أدب و ثقافةالمقالات الأدبية

حكمت فهمي …وجواسيس هتلر!

أشرف توفيق

أشرف توفيق
شبح حرب “الحرب العالمية الثانية” وبداية من عام 1938كان هو بذرة كل هذا،فقد اتجهت النية إلى توسيع الجيش المصرى،وزيادة عدده،مع رفع مستواه التسليحى.وهى رغبة اتفق عليها “الملك، والانجليز، والوفد” وكان الإحتلال يراها تدبير جيد مع إحتمالات الحرب،وقد رأت انجلترا فى معاهدة 36 مايجعل مصر تدخل الحرب معها وأعلن عن قبول دفعة جديدة فى الكلية الحربية من الحاصلين على الثقافة العامة فقط، بحجة أنهم سيستكملون تعليمهم فى الكلية الحربية فالحاجة أم الاختراع.وتكرر ذلك بأمر الملك عام 1942 ليمدد للجيش بأصهاره واقاربه واهمهم “إبراهيم خيرى” فقبل 1936 كانت الكلية الحربية لاتقبل إلا عددا محدودا من الضباط،كلهم من الفئات العليا المصرية والدراسة شكلية، فلم يكن مطلوب من الضباط المصريين وقتها، أية مهام قتالية،
عن:ليونارد موزلي” في كتاب “القط والفئران”

ولكن فى الفترة من (1936-1940) تدفق من أبناء الطبقة الوسطى للجيش كثيرون،وربما ايضا من الفئات الدنيا مثل ( صغار الموظفين- والتجار المتوسطين- وصغار الملاك) وفى ذلك الوقت دخل 88% من الضباط الاحرار للجيش..فمع بداية عام 1940والحرب العالمية مشتعلة لم يكن للجيش المصري قرب الحدود الليبية المشتركة مع حدودنا إلا بعض قوات رمزية من الجيش والطيران في منطقة مرسى مطروح. وكانت هناك مجموعة من أربعة ضباط برتبة ملازم طيار تقيم معا في شقة مفروشة بمصر الجديدة وهي قريبة من المطار الحربي مطار ألماظة، وكانت هذه المجموعة مكونة من الطيارين:”أحمد سعودي أبو علي وحسين عزت ومحمد وجيه أباظة وعبد اللطيف البغدادي” فشكلوا تنظيما سريا بين ضباط الطيران سموه “تنظيم الطيران” بهدف مقاومة الإحتلال البريطاني، وقاموا بالإتصال بجماعة الإخوان المسلمين للتعرف على مدى إستعدادها للمشاركة في مقاومة الإحتلال البريطاني،وإقترح الاخوان إدماج التنظيمين أي تنظيم الطيران مع التنظيم الخاص بالإخوان المسلمين(ولم يتم الاتفاق) وعن طريق حسين عزت تم ضم “أنور السادات” إلى المجموعة،في ذلك الوقت كان السادات ضابط الإشارة يكره الاحتلال الانجليزى ويحلم بخروج المحتل من وطنه، ومن البداية اتجه الضابط الشاب الثائر ناحية القوى الوطنية التي كان يعتقد أنها تحارب الانجليز،وكان يحلم ويعمل من أجل ثورة مسلحة يقوم بها الوطنيون والشرفاءمن ضباط الجيش.وكان في هذه الفترة مفتونًا بشخصية عزيز المصرى الاسطورية وكان عزيز المصرى يجاهر بكراهيته للانجليز حتى أن سير مايلز لامبسون السفير البريطانى في مصر طلب إبعاده من الجيش،ولوح بميول عزيز المصرى للمحور،واجتاحت جيوش هتلر أوربا في هذا الوقت،وبدأت تلحق بالحلفاء الخسائر الكبيرة،وبدا أن بريطانيا العظمى لن تستطيع الصمود أمام زحف قوات هتلر،وكان الجيش المصرى يشترك مع القوات البريطانية التي تحتل مصر في الدفاع عن الصحراء الغربية ضد قوات المحور.ولم يكن هناك وطنى في مصر راض عن اشتراك مصر في الحرب لحساب بريطانيا التي تحتل مصر حتى أن الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر أعلنها بصراحة قائلًا:” لا ناقة لنا ولا جمل في هذه الحرب “. وتفجرت أزمة عندما أغضب على ماهر رئيس الوزراء الانجليز عندما قال في البرلمان إن سياسة مصر هي تجنب ويلات الحرب.وغضب الانجليز وطلبوا من الجيش المصرى الانسحاب من مواقعه.وأن يسلم الضباط المصريون اسلحتهم قبل انسحابهم، لكن أنور السادات- بتعليمات واصرار من عزيز المصرى- بدأ يحرض الضباط ويثير مشاعرهم ضد مسالة تسليمهم سلاحهم. وتمكن من اقناع الضباط برفض تسليم السلاح.وفى النهاية اضطرت إدارة الجيش على أن تأمر الضباط بالانسحاب مع الاحتفاظ باسلحتهم ! وتوطدت علاقة السادات بعزيز المصرى،وذات يوم..طلب عزيز المصرى من أنور السادات أن يقابله في محل جروبى،وفى هذا اللقاء أخبره أن الألمان طلبوا منه أن يسافر ليساعد رشيد الكيلانى في ثورته ضد الانجليز بالعراق وطلب عزيز المصرى من أنور السادات أن يساعده على الهروب سرًا من مصر وأخبره أن الألمان بعثوا له برسالة يقولون له فيها أن طائرة ألمانية سوف تكون في انتظاره عند جبل “رزة” بالقرب من صحراء الفيوم ولم يتردد أنورالسادات في وضع وتنفيذ خطة هروب عزيز المصرى سرًا من مصر ووفر بالفعل سيارة طراز ” بيك أب ” تصلح للسير في الصحراء. لينقل فيها عزيز إلى مكان الطائرة الألمانية التي سيهرب بواسطتها خارج مصر.ولم تنجح الخطة لتعطل السيارة قبل الوصول لجبل رزة ورصد الانجليز إتصالات للسادات مع عزيز.فصدرت أوامر بنقله إلى منطقة “الجراولة” بمرسي مطروح.ولم يجد أنور السادات أمامه سوى أن يطلب من رفيقه الضابط الطيار عبد المنعم عبد الرؤوف مسالة تدبير هروب عزيز المصرى وبالفعل قام عبد المنعم عبد الرؤوف وزميله حسين صبرى ذو الفقار بالاستيلاء على طائرة حربية وضعا فيها الفريق عزيز المصرى وقررا الاقلاع بها إلى بيروت، لكن ما أن اقلعت الطائرة حتى اكتشف حسين صبرى ذوالفقار نفاذ الزيت واضطر إلى الهبوط بها فوق شجرة بالقرب من مدينة بنها !واهتزت مصر كلهالمحاولة هروب عزيز المصرى ،وكانت الأحداث قد بدات تزداد سخونة،فقد سقطت العلمين في يد القائد الألمانى روميل واصبح على بوابة مصر الغربية .وكان شعور المصريين المعادى للانجليز يتصاعد يومًا بعد يوم وبدأ أنور السادات يحرض زملائه لكى يرسلوا ضابطًا مصريًا إلى روميل في العلمين، ليخبره بأمر التنظيم السرى لضباط الجيش المصريين”تنظيم الطيران” وانهم على استعداد للمشاركة في الحرب إلى جانبه ضد الانجليز. مقابل أن تنال مصر استقلالها التام بعد هزيمة الانجليز؟! وامتدت بعدها الإتصالات بالنازية،وهذا ما حدث بالفعل وأقلع الطيار أحمد سعودى برسالة تحمل هذا المعنى على طائرة حسن إبراهيم الحربية، وكانت طائرة بريطانية من طراز “جرادياتور” فظن الألمان أنها طائرة بريطانية جاءت للهجوم على مواقعهم، فأطلقوا النيران عليها فوق العلمين فانفجرت،واستشهد الطيار أحمد سعودى !؟ وهكذا كٌلف”أنور السادات- وحسن عزت” بالإتصال بالجواسيس الألمان،لأسباب غامضة عللوها “بأن عدو عدوى صديقى”؟!ولكن السادات فى اوراقه يعتبر مجموعة الطيران تنظيمه،وفى مرة آخرى يقسمها لمجموعتين:فقد تحدث عن أحمد سعودي ومغامراته وعن صديقه حسن عزت وعن وجيه أباظة على أنهم أفراد مجموعته هو”تنظيم السادات” التي رأسها عام 1940 ويجعل “باقى مجموعة الطيران” لعبد اللطيف البغدادى” تنظيم البغدادى” الذى تنسب له مجموعة الطيران فى الأصل.. وفي هذه الفترة كانت حكمت فهمي تتربع على عرش الرقص الشرقي،كان مقدرا لها أن تلعب دورا على مسرح لأحداث مع جاسوسين ألمانيين زرعتهما المخابرات الألمانية في القاهرة، لتوفير المعلومات المهمة التي يحتاج إليها “روميل” في معركته الحاسمة ضد جيوش الحلفاء في الشرق الأوسط. والحكاية تبدأ من اجتماع مجلس حرب عقد في منتصف يونيو/حزيران في برلين حين ذكر رئيس المخابرات الألماني أن “روميل يحتاج إلى معلومات عن القاعدة البريطانية في مصر”،ونتيجة لذلك تم وضع خطة تتضمن تسلل اثنين من الجواسيس إلى القاهرة وحيفا، وكان أحدهما ويدعى “كلين” قد سبق له أن عاش في الإسكندرية، والثاني “مولينبروخ” عاش في حيفا، وكانا يتحدثان العربية بطلاقة، وعليهما أن يعودا إلى هاتين المدينتين لكن محاولات إرسالهما إلى القاهرة وحيفا باءت بالفشل، إلى أن وقع اختيار رئيس المخابرات الألمانية على اثنين قضيا سنوات في شمال افريقيا هما “ابلر وساندي”. ويروي الرئيس الراحل أنور السادات في كتابه “صفحات مجهولة” رحلة هذين الجاسوسين حين يكتب: “صدر إليه – إبلر – وإلى زميله ساندي أمر بالتسلل إلى مصر وكلفا بعمل معين، وسلما جهازا لاسلكيا دقيقا، وزودا بالآلاف من الجنيهات المزيفة المطبوعة في اليونان،وبسيارة من سيارات الجيش الإنجليزي التي استولى عليها الألمان أثناء معركة العلمين،وتحركت السيارة بالرجلين،وقد ارتديا ملابس ضباط الجيش الإنجليزي،وحملا معهما جهاز اللاسلكي والثروة الطائلة واخترقا الصحراء الغربية من طريق غير مطروقة، تقع جنوب سيوة، ثم انحرفا إلى الواحات الخارجة واستراحا فيها وتزودا بما يحتاجان إليه ثم اتجها صوب أسيوط..ويستكمل السادات روايته قائلا: “كانت هذه المرحلة من أخطر مراحل الرحلة بالنسبة إليهما،إذ ان الطريق طريق عسكري،تنتشر على جانبيه المعسكرات البريطانية والحراسة ،وتذرعه دوريات الاستكشاف وقوافل الجنود والعتاد، وأخذت السيارة تنهب هذا الطريق مارة بالموت في كل لحظة، ونفد منها الوقود في منتصف الطريق وإذا بقائدها “ابلر”ينثني بكل جرأة إلى أحد المعسكرات البريطانية فتفتح له الأبواب، ويدخل إلى محطة البنزين في المعسكر ويقدم أوراقه، ويعبئ سيارته بالبنزين ثم يخرج مودعا بتحيته الجنود، ووصلا إلى أسيوط ثم انحرفا في الطريق إلى القاهرة، ودخلاها ضابطين إنجليزيين تقوم لهما دنيا القاهرة وتقعد في ذلك الزمان”.لكن الحقيقة أن رحلة الجاسوسين كانت أضخم وأكبر مما رواه السادات بكثير،وقد أورد بول كارل الكثير عن تفاصيلها في كتابه “ثعالب الصحراء”، كذلك “ليونارد موزلي” في كتاب“القط والفئران”الذي استمد مادته من اعترافات الجاسوس الألماني هانز ابلر، ومن معايشته للأحداث حيث استغرق الإعداد لهذه العملية قرابة ثلاثة أشهر ونصف الشهر وقد جهزت القافلة بإمدادات تكفيها لمدة ستة أسابيع، وقام سلاح الجو الألماني بمدها بتجهيزات خاصة للتغلب على صعوبات الصحراء.