
البارحة زارني شيطانُ الفرقة ، ذاك الذي يسكننا كالعتمة في ليالي الجنّ ، و شيئاً فشيئاً ، شدّني إلى تلك الزاوية المُنعزلة ، حيث أشعر أنني وحدي – معكِ هناك ، تكلمنا كثيراً ، و بكينا كعادتنا كثيراً ، سألتكِ بحرقة : هل حقاً خُلقتُ لأكمل بقية عمري من دونكِ ؟ هل حقاً تفنن الله بقلبكِ ليحتضِنَ غيري ؟
يُضنيني شوقي ، و يذبحني الصمت المُعسكر على أناملي ، لا أجرؤ على الكتابة إليكِ حاجتي لك ، يا سيفاً سافر بأحشائي فقسّمني إلى كياناتٍ تقاسم استعمارها خيالك و حبك و ذكراك .
يا طلقة سايرت خلايا الدم فكلما طرق القلب بإسمك قتلني . يا غصّة سكنت حنجرة الروح فكلما أردتُ بوحاً ناحت .
يا ظلاً تملك سمائي فحجب الشمس و حجب القمر و ادّعى أن العتمة سيدة الحزن . أتذكر وداعك ، أتذكر يدك الملوّحة ، رمحاً اقتلع مني القلب .
لأنكِ حبيبتي ، و لأنكِ وحدك الشمس ، لأنكِ وحدك أصل النار و النور ، كانت كلّ النساء كواكباً تدور حولك ، تصطلي من وهجك ، كلّ النساء دونك صخرٌ و دخانٌ و بقايا حرائق .
لأنكِ لي وحدي ، و لأنكِ أرضي و سمائي ، كان الرجال كلهم نيازك يطوشون في رحب الكون ، غاية أمانيهم أن يزوروا مجالك الحيوي ، و لو أدت تلك الزيارة إلى أن يذوبوا و يتركوا خلفهم خطاً غازياً و دخان احتراق و بقايا ذوبان .
قرّرتُ البارحة و للمرّة الأولى منذ انشطارنا ، أن أزور الأماكن التي سبق و طرقتِها بقدميك قبل الرحيل .
وقفتُ هناك مكسوراً ، لطمتني وحدتي ، فعرفتُ لِمَ كانت حواسي تهرب من أسراب الذكريات و لِمَ كنتُ أصوم عن وطء تلك الأماكن سابقاً .
حاولتُ أن ألتصق بقماش كفني الشوكيّ ، حاولتُ إطفاء عيني فلا تنتقلان بتلك السرعة باحثة بين الوجوه عن عسل عينيك . حاولتُ أكثر من مرّة أن أخمد قلبي ، أن أشقّ جسدي لأخرج تلك الروح ، التي كبُرت داخلي و شاخت و آن أوان إطلاقها بعيداً .
البارحة ، عندما زرتُ معبدنا ، لم يكُ لكلماتك تلك النبرة الفرِحة ، و لم تكُ حركاتك باعثة على البسمة ، كانت الدموع تتفتق على خديّ بكثافة استوائية ، و كان الغيظ يمزق أحشائي بساديّة غريبة ، و كان شوقي إليكِ بركاناً يزلزل داخلي كلّ حين و يرمي وجهي بحممه المُحرقة .
آه يا حبيبة ، رمادية الدنيا بعدك و مرّ هو العمر ، و الصبر عدوٌ و شرٌ لا بد منه . تهطل عليّ فكرة أن أقتل نفسي و لكنّي أتراجع سريعاً ، فأنا لا أضمن إن مُتّ أن تبقى لي حريّة التفكير بكِ و الشوق إليكِ ، و ربما لن أتفرّغ ، كما الآن ، لرعاية زهور حبكِ التي غرستِها داخلي قبل الرحيل .