أدب و ثقافة

تعويذة لشيطان الفراق

نافذ سمان

البارحة زارني شيطانُ الفرقة ، ذاك الذي يسكننا كالعتمة في ليالي الجنّ ، و شيئاً فشيئاً ، شدّني إلى تلك الزاوية المُنعزلة ، حيث أشعر أنني وحدي – معكِ هناك ، تكلمنا كثيراً ، و بكينا كعادتنا كثيراً ، سألتكِ بحرقة : هل حقاً خُلقتُ لأكمل بقية عمري من دونكِ ؟ هل حقاً تفنن الله بقلبكِ ليحتضِنَ غيري ؟

يُضنيني شوقي ، و يذبحني الصمت المُعسكر على أناملي ، لا أجرؤ على الكتابة إليكِ حاجتي لك ، يا سيفاً سافر بأحشائي فقسّمني إلى كياناتٍ تقاسم استعمارها خيالك و حبك و ذكراك .

يا طلقة سايرت خلايا الدم فكلما طرق القلب بإسمك قتلني . يا غصّة سكنت حنجرة الروح فكلما أردتُ بوحاً ناحت .

يا ظلاً تملك سمائي فحجب الشمس و حجب القمر و ادّعى أن العتمة سيدة الحزن . أتذكر وداعك ، أتذكر يدك الملوّحة ، رمحاً اقتلع مني القلب .

لأنكِ حبيبتي ، و لأنكِ وحدك الشمس ، لأنكِ وحدك أصل النار و النور ، كانت كلّ النساء كواكباً تدور حولك ، تصطلي من وهجك ، كلّ النساء دونك صخرٌ و دخانٌ و بقايا حرائق .

لأنكِ لي وحدي ، و لأنكِ أرضي و سمائي ، كان الرجال كلهم نيازك يطوشون في رحب الكون ، غاية أمانيهم أن يزوروا مجالك الحيوي ، و لو أدت تلك الزيارة إلى أن يذوبوا و يتركوا خلفهم خطاً غازياً و دخان احتراق و بقايا ذوبان .

قرّرتُ البارحة و للمرّة الأولى منذ انشطارنا ، أن أزور الأماكن التي سبق و طرقتِها بقدميك قبل الرحيل .

وقفتُ هناك مكسوراً ، لطمتني وحدتي ، فعرفتُ لِمَ كانت حواسي تهرب من أسراب الذكريات و لِمَ كنتُ أصوم عن وطء تلك الأماكن سابقاً .

حاولتُ أن ألتصق بقماش كفني الشوكيّ ، حاولتُ إطفاء عيني فلا تنتقلان بتلك السرعة باحثة بين الوجوه عن عسل عينيك . حاولتُ أكثر من مرّة أن أخمد قلبي ، أن أشقّ جسدي لأخرج تلك الروح ، التي كبُرت داخلي و شاخت و آن أوان إطلاقها بعيداً .

البارحة ، عندما زرتُ معبدنا ، لم يكُ لكلماتك تلك النبرة الفرِحة ، و لم تكُ حركاتك باعثة على البسمة ، كانت الدموع تتفتق على خديّ بكثافة استوائية ، و كان الغيظ يمزق أحشائي بساديّة غريبة ، و كان شوقي إليكِ بركاناً يزلزل داخلي كلّ حين و يرمي وجهي بحممه المُحرقة .

آه يا حبيبة ، رمادية الدنيا بعدك و مرّ هو العمر ، و الصبر عدوٌ و شرٌ لا بد منه . تهطل عليّ فكرة أن أقتل نفسي و لكنّي أتراجع سريعاً ، فأنا لا أضمن إن مُتّ أن تبقى لي حريّة التفكير بكِ و الشوق إليكِ ، و ربما لن أتفرّغ ، كما الآن ، لرعاية زهور حبكِ التي غرستِها داخلي قبل الرحيل .

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
زر الذهاب إلى الأعلى