وفي 29 أبريل/نيسان 1942 بدأ العمل، وعندما قطعت القافلة المسافة من طرابلس إلى أسيوط،وقبل خمسة أميال منها خلع الجاسوسان ملابسهما العسكرية ولبسا ملابس مدنية قام رجال المخابرات الألمانية بحياكتها في برلين،على غرار ملابس المصريين، وزودوهما بصور وإيصالات فنادق وعملات مصرية، وكل ما يمكن أن يحمله شخص يقيم في مصر وهكذا تبدأ عملية “كوندور” يذكر ليونارد موزلي أن “الراقصة حكمت فهمي”- ولم تكن حكمت فهمى مجرد راقصة جميلة بل كانت أيضا ً فنانة عملت بالتمثيل مع فرق مسرحية شهيرة مثل فرقة على الكسار وفرقة جورج أبيض وفرقة فاطمة رشدى وقامت في السينما ببطولة فيلم ” المتشردة “.كانت رائعة الجمال حتى أن الشاعر أحمد رامى كتب فيها ربع ديوانه الأول وايامها كان لكل راقصة لقبا،وكان لقبها “سلطانة الغرام ” والذي أطلق عليها هذا اللقب كان أحمد رامى نفسه، وطارت شهرة حكمت فهمى من مصر إلى العالم. واصبحت تسافر للرقص في اشهر الملاهى العالمية. وسافرت إلى ألمانيا ورقصت أمام هتلر ووزير دعايته جوبلز.وكانت همزة الوصل بين الجاسوسين والسادات،وهي التي دبرت اللقاء معهما بناء على طلب جون ابلر، لكن السادات يحكي الحكاية بشكل مختلف فيقول:“وبدأت قصة القدر،بطرقات خفيفة على باب صديقي الصاغ حسن عزت،دخل في إثرها رجلان من الألمان، يصحبهما صديق له هو الأستاذ عبد المغني سعيد،ثم لم يلبث الصاغ حسن عزت أن أتى بثلاثتهم إليّ، وهكذا بدأت قصة القدر بالنسبة إلينا.وقال لنا عبد المغني سعيد إنه تعرف بهما عن طريق قريب له متزوج من ألمانية تعرف عائلة “ابلر” وأخرج الرجلان أوراقهما،وأثبتا بما يقطع كل الشك،حقيقة جنسيتهما الألمانية وحقيقة مهمتهما،وطلب الألمانيان منا أن نقدمهما إلى الفريق عزيز المصري، وكانا يطلقان عليه كلمة “الزعيم”،وقال ابلر إن جهاز اللاسلكي الذي جاء به قد تعطل وأنه يرجو أن يعتمد في إصلاحه علينا، كما طلب أن نسهل لهما عند الحاجة الاتصال الشخصي بروميل في مكانه في العلمين” وقال أنور السادات:“أول ما فوجئت به من أمرهما (يعني الجاسوسين) أنهما يقطنان في عوامة للراقصة المشهورة حكمت فهمي”. في حين أن محمد صبيح في كتابه “بطل لا ننساه..عزيز المصري وعصره” كتب أنه سأل حكمت في مقابلة معها عن الجاسوس ابلر، هل كانت بينك وبينه علاقة قديمة؟ فأجابته:كان قبل أن يسافر إلى الخارج يتردد على الملاهي التي أعمل فيها وكان من أصدقائي”.وما يؤكده حسين عيد الذي عكف على كتابة مذكراتها ونشرها تحت عنوان “مذكرات حكمت فهمي..أسرار العلاقة بين السادات والمخابرات الألمانية” .. أن حكمت قابلت ابلر في الخارج، في فيينا ليونارد موزلي” في كتاب “القط والفئران” يقول إن ابلر ذهب إلى حكمت فهمي حيث ترقص، وكانت تربطه بها علاقة حميمة، بعث إليها بيد النادل تذكرة كتبها على ورقة حساب خاصة بالمحل،وبعد لحظات جاءت وأخذت يده وقالت له بالعربية: مرحبا بعودتك يا حسين ما أجمل أن يرى المرء صديقا وصديقا شابا من جديد”…بول كارل” في كتابه “ثعالب الصحراء” يرى أن الراقصة حكمت فهمى كانت العميل الأول في نقل الأخبار فعلاقاتها الطيبة مع الضباط البريطانيين قد مكنتها من الحصول على معلومات خطيرة للغاية فالراقصة المحبوبة جدا