المقال الاسبوعيمقالات الرأى

حرب الأخوة

رئيس التحرير

 

بدأ الأمر كله مع وفاة تيتو .

قالت دراغانا و هي تنفث دخان سيجارتها و سرعان ما أكملت :

كان الكل يحب تيتو ، مسيحيين و مسلمين ، كاثوليك و أرثوذكس ، لم يكن المسلمون يختلفون عنا كثيرا ، بل كنا نسكن متجاورين ، بل كنا نتزاوج مسلمين و مسيحيين ، عمتي تزوجت رجلا مسلما ، الحقيقة لم نكن نفرّق بين مسلمين و مسيحيين ، تيتو قال لنا أن الدين أمر ثانويّ ، دعونا نبني البلد أولا .

أعلم ان الحرب تأخرت عشر سنوات بعد موت تيتو ، و لكنها قامت لأن أحداً لم يملأ الفراغ الذي تركه جوزيف .

فجأة في بداية التسعينات و بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بدأ كل شيء ، بدأ المسلمون يطالبون بدولة مستقلة لهم ، و كذا فعل الكروات و السلوفينيين ، عند وصول سلوبودان ميلوسوفيتش لسدة الحكم ، أراد ذلك احكام سيطرة الصرب على باقي الجمهوريات المكونة ليوغسلافيا ، إلا أنه لم يستطع رغم محاولاته للوقوف على عديد الجبهات التي فتحت ضده ، ابتداء بالبوسنيين المسلمين ، اللذين سرعان ما أتاهم المدد من الدول الاسلامية من مال و مجاهدين ، أو من قبل الكروات الذين سرعان ما أعلنوا رغبتهم بالانفصال عن الدولة المركزية كون الكروات كاثوليكيي المذهب في حين كان الصرب أرثوذوكس .

أما سلوفينيا ، فقد كانت خطتها أسرع و حربها كانت أقصر ( عشرة أيام فقط ) و سرعان ما أعلنت دولتها المستقلة بعد اتفاقية بريوني في 7 يوليو 1991.

في حين استمرت الحرب في كرواتيا الى عام 1995 رغم أن الحرب توقفت رسميا في يناير من عام 1992 ، إلا أن الاشتباكات بقيت مستمرة لتلتهم ما يقارب من ربع الاقتصاد الكرواتي .

أما الحرب التي كانت أكثر دموية ، فتلك التي جرت على أراضي البوسنة و الهرسك ، ففي مارس 1992 أعلنت السلطات في البوسنة رغبتها بالاستقلال عن يوغسلافيا ، إلا أن مصيبتها كانت بتركيبتها الاثنية المعقدة ( 44% مسلمين و 33%صرب أرثوذوكس و 17 % كروات كاثوليك ) فكان الرفض لهذا الاعلان من قبل كل من كرواتيا التي سرعان ما تدخلت و احتلت الجزء الشمالي من البوسنة و الذي يحوي قرابة 600 ألف كرواتي ، و من السكان الصرب و الذي يقدر عددهم بنحو مليون نسمة ، حيث استولى أولئك على أجزاء واسعة من الجمهورية الوليدة و ضموها ليوغسلافيا الاتحادية ( التسمية الذي ظلت معتمدة حينها ) . هنا نذكر اتفاق كارادورديفو السري و الذي جمع كل من سلوبودان ميلوسوفيتش الرئيس الصربي و فرانيو تودمان الرئيس الكرواتي ، و الذت نص على تقاسم أراضي البوسنة بين الطرفين ، حتى بعد الاعتراف الاممي بجمهوريا البوسنة و الهرسك و المطالبة بسحب قوات الجيش الشعبي اليوغسلافي ، فإن صرب البوسنة و المدعومين من صربيا و روسيا عاودوا هجومهم عام 1992 و الذي كان يهدف إلى الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي .

في ذلك الوقت ، كان كروات البوسنة في اقليم نوفي ترافنيك و غورني فاكوف قد أعلنوا قيام جمهورية كروات البوسنة ، و حاولوا ما استطاعوا توسيع مناطق سيطرتهم و تطهير تلك الأجزاء من قاطنيها البوشناق المسلمين .

لم يكن العالم في تلك الأثناء يرغب بالتدخل ، إلا أن أحداث سربينتسا و حصار سراييفو أجبر الناتو على القيام بضربات جوية ضد القوات الصربية داخل البوسنة و خارجها .

عام 1994 في شهر مارس تم التوقيع على اتفاقات واشنطن التي أفرزت اتحاد البوسنة و الهرسك ، بين البوشناق و كروات البوسنة ، و في أغسطس من عام 1995 بدأ ضربات الناتو ضد جمهورية صرب البوسنة التي اجبرت على توقيع اتفاق دايتون الذي أنهى الحرب في البوسنة .

أما في الجنوب ، فقد بدأ النزاع مع مسلمي اقليم كوسوفو في فبراير 1998 حيث بدأ جيش تحرير كوسوفا عملياته ضد جيش يوغسلافيا الاتحادية ( و التي كانت تضم صربيا و الجبل الآسود حتى عام 2006 ) جيش تحرير كوسوفا لم يكن وحيداً في معركته ، فقد دعمه الناتو جواً و الجيش الألباني براً و ذلك حتى يونيو 1999 ، حيث وافقت يوغسلافيا على معاهدة كومانوفو و انسحبت تاركة المجال أما إعلان اقليم كوسوفو دولة مستقلة .

لم تتوقف مشاكل الصرب هنا ، ففي 3 يونيو اعلن عن استقلال الجبل الأسود أو مونتينيغرو عن يوغسلافيا التي تلاشت مطلقا ، ليتبني الصرب في بلغراد تسمية جمهورية صربيا و تصبح يوغوسلافيا من التاريخ .

تنهدت دراغانا و قالت و الحزن يعتريها ، كنا أخوة و لن نعود الى ذلك أبداً ، لقد خاننا الكروات و السلوفينيين و أرادوا الاستئثار بإقتصادهم المتنامي ، و أراد المسلمون أن يغلبوا الدين على الأخوة ، و طعننا الألبان في كوسوفو أيضاً ، و حتى أشقائنا في مونتينغرو ، بدأوا يخجلون منا و أرادوا دولتهم الخاصة ، أصبحت يوغسلافيا سبع دول مختلفة الدين و اللغة ، كيف كان يجمعنا تيتو ؟ و هل توقع لنا هذا بعد موته ؟

ابتلعت حرقتي و لم أستطع أن أقول لصديقتي الصربية أننا 22 دولة بلغة واحدة و دين واحد و قومية واحدة و تاريخ مشترك و نفشل حتى بالجلوس على طاولة مفاوضات .

 

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى