انتصار الخير ليس حتمياً

بقلم: حسام الدين عوض
دعني أواجهك بأسوأ كوابيسك شؤماً لأقول لك إنَّ النهايات السعيدة التي نُشاهِدُهَا في أفلام السينما ليس لها على أرض الواقعِ ، ولا في وقائع التاريخ ظلٌ واحدٌ من الحقيقة.
الخيرُ لم ينتصر على الشرِّ إلا في محطاتٍ تاريخية محدودة ومعدودة ، أمّا أكثر مراحل التاريخ البشريّ ، فكان السؤدد فيها لمن ملك القوة بصرف النظر عن موقفه تجاه العدل أو حرصه على الانتصار لقيم الحق والخير.
بل ولاتلازم أصلاً بين الخير والنصر ، أو الشر والهزيمة ، ومن قال لك إنَّ الخيرين سوف ينتصرون على الأشرار حتماً ، فقد خدع نفسه قبل أن يخدعك ، لأنه لم يقرأ في صفحات التاريخ شيئاً مذكوراً ، ولم ينظر إلى مآلات الواقعِ إلا بعينٍ رومانسيةٍ حالمة!
هذه الحياةُ التي نحياها لاهي خَيِّرَةٌ ، ولا شريرة ، بل يعيشُ فيها الخيرُ إلى جوار الشرِّ جنباً إلى جنب ، وقد خلقنا اللهُ تعالى ليبلونا بالخير والشر فتنة ، ثم إليه المرجعُ ليَجزِيَ الذين أساءوا بما عملوا ويَجزِيَ الذين أحسنوا بالحُسْنَى.
فإن قال قائل: أين أنت إذن من الوعود القرآنية التي تنشرُ الدِّفء ، وتنثر الطمأنينة في قلوب المؤمنين؟ ألم يقل ربُّنا تباركَ وتَعَالى: (وكانَ حَقّاً علينا نَصرُ المؤمنين)؟ ألم يقل: (إنّا لننصرُ رُسُلَنا والذينَ آمنوا فِي الحَياةِ الدُّنيَا ويومَ يقومُ الأشهاد)؟
قلتُ: هذه الوعود القرآنيةُ مخصوصةٌ بالرسول وأصحابه ممن بذلوا النفس والنفيس وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، حتى أنفذ الله لنبيه ماوعد ، أمّا حملُ الآيات على العموم ، فيعدُّ إسقاطاً في أغلاط للأسباب التالية:
1. لو كان اللهُ تعالى قد تعهّد بنصر الأولياء والأصفياء لكان سبط رسول الله وريحانتُه حقيقاً بهذا النصر الذي لم يحصلُ لا للحسين بن عليّ ولا لعبد الله بن الزبير ولا لسعيد بن جبير ولا لمحمد النفس الزكية ولا لكلِّ من جاء بعدَهُم ممن حملوا لواء الإصلاح ، ورفضوا أن يكون أمرُ المسلمين دُولَةً بين الأغنياء بعد أن كان شورى بينهم.
2. لايصحُّ لجماعةٍ أو مجموعةٍ أن تحتكرَ الحقَّ لتحصُرَهُ في جانِبِها فيما تخلعُ على خصومِهَا نُعوتَ الباطل ، زاعمةً أنّ الله سوف ينصرُها تأسيساً على الإسقاط الخاطئ للآيات القرآنية التي تساقُ في غير مساراتِها ، وباستخدام التوظيف المغلوط الذي يجرِّدُ النصوص الشرعية من سياقاتها وظروفها وشخوصها.
3. صحيحٌ أنَّ الله تعالى يكرهُ الشرَّ ويحبُّ للناسِ الخير ، لكنّه لم يَعِدْ أحداً بنصر لمجرَّد كونِهِ مع الخيرين أو من الطيبين!
ما يعنيني كإنسانٍ قبل كوني مُسلِماً أن أكون في صفِّ الخير ، أن أنحاز إلى المظلوم ، ألاّ أركن إلى ظالم ، وإن عجزتُ عن قولِ الحق ، فليس أقل من الصوم عن التصفيق للباطل مهما انتفش وانتفخ ومهما قويت شوكتُه أو علت رايتُه.
والأمر -ياسيدي- قديمٌ قدم وجود الإنسان نفسه على الأرض! قال هابيل لأخيه قابيل: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) .. ماهذا ياهابيل!! أوتترك الشرّ يفوز ليحكم ويتحكم؟ فيأتي الجواب القاطع: عذراً! ولكنَّ معاييري الأخلاقية تمنعني من سلوك مسلكك! (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) .. كان الإمام عليّ بن أبي طالب يحمل نفس هذه المعايير الأخلاقية التي تمنعه من ممارسة الغدر والخداع والتلاعب والكذب! الإمام الحسن تنازل طواعيةً عن الخلافة لأنَّ حرصه على حقن دماء المسلمين كان أكبر من حرص خصمه على السلطة! والإمام الحسين ثار وهو يتوقع خذلان شيعته له حتى لايأتي اليوم الذي يُقال فيه: إن ابن بنت رسول الله كان شيطاناً أخرس ، تهيَّب أن يقول للظالم: ياظالم!
وفي الحالات الثلاث .. انتصر بنو أمية ليحكموا 90 سنة! ولم ينتصر الخير! بل هكذا كانت معظم فترات التاريخ! لم يتسيّد فيها سوى الظلمة والفسدة ، والحالات الأخرى هي الاستثناء العابر الذي لايمثل القاعدة لأنَّ امتلاك القوة القاهرة مرهونٌ -في الغالب- بانتهاك القيم الأخلاقية النبيلة!
بل وليس مطلوباً من الخيرين أن ينتصروا على الأشرار أصلاً! المطلوب منهم أن يتمسكوا بقيمهم وأن يتحاكموا إليها ولايتخلوا عنها ليركنوا -ولو مجرد ركون- إلى الظالمين.