كانت تكره البريطانيين وعلى استعداد للقيام بأي عمل ضد العدو، عدو وطنها، ولم يتوقف ابلر عند حد في استغلال هذا الشعور لديها، وقد أخبرته حكمت عن انتقال عناصر من الجيش البريطاني من سوريا وفلسطين إلى مصر، كما أخبرت الجاسوسين الألمانيين عن وصول مائة ألف لغم إلى جبهة العلمين، وذلك عندما قررت بريطانيا إقامة خطها الدفاعي المحصن في هذه المنطقة بالرغم من أنه في ذلك الوقت لم يكن الموقف واضحا كما عرف ابلر من حكمت فهمي معلومات عن انتقال الفرقة النيوزيلندية الثانية تحت قيادة الجنرال فريبرج إلى مرسى مطروح وذلك قبل أن تتحرك الفرقة بزمن طويل”.أما ليونارد موزلي فقد بيّن اكبر إنجازات حكمت فهمي في كتابه “القط والفئران” حين اصطحبت حكمت “ابلر” إلى عوامتها حيث كان الرائد الإنجليزي سميث يغط في نوم عميق وبجواره حقيبة البريد الرسمي الذي كان مكلفا بإيصاله إلى الجنرال ريتشي، وطمأنت حكمت ابلر بأن الرائد مخمور حتى الثمالة وأنها أعطته منوما في الكأس الأخيرة، فأخرج ابلر أوراق الحقيبة وكان بداخلها رسالة طويلة تعلوها عبارة “سري للغاية” وكانت الرسالة تذكر تفاصيل التعزيزات التي سيتسلمها الجنرال ريتشي لتقوية خط دفاعه تأهبا للمعركة الكبرى التي سيخوضها ضد روميل، كما كانت الرسالة تذكر أيضا اسم ومكونات لواء مدرع سيرسل إلى الجبهة. وأضافت الرسالة أن خط الدفاع البريطاني سيكون في العلمين، وأحضر ابلر ورقة وقلما وراح ينقل تفاصيل الرسالة
وفي تلك اللحظة تذكرت اسمه كاملا ونطقته “حسين جعفر” وتحدثا وافترقا على أن يلتقيا في اليوم التالي ليسهرا معا، وأصبح حسين يثير اهتمام حكمت وتطورت العلاقة إلى أن قال لها حسين “حكمت عندي شيء أريد أن أتركه عندك”، وكان هذا الشيء حقيبة تخصه هو وأنور السادات،هكذا اعترف لها،كما اعترف لها بأنه ألماني. قائلا:“إنني فخور بألمانيتي،فخور بهتلر،مطيع له،واسمي هانز ابلر”.ورغم انزعاج حكمت فهمي وخوفها من الحقيبة، ومما اكتشفته بداخلها “جهاز لاسلكي” فإنها قالت له: “معكما سأسير،بكما ربطت مستقبلي،وخوفي على أزواج شقيقاتي لأنهم ضباط كبار بالجيش المصري، وكذلك على أمي الطيبة”.
وبعد فترة قليلة تعطل جهاز اللاسلكي، وكان وجوده في العوامة يشكل خطرا على حكمت، ووافق أنور السادات على الذهاب إلى عوامة الجاسوس الألماني«ابلر»وأصلاح جهاز اللاسلكي المعطل،وعندما دخل السادات العوامة سأل عن جهاز اللاسلكي فضحك الجاسوس «ابلر» وقال له:تستطيع أن تجده..اذا عثرت عليه بنفسك!..وبدأ أنور السادات يبحث عن جهاز اللاسلكي ويطوف في حجرات العوامة التي لم يجد بها سوى وسائل الراحة والرفاهية، وصناديق الويسكي وكؤوس الشراب!وأخيرا كشف له الجاسوس«ابلر» عن المخبأ السري لجهاز اللاسلكي، وكان داخل جهاز «بيك أب» موسيقي، بطريقة لا يمكن لأحد اكتشافها، وفحص أنور السادات الجهاز ووجده معطلا بالفعل، لكن الجاسوس «ابلر» قدم له جهاز لاسلكي آخر أميركي، وقال له انه جهاز قوي لكنه لا يعرف كيفية تشغيله، واكتشف السادات أن الجهاز ليست له مفاتيح فاقترح على «ابلر» أن يشغله بمفاتيح مصرية الصنع يقوم هو نفسه بتركيبها.ووافق الجاسوس الألماني على اقتراح السادات الذي حمل الجهاز في حقيبته، وتوجه به إلى بيته في كوبري القبة. لكن ما هي الا أيام حتى انكشف أمر الجاسوس الألماني عندما سهر في احدى الليالي، ودفع الثمن جنيهات إنكليزية مزيفة كان يحملها معه ثمنا للويسكي وجاء حسن عزن ليقول” ألقوا القبض على اثنين في الصحراء ولديهما جهاز إرسال واستقبال، وأنهم يضغطون عليهما لإجبارهما على الاعتراف على جاسوسهما في مصر” ومر أسبوع لم يتصل بها ابلر، إلى أن انتبهت على صوت أحد رجال القلم السياسي يطلب منها أن تخرج معه، لتجد نفسها أمام محقق بريطاني، أدركت بعدها أنها وقعت في الفخ وأصبحت في النهاية حبيسة الجدران وبجوارها في السجن كانت أسمهان وعزيز المصري وفي التحقيقات أنكرت معرفتها أو لقاءها بهانز ابلر،ثم قالت في ما بعد إنها تعرف حسين جعفر واكتشفت أن المحققين يعرفون الكثير،يعرفون حكاية جهاز اللاسلكي،وسرقة حقيبة الماريشال تايدر من غرفته الرقم 273بفندق الكونتننتال لكنهم لم يحصلوا منها على شي ..وأضربت حكمت فهمي عن الطعام لمدة أسبوع في سبتمبر/أيلول 1942 وعندما ساءت حالتها نقلت إلى مستشفى الدمرداش للعلاج،واتصل بها شخص من طرف مكرم عبيد الذي كان وزيرا للمالية في وزارة مصطفى النحاس ولما أقصي عن منصبه بدأ يعد لكتابه الأسود عن النحاس، وكان يعتقد أن لدى حكمت معلومات حول علاقة النحاس بالإنجليز،ورفضت رفضا قاطعا أن تمده بأي معلومات.وصدرت الأوامر بنقل حكمت فهمي إلى معتقل النساء في المنصورة،وقضت في المعتقل “فترة قصيرة” وخرجت “محطمة عجوزاً في سن الشباب،منهارة الصحة، ذابلة الملامح،خامدة النظرات على بشرة الوجه اصفرار وشحوب”. يقول السادات: كان “ابلر” يعرف مصر من قبل،كما يعرفها ككل أبنائها، فقد كانت أمه الألمانية تزوجت في ألمانيا من صالح بك جعفر المستشار ثم حضرت معه إلى مصر، وفي يدها ولدها من زوجها الأول (الألماني) وكان ولدها هو هانز ابلر، وأراد الزوج المصري أن يوفر لابن زوجته حياة مطمئنة في مصر، فيسر له سبل التعليم والنجاح وأعطاه اسما مصريا ولقب أسرته،وأصبح هانز ابلر يعرف في مصر باسم حسين جعفر، لكنه لم يكن ذلك الولد الصالح الذي ارتجاه زوج أمه، فقد فشل المستشار في إقناعه بالعدول عن حياة الليل بين المراقص والحانات، ولما أيقن بأنه لا سبيل لإصلاحه في مصر طرده من حياته ..وككثير من أبناء مهنته، جاء السقوط على يد إمرأة، فقد كان «أبلر» على علاقة براقصة فرنسية يهودية، تدعى «إيفت» وكانت في الحقيقة جاسوسة بدورها تعمل لصالح الوكالة اليهودية في مصر، وبينما كانت تقضي الليلة في عوامته، سمعته وهو يتحدث بالألمانية مع زميله عن المعلومات التي لديهم وجهاز الإرسال الذي يخصهم،حيث كانت القيادة الألمانية قد حذرتهم من استخدام جهاز الإرسال في هذا التوقيت،وكانوا هم يتناقشون حول أهمية إرسال المعلومات التي تحصلت عليها “حكمت فهمي” أبلغت «إيفت» قادتها، وأبلغوا بدورهم المخابرات البريطانية لتسقط شبكة التجسس الألمانية،وعندما كشفت المخابرات البريطانية أمر الجاسوس الألماني وجد كل من تعاون معه ومن بينهم السادات طريقه إلى السجن..وأودعوا جميعًا سجن الأجانب،فيما أفلت السادات فقط من هذا المصير،بعدما أنكر معرفته بالألمان،وبعد فترة إعتقال جرد هو وزميله الطيار حسن عزت من رتبهما العسكرية وفصلا من الجيش أما باقي الجواسيس فقد قابلهم رئيس الوزراء البريطاني نفسه “ونستنون تشيرشيل” حيث ساومهم بين الإعدام أو الإفصاح عن سر شفرتهما، وقد اختاروا الخيار الثاني،والذي من خلاله استطاع البريطانيون خداع «روميل» ما تسبب في هزيمته. ويحكى خالد محيى الدين عن ذلك فى كتابة “والآن أتكلم” (حادث أثر فى نفسى كثيرا،هو أعتقال الضابطان أنور السادات وحسن عزت وكان السادات رٌحل لميس المدفعية، وبقى حسن عزت فى ميس الفرسان وكنت ضمن افراد الحرس عليه،وجلست طويلا فى إعجاب وشغف بهذا الضابط المعتقل المتقد حماسا وثقافة،ومعه اقتنعت بضرورة أن أعمل من موقعى كضابط فى عمل سياسى من أجل مصر،ورتبت وسيلة لتهريبه فى حالة استدعائه للمحاكمة،ورفض حتى لايمس آحد من زملائه بسوءفقمنا فى الفرسان بفك أكرة الباب بحيث يمكن فتح الباب من الداخل ومكن ذلك حسن عزت من الدخول والخروج كما يشاء،بل كنا نصطحبه لخارج القشلاق متنكرا لنسهر ونعود، وأشهد انه لم يخدعنا ولم يحاول الهرب؟! ويقول خالد محيى الدين( وكنت أنقل رسائل منه إلى ضابط آخر طلب منى التعرف عليه والثقة فيه هو “عبد اللطيف البغدادى” وتعرفنا كما تعرفت على وجيه أباظه،وانتظمت معهم فى لقاءات فيما يشه التجمع وتوقف كل شيىء بعزل حسن عزت من القوات المسلحة،وعمل تفتيش وتحقيقات واسعة بالطيران ص36) ومرة آخرى يذكر”خالد محيى الدين” حسن عزت فى كتابه (ولهذا فعندما طلب منى أن اكتب مقدمة لكتابه قبلت بترحاب وقلت فى كلمتى “انه أستاذى فى الوطنية” وغضب عبد الناصر وقال لى :كيف تقول عنه أستاذ الوطنية،وهو مشكوك فى موقفه منا؟وقلت أنا اقرر حقيقة رغم اختلافنا معا الأن ( ص53 وص37) هذا الكتاب النادر هو “أسرار معركة الحرية” الذى يعتبر بمثابة مذكرات لحسن عزت،والذى يمكن اعتباره وثيقة من الوثائق المهمة عن تلك السنوات المضطربة التى سبقت الثورة ومهدت لها، أثارالكتاب مشكلات وأزمات يكفى أنه كان السبب فى أول أزمة بين عبدالناصر وخالد محيى الدين سبقت أزمة الصديقين الحميمين الشهيرة فى مارس ١٩٥٤، التى خرج بعدها خالد من مجلس قيادة الثورة ومن مصر كلها.تكمن أهمية هذا الكتاب النادر فى أنه حصل على صك الاعتماد من أبرز قيادات ثورة يوليو، فهذا الكتاب الذى يقع فى «١٣٠» صفحة قد كُتبت له ثمانى مقدمات، بينها ثلاث كتبها أعضاء فى مجلس قيادة الثورة حينها وهم: عبد اللطيف البغدادى وأنور السادات، وخالد محيى الدين،وعزيز المصرى،الثائر الكبير والأب الروحى للضباط الأحرار وفتحى رضوان أول وزير للثقافة بعد الثورة، والشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف الشهير،وقد كانت مقدمة أنور السادات بعنوان «أخى فى الإرهاب»والفريق عزيز المصرى قال إن ما كتبه حسن عزت فى الكتاب إنما هو قليل من كثير،أما خالد محيى الدين الذى نتوقف عنده الآن،فقد كتب:«إلى أستاذى فى الوطنية وأرى فى مجهوده فائدة كبرى لكل مصرى يريد أن يعرف كيف يخدم وطنه.

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
زر الذهاب إلى الأعلى