
( نحن في حيرة كبيرة في رؤيتنا للمستقبل ، فنحن نواجه مفترق طرق ، فإما تسير الأمور على ما يرام ، أو نخسر كل شيء دفعة واحدة ، و لن يكون مفاجأة كبيرة لي إن حدث تطهير عرقي قد يطال المسلمين في اوربا خلال العشرين عاما القادمة ، فالفكرة القائلة بسيطرة المسلمين على أوربا أصبحت أكثر شيوعا في السنوات الخمس الأخيرة .)
هذا ما قالته رونا بيرجلوند ستين Rune Berglund Steen( رئيسة مركز مناهضة العنصرية) لمجلة أجندة ( Agenda) في يوليو تموز من العام الماضي.
أما الخبير العالمي المهتم بقضايا الاسلام جون ل. اسبوسيتوJohn L. Esposito فقد أعرب من خلال لقاء مع صحيفة افتنبوستن ( Aftenposten ) أن ما يشغله ليس فقط تزايد الخوف من الإسلام بل أضاف :
(الرعب من الاسلام وصل لمستويات عليا في العشر و العشرين سنة الاخيرة و هو يزداد، ليس فقط في الولايات المتحدة و لكن في اوربا ايضا . و للاستمرار في مناقشتنا هذه حول الاسلام علينا بداية مناقشة و تفنيد غير الواقعية التي تثار حوله . خذوا صور العنف الواردة في الكتب المقدسة ، فإننا نرى أنه من بين كل الاديان الكبرى المعروفة ، فان العهد القديم هو وحده من يدعو صراحة للابادة الجماعية .
و هناك ما هو اكثر من ذلك في العهد القديم و ما هو اكثر بكثير مما ذكر بالقران ، و لكن و على كل حال ، فإنه يتم التركيز على تلك الموجودة في القران .
إنه لمن الصعب لغير المختص أن يُميّز المعلومة التي يمكن أن يثق بها ،فهناك الكثير و الكثير من الادعاءات ، و التي يصل بعضها الى مستوى متدني ، محشوة في الكتب او تذكر في مواقع التواصل الاجتماعي )
نحن هنا كصحيفة ( علامة تعجب ) Utrop رصدنا تلك الادعاءات الجدلية عن الاسلام و المسلمين ، و لكن من يقرر إن كانت صحيحة ام لا ؟ و من يروج لذلك في الاماكن العامة ؟ و إليك أكثرها جدلا و انتشارا :
1- المسلمون يفضلون اتباع الشريعة الاسلامية حتى لو تعارضت مع القانون النرويجي :
ليس من السهل دوماً أن تأتي بنظير لهذه الحجة التي تعكس ما يظهره و يبطنه المسلمون ، و لكن عندما ينادوي المسلمون بتطبيق ( الشريعة ) نأتي الى حقيقة الوضع المقدس الذي يرغب المسلمون بالاقتراب منه .
بمساعدة من منظمة ( الكلمة الحرة ) Fritt Ord حصلت Filter Nyheter على استبيان أظهر أن ما بين 10 إلى 15 % من المسلمين النرويجيين يتطلعون و بشكل إيجابي إلى المزيد من المظاهر الدينية في المجتمع .
كما أنه هناك 69-70 % من المسلمين النرويجيين ضد ذلك .
هذا دفع الناشط المسلم محمد عثمان رانا للقول أن هذه النسبة من المسلمين ترى تسييس الدين و جعله عقيدة سياسية ، و أضاف في حديثه ل Filter Nyheter أن الادعاء بأن المسلمين يرغبون بمزيد من الاجراءات المستندة على الشريعة غير صحيح تماماً ، و لكنه دون أن يكون خاطئاً تماماً .
هنا ، علينا بداية معرفة ما يقصده المسلمون حقاً من الشريعة بشكل خاص و النفوذ الديني بشكل عام ، و هنا يأتينا الجواب من اولئك المتطرفين الذين يعاقبون بالذبح على الزنا و المثلية و الخ .
2-المسلمون لا يودون حقاً الاندماج بالمجتمع :
في السويد بدأوا يتحدثون عن ( المجتمع الموازي ) و ( الغيتو) و يعتقد البعض بأن هذا الامر بدأ يحصل أيضاً في النرويج ، خاصة بعد أن استقبلت البلاد الكثير من المهاجرين المسلمين .
للأسف ليس من السهل دائماً التعامل مع هذه الإدعاءات ، فما هو المطلوب منك لتصبح راغباً بالاندماج ؟ أو كيف لنا أن نميّز أنّ ابتعادك عن المجتمع بسبب رغبتك بعدم الإندماج ، و ليس بسبب معاملة سيئة أو ما شابه ؟
في تحقيق نشرناه في وقت مبكر من هذا العام ، تحدّثنا عن الأسباب التي جعلت نسبة مشاركة المرأة الصومالية منخفضة في الحياة المهنية ، و قد لاحظنا أن القليل من هذه العوائق كان يتعلق بأسباب دينية .
