
بيتنا القديم❤
في موضع من تلك الأرض التي التصقت بكياني، كان لنا في ما مضى بيت يعجّ بالحركة وبالناس، كأنّه سوق صغير! تصطدم بقصد وعن غير قصد بأناس تعرفهم تمام المعرفة، وتتوق لتحيا بجوراهم أعمارٌ آٌخر، وآخرون لكم وددت أن تنقطع بيننا وبينهم كلّ الصلة!
في كل ركن منه لي حكاية، لي قصة، تساقطت بداخلي مع الأيام كحجارة دون نَظمٍ، تتلاقي حوافّها فتخدش أعماقي لتنحت عليها ذكرى!!
أذكر عندما كان يحين موعد مباريات الكرة الكبرى، كنت أري جدران البيت تضيق بوجوهٍ من كل صنف، رسمت الدنيا على قسماتهم تقلّباتها بإقتدار، جاءوا إلينا يسوقهم إنتماء زائف ليهتفوا محفّزين للاعبين لاهمّ لهم سوي حصد المال!
وسرعان ماتنزل أكواب الشاي للجميع لاتميّز بين صغير وكبير، أو بين مَن يشجّع بحرّقة وبين مَن تحرّكه خيانة صغيرة يتمنى هزيمة الفريق الأصفر!
لكن الذكريات العظيمة كانت لتلك الأيّام التي تنعقد في ساحة بيتنا المتوسطة مجالس ترفع شعار ” الصلح خير!”
آه، ثم آه! لكم رأيت كيف تنحلّ العُقد، ويذهب البأس الشديد الذي كاد يمزّق أحشاء المتنافرين!
اتذكر حينما كانت تحتدم الأمور ويتعالى الصخب وتتشابك الألسن، يأتي صوت أبي وقور حازم فيستبد بالجميع الصمت!
حينها كان يملؤني الغضب، وأصرخ هامسًا بداخلي: ” مالنا بالناس؟! فليتدبّر كل إمرءٍ أمره، أنحن أنبياء ونودّ إصلاح الكون؟!
جاءني الرد بعد أعوام عديدة، حين أعلن النبأ برحيل أبي!
لكم رأيت الدموع في أعين الكثيرين تسبق دمعاتي، ونحيبهم يتعالى كما كان يتعالى صخبهم في حياته، لكن صوته لم يأتِ ليأمرهم بالصمت!
حين أُدخل نعشه، تسابقت الإيادي لحمله علي رؤوسها قبل الأعناق، رأيت حبًا صادقًا يختبئ خلف تلال الحزن الذي عشش فوق الجميع!
حينها آمنت أن الإنسان يمكنه أن يحيا طويلًا بعد موته في قلوب الناس.
برحيل أبي تضعضعت كل الذكريات التي نحتتها الأيام بداخلي عن بيتنا القديم. صرت أعبر أمام أرضه المخضلة بطفولتي والتي تطاول عليها البنيان، بقلب جَلَد!