روايات و قصص

جلسة رقية

خالد كبير

انطلقت الحكاية من زيارة صفحة مُعدّة بإحدى برامج التواصل الاجتماعي

التي تُروِّج لرّاقي شّرعي، حيث برزت من خلالها قُدرات الشيخ المُتفرِّدة والخارِقة في عِلاج مجموع أعراض الحسد والعين والسحر والمسّ.. واستعرضت من خلالها مواعظه في شفاء المَسحور والمَمسُوس عبر الرُّقية الشرعية والطب البديل، مُقدّماً جُملة من أعراض الإصابة بالجن الذي يدمر حياة الإنسان وعمله وصحته.

انجذبت الأسرة إلى حديث الشاب الملتحي اللَّبق والمسترسل بقوة، ورأت أن الأعراض التي قدمها ودقَّق فيها بصفحته تنطبق إلى حد كبير على بعض أعراض طفلتهم. فعقدوا العزم على الاتصال بمركزه، خاصة أن صفحته الرسمية كانت تعرض أرقامه الهاتفية وبريده الإلكتروني. وهو ما كان فعلاً، أخذوا لهم موعِداً وتم التعامل معهم بكل رُقي ولباقة وأدب.

أبدى شيخنا الراقي اهتمامه بما أصاب الطفلة، مُحاولاً إقناع الأسرة بأنها تعاني مسّاً، وأن جسدها مسكون بجِني شيطاني، ومؤكداً أن حالتها تُعدُّ من ضمن أصعب الحالات التي تتوافد على مركزه العلاجي، في حين اتفق مع الأسرة بعد إقناعهم على توزيع مراحل العلاج الروحاني بالقرآن والأذكار على 3 حصص، وبمبلغ  معين.

بالطابق الأرضي لإحدى فيلات حيٍّ جديدٍ، حلت أسرة الطفلة رقية لزيارة الشيخ الراقي، كانت تتواجد العديد من النساء، نعم العديد من النساء من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، جالسات بالبهو الفسيح للفيلا ينتظرن دورهم للولوج إلى غرفة الشيخ. كان صوت قرآن خافتٌ، بترتيل مشرقي، ينبعث من شاشة التلفاز المسطحة والمعلَّقة بجدار الحائط بمدخل البهو، ورائحة بخور متنوعة كانت تشتدُّ تارة ثم تخفت تارة أخرى .

كانت هذه بمثابة الزيارة الثالثة التي تأتي فيها الأسرة لمقابلة الشيخ الراقي. ورغم أن حالة الطفلة الصبية لم تتحسن بعد، فإن الأسرة ما زالت تعلق الآمال على الحصة المتبقية لطرد الجني الشيطاني الذي تلبس بطفلتهم الصغيرة، وحوّل حياتهم لجحيم، كما أخبرهم الراقي في جلسة الكشف الأولى.

لم يكن من حق الزوج والزوجة الولوج لغرفة الشيخ الراقي صحبة طفلتهم وحضور جلسة الرقية الشرعية، فطقوس طرد الشيطان المتلبس بجسد الطفلة الصغيرة يتطلب الاختلاء بالطفلة حتى يرغمه الشيخ الراقي على المغادرة طوعا أو كرها وتحصين الفتاة بعد انصراف الجني منه بالكامل.

في الحصة الثانية، أخبرت الأسرة الفقيه بأن حالة الطفلة تسوء، وأنها أصبحت تعاني الأرق وأنها لم تعد تنام، وتصرخ كثيراً خاصة بالليل، ليخبرهم الشيخ بكل ثقة، بأن الحل يكمن في إتمام ثلاثة جلسات للرقية؛ حتى يُخرج الجنِّي المتلبس بجسد الطفلة بصفة نهائية، مستعيناً بقدراته وسيطرته عليه.

أُدخلت الطفلة لغرفة الشيخ وهي تصرخ وأقفل الباب ورائها،فرمى الشيخ بيده فوق رأس الفتاة رقية من بعدما قام بتمديد جسدها النحيل البريئ فوق سرير رقيق  مغطى بثوب أبيض مخصص لزواره من المرضى وضع على زربية مبثوثة كانت تغطي كل أرضية الغرفة الرخامية. وصار بعدها الشيخ يرتل عليها آيات الرقية ترتيلا مخشعاً بصوت مجهور وذلك حتى يصرف الشك عن الحضور المتواجد بالبهو بالخارج لكي لا يضنوا سوءا بخصوص ما يقراه على زواره.

وبعد وهلة، امتدت بعدها يد الشيخ نحو مناطق مختلفة وحميمية من جسد الطفلة البريء.. وصار يداعبها..!

فلم يكن بإمكان الطفلة أن تسأله لماذا يقوم بتلك الأمور ؟!مثلما اعتادت أن تفعل بعض الفتيات التي كانت تتردد على فيلا الفقيه للعلاج، حيث كان يكون جواب الراقي دائماً: «أحاول إثارة غيرة الجني العاشق واستفزازه!»

 

خبر عاجل: توفيت طفلة، صباح الثلاثاء 29 أبريل، عندما كانت تخضع لإحدى جلسات الرقية الشرعية..

كشف مصدر إعلامي نسبة إلى مصادر موثوقة :  أن الطفلة رقية البالغة من العمر خمس سنوات، تعرضت لاعتداء جنسي شنيع من طرف الراقي الشرعي الذي  كان يقوم بعملية إخراج الجن الذي يعتقد أنه يسكن جسدها، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة خلال حصة الرقية الشرعية وأشار المصدر ذاته ، إلى أنه تم توقيف المعني بالأمر البالغ من العمر 35 سنة، وجرى وضعه رهن تدبير الحراسة النظرية، قبل عرضه على القضاء ليقول كلمته في النازلة.

 

وأضاف ذات المصدر: أنه لا يحتاج جُلُّ الأشخاص الذين يريدون أن يمارسوا مهنة الرقاة الشرعيين، إلاّ إلى حفظ سُورٍ من القرآن الكريم واستظهار مجموعة من الأدعية والأذكار وإعداد محل لاستقبال المرضى وتخصيص صفحة لإشهارهم على إحدى صفحات برامج التواصل الاجتماعي.

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
زر الذهاب إلى الأعلى