تشير الإحصاءات ، إلى أن ستة من عشرة من اللاجئين ، يصبحون قادرون على إعالة أنفسهم بشكل ذاتي بعد مرور ثمان سنوات على إقامتهم في النرويج ، و هذا لا يبدو سيئاً جداً ، و لكن على كل حال ، فرغم أن قسماً كبيراً منهم يتدبّر نفسه و يجد لنفسه عملا ، فهل يمكن ان يكون هناك من يخالف ذلك ؟
اتصلنا هاتفيا بالمختص بشؤون الوافدين ( لارس اوستبرغ ) Lars Østberg و هو العامل في مجال الإحصاءات الخاصة بالوافدين لأكثر من 40 عاماً و العامل في الوكالة النرويجية للإحصاء SSB لنستوضح منه الأمر ، و قد اعطانا جوابا واضحاً و مختصراً حين قال :
( عندما كانت Erna Solberg وزيرة الحكم المحلي عام 2005 ، قالت أنه علينا أن ننظر بشكل خاص إلى أحفاد المهاجرين لنرى نجاحهم في الإندماج .
نحن الآن نعرف الكثير عن هؤلاء المواليد الجدد ، خاصة و أنهم قد ولدوا على الأراضي النرويجية ، و تلقوا تعليمهم في مدارسها ، و هذا يؤكد أن الأرقام و الإحصائيات لا تشير صراحة على تأثير الدين على خيارات أبناء القادمين المسلمين ، ممن ولدوا و تلقوا تعليمهم في النرويج ، ربما لأن الإحصائيات لا تنظر إلا لبلد الاصل بغض النظر عن الخلفية الدينية .
و مع ذلك فإن هؤلاء الأطفال يجدون أنفسهم أصحاب حقوق في النرويج .
إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل دراسة اجريت عام 2016على طالبي اللجوء ممن لهم نفس المؤهلات( الدراسة، العمر، الجنس) فقد أوضحت الدراسة أن للمسلمين فرصة أقل ب11% لأن يُقبل في أوربا من غيره .
و قد شمل المسح 18000 من المقبولين من عدة دول اوربية .
3- الاسلام هو دين عقائدي ايديولوجي و ليس دينا عاديا :
إنّ الإدّعاء بأن الإسلام دين عقائديّ و ليس ديناً عادياً جعل الناس مترددة حيال المسلمين . فعلى سبيل المثال فقد شبّه السياسي الهولندي ( جيرت ويلدارز ) Geert Wilders الإسلام في لقائه مع التلفزيون الاسترالي القناة الاولى ، بأنّه أيدلوجية مطلقة . كما سبق له أن تكلم عن أيديولوجية العنف في الإسلام ، في لقاء اخر مع هيئة الاذاعة البريطانية BBC في برنامج Hard Talk .
في النرويج، هناك مجموعات غير عادية مثل منظمة ( أوقفوا الإسلام (SIAN) يدّعون أنّ الإسلام هو عبارة عن أيديولوجية.
هذا الإدعاء يمكن أن يكون من الصعب التأكد منه ،لأن تعريف الأيديولوجية مفتوح للتفسير. هنا يمكننا الإستعانة بالأستاذ المشارك في جامعة أوسلو ، قسم الدراسات الثقافية واللغات الشرقية Ragnhild Johnsrud Zorgati حيث يقول :
عندما يقول الناس أو يكتبون شيئاً من هذا القبيل، قد يفكّرون في الأسلمة ، التي عادة ما تستخدم كتوجيه يتم فيه تكوين الدين وبناء المجتمع أو الدين والسياسة. غير أن الأسلمة مصطلح غير دقيق ويستخدم للتجمعات ذات القوى المختلفة الإتجاهات .
تميّز الإسلام طوال تاريخه قد بتنوع عرقيّ و دينيّ ، من هنا يرى البعض أن قواعد الإسلام يجب ان تطبق على سائر أفراد المجتمع في حين يرفض البعض هذه الحالة الإلزامية .
فالبعض يرى أن من أهداف الإسلام تطبيق الشريعة على كافة أفراد المجتمع ، في حين يرى البعض أنّ هذا لن يجدي نفعاً في هذا المجتمع المتنوع .
من يعتقد بأن الإسلام أيدلوجيّ ، يقومون بذلك وفق نظرتهم لمفهوم الشريعة التي يطرحها بعض الناشطين الإسلاميين ،
و الذين يعتقدون أن الإسلام يُنظم حياة الفرد و يشرف عليها ، ابتداء من رسم السياسة للدولة ، لأصغر التصرفات ، جاعلاً الدولة و السياسة و حتى الأفراد مجرد أدوات .
