بين هويدا الدمرداش وحسام عبد العزيز

بقلم: حسام الدين عوض
بادرني بسؤاله: لماذا لاتكتب تعليقا على ماقاله المدون ‘حسام عبد العزيز’ بخصوص الزواج؟ وذلك رداً على دعوات تحريرها وتخبيبها على زوجها من مثل مايصدر من الإعلامية ‘رضوى الشربيني’ ومن الاستشارية ‘هويدا الدمرداش’ وغيرهما! ألا ترى أنه قد استدل في مقاله الأخير بآياتٍ من كتاب الله تعالى ، وبأحاديث نبوية شريفة ، وبأقوالٍ لأهل العلم الذين تلقتهم الأمة بالقبول ومنهم حُفَّاٌظ كبار وأئمة أثباتٌ كالحافظ بن كثير ‘الأثري’ والإمام الرازي ‘الأشعري’ وغيرهما؟ فهل تنكر أنت كل ذلك؟
قلت له: هذا حديثٌ ذو شجون ، والمشكلة فعلاً أكبر بكثير من شخص حسام عبد العزيز ، ومن فكر مشايخ المدرسة الوهابية التي أنتقدها باستمرار .. فما كتبه ليس من بنيات أفكاره ، بل هو ناقلٌ مُقَلِّد أضاف إلى نقولاته عن غيره نكهته المغرقة في ذكوريتها مثلما فعلوا هم جميعاً حين اختلطت لديهم موروثات الثقافة السائدة مع الدين حتى صار كل هذا ديناً واجب الاتباع !
فهل تريدني أن أسلِّمَ لهؤلاء أقوالهم التي تنال من المرأة وتمتهنها وتحتقرها؟ وليس لهم في شئٍ منها مستند واحد من الكتاب أو السنة؟ كقول الحافظ بن كثير في تفسيره تعليقاً على الآية 18 من سورة الزخرف ، قال: “المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحالي منذ تكون طفلة ، وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عيية” انتهى كلامه الذي ليس في الآية الكريمة شئ منه ، ولايعدو إلا أن يكون رأياً شخصياً لايدعمه دليل ولايسنده تأويل! وصدق إمامنا مالك بن أنس حين قال: كلٌ يؤخذ من قوله ويُترك إلا صاحب هذا القبر.
هل تريدني أن أفعل؟ فيما أتِّخذُ القرآن العظيم مهجوراً ، وفيما أتخلى عن سيرة ومسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يضرب بيده شيئاً قط لاخادماً ولا امرأة وكانت نساؤه يغاضبنه ويقاطعنه فلايزيده ذلك إلا أناةً وحلماً ورأفة ورحمة ، ثم هو في خطبة الوداع يوصي بهن قائلاً: “استوصوا بالنساء خيراً”.
وأزيدك من الشعر بيتاً .. بل أبياتا!
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر. قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته ، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم (صارت سمينة) سابقني فسبقني. فقال: “هذه بتلك”!
وهاهي أم المؤمنين عائشة تغار من أم المؤمنين زينب التي أرسلت بصفحة فيها طعام للنبي صلى الله عليه وسلم ، فضربت عائشة الصفحة بيدها فانفلقت في حضرة الصحابة ، فماذا فعل النبي؟ جمع فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام وهو يقول: “غارت أمكم”! ثم أرسل صفحةً أخرى بدل المكسورة لزينب وأسدل الستار على ذلك.
روى أحمد والطبراني بسندهما عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كان رسول الله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزا قد أبدلك الله خيرا منها ، فغضب ثم قال: «والله ما أبدلني خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها الولد دون غيرها».
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس -رضي الله عنه- أنه قَالَ: “إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ”.
وفي الصحيحين عن عائشة ، كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول لها : “إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم”! فمن الذي يرضى ويغضب على من؟
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أيضاً قَالَ: “خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ ، لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ، وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا”.
فكيف تتوقع مني ياصديقي أن أصدِّقَ أن رجلاً راقياً رقيقاً رقراقاً بهذه الأخلاق العظيمة والأداب الرفيعة ، وبهذا القدر من التسامح والتغافر ، ثم هو يأمرُ بتعليق السوط في مكانٍ يراه أهل البيت ، لأن في ذلك تأديباً لهم!
