عبير مصطفى تكتب..
حفل دماء…
ها هو النداء يسري بداخله من جديد.. ينسل متخفيًا هذه المرة، يسلك شعاب أوردته في خفوت، يجوب صحاري نفسه في حذر.. يصارع تنانين ضميره التي هبت لنجدته؛ فيهزمها.. يُكسبه هذا الانتصار زهوًا ذي بريق.. وكأنه كان بحاجته، ينعطف صوب ذاك الباب المغلق في نهاية الرواق حيث تقبع بوابات عقله، يتمهل قليلًا ريثما يحكم السيطرة على صحوةٍ مفاجئةٍ برزت من خلف غياهب نفسه اللوامة، يطبق بكلتا يديه عليها.. يتأكد من أنها قد لفظت أنفاسها الأخيرة، يلقيها جانبًا، ثم بإصرارٍ متمرسٍ يخترق ساحات إدراكه فيبسط سيطرته عليها…
ها قد دان له “راشد” ككل مرة، وغدا طيعًا سهل التشكيل، يهمس في أذنه بصدى ذي فحيح “الدماء.. أنا متعطش لتلك الدماء” يصمت راشد ثم يسترق شهيقًا طويلًا وكأنه يستنشق تلك الكلمات.. يعلو الصوت بداخله مرددًا في تلذذٍ صدئ:
“لا تخش شيئًا، إن هي إلا بضع قطرات قلائل، نرتشفهم سويًا ثم نطلق صراح ذلك الصغير” يلمح التردد يجوب سموات راشد في وجل فيكمل “لن يتأذى نديم ابن خالتك من تلك الفعلة، ألم أخبرك أنها بضع قطرات فقط؟ فلتعتبر أنك في سبيلك لاقتراض بعض الدماء منه، أولستم أسرة واحدة وجب على كل فرد فيها معاونة الآخر؟” …
يكاد راشد يخبره بأنه كاذب وبأنه يدرك أن نديم سيفقد حياته في رحلة امتصاص دمائه تلك، ولكن الصوت عاد ليردد في اشتياقٍ ملتاعٍ .. “ظمآنة روحي لدماء ذلك النديم.. أكاد أسمع شدو قطراتها ينادينا سويًا، هلّْا أنصت معي لذاك اللحن؟” ..
يا الله وكأنه صادق هذا الصوت، إن تلك الدماء تمتلك صوتًا خلابًا حقًا، إنها تنادينه لينهل منها، ليمتصها، ينهار سد صمود راشد أخيرًا.. يُسرع الخطى صوب حجرة نديم، تدير لوعة خلاياه العطشى مقبض الباب في عزيمة، يلج للداخل، ينظر له نديم في براءةٍ صارخة، فتستدير عنق وحشيته لتغلق الباب، تتسع حدقتا عيني راشد في اشتهاء، يقترب من نديم في تؤدة، في لين.. ثم على حين غرة.. يجتذبه في جنون حيث الخزانة الخلفية؛ ليبدأ حفل امتصاص الدماء لهذه الليلة…
#حفل_دماء
#عبير_مصطفى