و لكن هنا علينا أن نتذكر أن تفسير هذه الشريعة غير متفق عليه من قبل كلّ المسلمين ، فهي للعديد منهم طريقهم و وسيلتهم لقيادتهم للخلاص . و إذا عدنا للتاريخ قليلاً ، نجد أنّ الشريعة كانت نظاماً مرناً مُستمدة من مصادر دينية ، و قد اخذت بعين الاعتبار جميع العوامل المحيطة ، إضافة لتنبّهها لخصوصية كلّ منطقة على حدا .
إن تصوّرنا أنّ الشريعة في العصور الماضية قد جلبت معها الفرديّة و الوحشيّة هي أيضاً فكرة غير صحيحة أبداً ، حيث لدينا مصادر تُثبت أنّ الشريعة قد اعطت حقوقاً للأقليّات الدينية و للنساء ، اللذين غالباً ما كُنّ يأخذن حقهنّ كاملاً ، و امكنهن استخدام هذا النظام لتحقيق مآربهم و غالباً ما كانت المنازعات القضايية تنصفهنّ .
إلا أنّ لدينا ايضا تأكيدات بأنّ الشريعة قد اعطت درجة فُضلى للرجال على النساء . كما فضّلت أيضاً المسلمين على غيرهم من اتباع الديانات الاخرى ، و نرى أنّ مساحة الحريات التي كانت ممنوحة للرجال المسلمين أكثر من تلك الممنوحة للنساء ، أو حتى لرجال الديانات الاخرى .
4-على المسلمين اتباع ما جاء بالقرآن بشكل تام :
يؤمن المسلمون أنّ القران هو كلام الله ، و لذا فيتوجب عليهم اتباعه ، و هذا يعني أنّه ليس هناك شي يدعى الإسلام المعتدل و الإسلام الراديكالي ، فهناك فقط اسلام واحد و هو الاسلام القرآني .
القرآن هو عبارة عن نصوص متواكبة و معقدة . اللغة العربية بحد ذاتها هي لغة معقدة .
يذكر الباحثون أنّ المسلمين كانوا عظماء عبر التاريخ ، و قد أوجدوا العدد الهائل من التفسيرات للقرآن و أحكامه .
و بينما يؤكد البعض على أنّ الإيمان في القلب ، فإن آخرين سيؤكدون أيضاً على أهمية أن تكون الملابس والقواعد الغذائية مناسبة .
و قد استخدمت مسألة تعدد الزوجات كمثال على اختلاف التفسيرات لما ورد فعلاً في القرآن ، ففي حين يعتقد بعض المفكرين أنّ النظام القرآني لتعدد الزوجات يجعل النساء كلهنّ سواء و هذا ما ينطبق فقط على الأشياء ، يعتقد آخرون أن هذا التشريع يتماشى مع الأمور العاطفية للشخص المعني .
و لكن هل من الممكن فعلا أن نحصل على تفسيرين مختلفين لنفس النص؟
نعم ، فلا يوجد أي شيء يشير إلى أن المسلمين يريدون إعمال الدين في كل تفاصيل الحياة ، و غالباً فإنّ الناس الذين لديهم وجهة نظر سلبية عن الاسلام ، يكون ذلك نتيجة لفهم خاطئ أو تجربة سيئة .
خلال ثورات الربيع العربي عام 2011 ، لم تكن هي الشعارات الدينية من دفعت الناس إلى الشوارع ، بل هي نداءات الحصول على الحرية و الكرامة , فالناس تريد مستقبلاً آمناً لأولادهم و حياة كريمة ، و ليس أن تظلّ النخب الصغيرة الحاكمة مُتحكّمة بالجميع .
نذكر أنّ بلداً مثل تونس حيث هناك 11 مليون نسمة ، و حيث أنّ السُنّة يُمثّلون 98% لكنها ذهبت إلى إختيار دستور يستند إلى شرعة حقوق الانسان ، لا يعتمد على الشريعة ، و هو دستور مدعوم أيضاً و يلاقي القبول من الأحزاب الاسلامية .
السؤال هنا :
هل هناك إمكانية أن نتحدث عن قدرة المسلمين على الحياة بشكل سلس في النرويج ؟
إنّ المسلمين في النرويج مختلفين ، بإتجاهات مختلفة و بخلفيات مختلفة من أصول مختلفة ، لذا من الخطأ أن نقول أنّ كلّ المسلمين هنا سواء ، أو أنّهم على مستوى واحد من الفكر و المعرفة .
عن صحيفة Utrop النرويجية عدد 4\4\2017
المقال بقلم الصحفية Are Vogt Moum
العنوان الأصلي للمقال ( هل يعطي الإسلام الرخصة للمسلمين لأن يكذبوا ؟ )