السؤال الهام هنا هو: كيف حدث ذلك؟ كيف تسربت روايات تحقير المرأة إلى تراثنا الإسلامي؟ وهي الروايات التي لا أشك في ضعفها ووهائها وإن أخرجها من أخرجها! الجواب ببساطة: أن خصوم دعوة الإسلام العظيم لم يستطيعوا النيل منه عن طريق ألفاظ القرآن العظيم لأنه قد وصل إلينا عن طريق التواتر الذي يفيد القطع ، ولكنهم قطعوا شوطاً بعيداً في مرادهم حين دسوا مادسوه على السنة المشرفة والسيرة العطرة ، ولايتعلق الأمر بالدسِّ والتحريف فقط ، وإنما تعلق -في بعض الأحايين- بسوء الفهم الذي اختلط بمؤثرات البيئة ومواريث الجاهلية التي جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على إزالة ماتبقى من رواسبها ، إلا أنَّ ذلك كان يلقى مقاومة حتى من بعض الصحابة أنفسهم! وأضرب على ذلك مثالين اثنين:
- حين سمع أبو هريرة رضي الله عنه كلام رسول الله عن الشؤم الذي كان أهل الجاهلية يتعاطونه ونهى عنه الإسلام ، انطلق أبو هريرة يحدث الناس بأن الشؤم في ثلاث ، في المرأة والدار والدابة! وعندما سمعت أم المؤمنين عائشة هذا الخبر غضبت وقالت: والذي نزَّلَ الفرقان على محمد ما قالها رسول الله قط ، إنما قال: (كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك)! المثير للدهشة حقاً أن الإمام البخاري قد أخرج في صحيحه ذلك الخبر في موضعين اثنين : أولاً: في كتاب الجهاد والسير بصيغة “إنما الشؤم في ثلاث” ، ثانياً: ثم عاد ورواه من نفس الطريق “طريق بن عمر” في كتاب النكاح لكن بلفظ “إن كان الشؤم .. ففي ثلاث”! ولستُ أدري كيف لم ينتبه الإمام البخاري على عظيم قدره وجليل منزلته لمثل ذلك؟ وكيف روى نفس الخبر بصيغتين تناقض الأولى معنى الثانية! ثم يأتي الشيخ الألباني (أحد مشايخ السلفية في هذا العصر) ليقول تعليقاً على هذا الخبر: (لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما لكان في هذه الثلاثة ، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا. وعليه فما في بعض الروايات بلفظ “الشؤم في ثلاثة” هو اختصار وتصرف من بعض الرواة ، والله أعلم) انتهى كلامه الذي ينسب فيه التصرف والاختصار للرواة! رغم أن هذا لاهو بالتصرف ولا هو بالاختصار كما يعلمه من له أدنى معرفة باللسان العربي!
- وأما الحديث الآخر (قطع المرأة والكلب للصلاة!) فحين سمعته أم المؤمنين عائشة قالت مخاطبة جيلها من الصحابة: “شبهتمونا بالحُمُر والكلاب ، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة” رواه البخاري
فإذا كان مثل ذلك قد وقع في الجيل الأول (طبقة الصحابة) الذين كانوا يروون عن رسول الله بالمعنى لا باللفظ ، وظلت رواياتهم تنتقل عبر خمسة أجيال حتى وصلت إلى طبقة الرواة الذين أخرجوا تلك الأخبار في كتبهم كلٌ بسنده ، أفلا تتوقع معي أن يكون قد جرى على ذلك ماجرى من السقط والسهو والخطأ وسوء الفهم الممزوج بمؤثرات البيئة كما قلتُ آنفاً؟
أترك الجواب على هذا السؤال لك ، ثم أنتقل بعد هذه المقدمة -التي أرجو أن تسهم في بيان وجه الاضطراب في المسألة برمتها- أنتقل إلى تفنيد ماجاء في موضوع المدون ‘حسام عبد العزيز’ مما أعتبره إسقاطاً في أغلاط ، وذلك في الحلقة القادمة بحول الله وعونه ، فإلى لقاء