضوئية ، فلو افترضنا أن الضوء قد بدأ يتحرك من أقصى نقطة في الكون ، فلكي يصل إلى النقطة المقابلة فإنه سوف يستغرق ثلاثاً وتسعين مليار سنة!) ، وُجِدَ بمحض الصدفة وسط ركامٍ مهول من تريليونات الأكوان العبثية الفوضوية الاعتباطية الافتراضية الغيبية الأخرى (10 مرفوعة للأس 120) (نظرية الأكوان المتعددة)

– عمر كوكب الأرض 4.5 مليار سنة تقريبًا ، وعمر الإنسان -وفق أكثر الدراسات الحفرية تفاؤلا- مليون سنة ، فيما عمر الديناصورات التي عاشت نحو 160 مليون سنة ، ثم انقرضت تماماً منذ 65 مليون سنة! إلا أنّها لم تصنع شيئًا مما أنجزه الإنسان في الطب والأدوية والهندسة والفيزياء والجيوليوجيا والبيولوجيا وعلوم الفضاء وتكنولوجيا المعلومات فضلا عن العلوم الإنسانية والفلسفية ، وبالرغم من هذا فذلك الإنسان مجرد صدفة محضة أنتجتها العشوائية البحتة! شأنه في ذلك شأن الأنعام والدواب والهوام والحشرات والفيروسات!

– نجحت الصدفة البحتة في إيجاد الحدود الحرجة والثوابت الفيزيائية المحكمة ، وفي إيجاد الطاقة والكتلة والسرعة وقوانين الحركة والسكون ، وفي إيجاد الأوكسجين الذي لايمكن للكائنات الحية أن تعيش بدونه ، وفي إيجاد الماء العذب الذي يستسيغه الإنسان والحيوان والنبات ، والماء المالح الذي تعيش فيه الكائنات البحرية! وفي إيجاد الشمس والقمر ، والليل والنهار ، وفي تعاقب الفصول الأربعة المنتظمة على الأرض منذ مليارات السنين!

– نجحت العشوائية المادية في إنتاج أمور معنوية مثل مشاعر المحبة والكراهية ، والغبطة والغضب ، والتفاني والأنانية ، والتضحية والحقد ، والتسامي والحسد ، والخير والشر مما نجده لدى كثير من الأحياء وفي القلب منهم الإنسان .. كما نجحت في إيجاد الحياة والموت ، والإرهاق والنوم الذي يسافر خلاله العقل إلى أبعادٍ افتراضية وعوالم موازية لايمكن تفسيرها أو فهمها بالمنطق الرياضي المادي!

– عالم الماكرو الذي قوامه المجرات الشاسعة والنجوم الهائلة التي يفوق عددها عدد حبات الرمال على جميع شواطئ وصحاري الأرض ، وعالم المايكرو المتناهي الصغر والذي يشمل الإلكترون والبروتون والذرة والنواة .. ليسا أكثر من نرد تدحرج فوق طاولة! فحدث الانفجار العظيم (Big Bang) لينتقل كل هذا من العدم إلى الوجود .. فيالها من صدفة سعيدة لأغنياء الدنيا! وتعيسة على فقرائها ومعوزيها!

– صانع الكون الرهيب المهيب .. بعد أن أوجده من العدم بدقة متناهية يعجز العقل البشري عن تصورها (شهد على تلك الدقة أرباب الإلحاد أنفسهم من علماء الفيزياء والفلك والرياضيات) .. إلا أنه ترك الإنسان هَمَلًا تتخاطَفُهُ الظنون والأوهام ، وتتقاذفه التخرُّصَاتُ والتخييلات! فلم يتواصل مع خلقه يومًا ولابعض يوم ، بل تركهم يرسمه كلٌ منهم بريشة هواه! وهكذا .. فبعد أن نسب اللاديني (أو الربوبي) أو (الملحد) لصانع الكون مطلق الدقة ومنتهى الإتقان، عاد فنُكِسَ على رأسِهِ لينسب له غاية اللهو واللعب والاضطراب والعبث!

– خرجنا جميعًا من بطون أمهاتنا، فوجدنا أنفسنا مضطرين لعيش حياة اعتباطية، ليس لها غاية ولا نهاية، يستوي فيها الظالم مع المظلوم، والقاتل مع المقتول، بل يتفوق هذا على ذاك! .. يأكل القويُّ الضعيف، وتنقطع الأرحام، وتنتشر الفواحش، وتسود وحشةُ الظلمُ ويأفل نور العدل، فليس هناك ربٌ يحاسب، ولا شريعةٌ تُزَكّي وتطهّر! .. وعندها -وفقا للإلحاد- يكون موسوليني أعظم من عمر المختار، وهتلر أفضل من غاندي وفولتير، وستالين خيرٌ من تشيكوف وتولستوي، ثم تنعكس وتنتكس القيم الأخلاقية ليصبح قاتل خاشقجي منتصرًا ، كما سبق وانتصر الحجاجُ على سعيد بن جبير وعبد الله بن الزبير! فهل صانع الكون العظيم بهذه الدرجة من الغفلة والهوان؟ كلا .. وحاشاه!

ثمّ بعد كل هذا العبث والتخبط .. يتبجّح الملحد بأنّ الأديان لاتخلو من خرافات وأساطير.
والإلحاد نفسه أعظم خرافة .. !
خرافةٌ صنعتها عقولٌ أدمنت الاستعلاء والمكابرة رغم محدوديتها ونسبيتها.
فجنحت إلى الهروب، وآثرت الكذب ولو على النفس، حين رفضت التسليم بوجود الخالق المبدع الذي يدلُّ كلُّ مافي الكون ومافي الإنسان نفسه على عظيم حكمته ، وجلال صنعته .. سبحانه وتعالى عما يشركون.

وأما السؤال العسير الذي هو على الملحدين غير يسير ..
فمادامت الحياةُ -كما تزعمون- بلاهدف ولاغاية ولا مآل أو نهاية .. فلماذا تصرون على البقاء فيها؟ لماذا لاتنتحرون انتحارا جماعيا لتنبذوا الحياة بما فيها ومن فيها وراء ظهوركم؟
نحن المؤمنون نتعزّى ونتصبّر بأنّ من أحكم هذا الكون وضبطه بأدق ميزان، يمتنع عليه إلا أن يكون في غاية العدل وفي منتهى الحكمة، وقد اقتضت حكمتُه تعالى أن يبتلي الناس بالخير والشر، والحياة والموت، ثم إليه المرجع والمصير، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .. صدق الله العظيم
أما أنتم فلاتعرفون لحياتكم غاية أو لوجودكم معنى! فلماذا تتمسكون بالذي منه تأنفون؟ والله المستعان على ماتصفون

للمزيد .. أوصي بمراجعة كتاب: (خرافة الإلحاد) للدكتور عمرو شريف

اظهر المزيد

حسام الدين عوض

مهندس مصري وكاتب وباحث في الشؤون الإسلامية ، حاصل على بكالريوس الهندسة ، ماجستير إدارة الأعمال ، دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى