
في ثلاث سنوات رسم 34 لوحة لنفسه …كل صورة مختلفة عن الأخرى لكن التركيز الأكبر على ملامح وجهه
وذلك في فترة قلة مال وعدم وجود موديل لرسمه …
?قطع أذنه وأهداها لاحقًا لبائعة هوى كان على علاقة بها
? من ضمن مقولاته …
أتمنى أن يقبلوني كما أنا
قد نجد نار عظيمة في أرواحنا لكن لا يأتي أحد ليستدفىء بها ومن يمرون بنا لا يرون إلا خيطًا رفيعًا من الدخان
إن الحزن يدوم للأبد
الحب أبدي قد يتغير مظهره لكن جوهره لا يتغير
كيف تكون الحياة إذا لم نملك القدرة على المحاولة
أنا أضع عقلي وروحي في عملي وقد فقدت عقلي بسبب ذلك ….
من هو … …
هو “فينسنت ويليام فان جوخ” الرسام الهولندي الأصل
ولد في 30 مارس 1853 ولد أخ له قبله بعام لكنه ولد متوفى وتمت تسميته على نفس اسم أخيه المتوفي، والده كان قسيس بالكنيسة ، وهو طفل لاحظوا انعزاله الشديد كما لاحظوا أنه لا يحب أن ينظر له أحد ولا أن يقترب منه أو يلمسه أحد
يعتقدون الآن أنه مصاب بأحد حالات التوحد البسيطة
أمَّا في وقته شخصت حالته باحتمالية اصابته بحالات صرع او حالات نفسية مختلفة كالفصام لكن لا شيئ مؤكد تماما عنه….
ترك دراسته في سن الخامسة عشر ولم يكملها أبدا
عمل كتاجر فن مثل أعمامه مع شركة تدعى چوبل ونجح نوعًا ما فى مجاله
بعد فترة انتقل لفرع الشركة بلندن وتعرف على شابة اسمها يوجين تعيش مع والدتها اورسولا وتعلق لفترة تعلق عاطفي بالأم وصرح لها لكنها سخرت من حبه مما أدخله في صدمة عاطفية شديدة
فترة وجوده في لندن سمحت له برؤية المتاحف الفنية المختلفة هناك وانجذب للكتاب البريطانين مثل تشارلز دكنز بعد فترة ترك الشركة لبعض الخلافات وبسبب صدمته العاطفية أصيب بشبه لوثة دينية وتعمق في الدين أكتر لدرجة التشدد …وظنوا أنه سيتجه لاتجاه والده
وراح يدرس فى مدرسة احد القساوسة وأصبح مسؤلا عن 24 طفل أعمارهم مابين 10 و 12 سنة
حاول بعدها أن يتحول لرجل دين تمامًا كوالده لكنه لم ينجح في ذلك رغم كل الدروس التي حصل عليها ….
حاول أن يلتحق بالجامعة لدراسة علم اللاهوت لكن بسبب قلة براعته اجبر على تركها
اعتادعلى قول أن تلك الفترة هي أسوء فترات حياته
لكنه لم يكن يعلم أن الأسوأ قادم
بعد ذلك فشل فى التأهيل للمدرسة التبشيرية لكن الكنيسة اوصت بذهابه لمنطقة المناجم و هناك ارتبط جدا بعمال المناجم
وبدأ يمنح ملابسه وطعامه للفقراء المكلف بعنايتهم من قبل الكنيسة وحاول علي قدر إمكانه أن يخفف عنهم صعوبة المعيشة والمكان؛ لكن تم طرده رغم ذلك من منصبه من قبل الكنيسة لاختلافات عقائدية …
رفض ترك المكان وانتقل لمكان مجاور لهم وحاول أن يستمر في المساعدة لكن إمكانياته أصبحت ضعيفة فلم يستطع استكمال المسيرة في مساعدتهم
لدرجة أنه حين أراد أن يزور صديقه العزيز الرسام
(جولز بريتون ) لم يكن معه سوى 10 فرنكات فاضطر لأن يمشي لمسافة كبيرة
حوالي سبعين كيلو وعندما وصل لم يستطع أن يطرق علي بابه خجلا منه ومن ضيق الحال فعاد مرة أخرى لمكانه
قرر بعدها أن يصبح فنان
بعد عام من الفقر الذي احكم رباطه علي حياته
ذهب عام 1880 لبروكسل ليبدأ دراسات فنيه تساعده علي مايصبوا له وساعده في ذلك
اخوه ثيو الذي منحه النقود اللازمة لذلك كي يحقق حلمه والذي ظل لنهاية عنر فان جوخ يسانده ماديا
المسافات الشاسعة بينهما لم تمنع تلاقي روحيهما فتعدت الرسائل بينهما
700 رسالة
ومن هذه الرسائل وحدها علم المؤرخين عن حياته وعرفوها كاملة فهي تحكي بالتفاصيل عنه
درس الفن فى مدرسة (اكول دى ارت) وأكمل بعدها دراسته بمفرده من الكتب …وفى الصيف عاد ليعيش مع والده ووالدته مرة أخرى
فتعرف على بنت عمه الأرملة التي تربي ابنها وحينما طلب الزواج منها رفضت
زارها في أحد ليالي اشتياقه لها ووضع كف يده علي نار المصباح قائلا اترموني اراها علي قدر احتمالي لتلك النار لكن والدها اطفأ النار ورفضه مرة أخرى
فتركهم وهو يشعر بالمهانة والذل وعدم تشجيع الأهل أو مساندتهم مما اكسبه صدمة عاطفية ونفسية أخرى
فيما عادا
ابن عمه ( موف) الرسام الناجح فى لاهاى انذاك والذي منحه اول مجموعاته للالوان و بدا يستخدمها لأول مرة
وشجعه اكثر حينما لمح في خطوطه موهبة فأعجب بفنه أكثر…
حدث بينهما خلاف حاد حينما تعرف فان جوخ على بائعة هوى اسمها( سين )و اقام معها علاقة
وهي حامل بطفلها الثاني والذي هو بالطبع ليس منه، عاش معها عام ونص امتلأت لوحاته خلال تلك الفترة باليأس والحزن
كما هي حياته مع سين رغم انه قد رسم لها عدة لوحات مختلفة تركها عام
1882 بعد مشاكل كثيرة جدا و بدأ يرسم بالزيت وترك لاهاى وسافر لدرينتى فى هولاندا وعاش حياه البداوة ورسم المناظر الطبيعيه و السكان
ثم عاد لبيت ابويه مرة ثالثة وانشغل بالرسم تماما
فى تلك المرحلة عشقته فتاة اسمها مارجوت بيجمان
كانت تعشقه لدرجه انها حاولة الانتحار بالسم من أجله
وحينما علم ذلك انزعج جدا لم يكن يتصور حدوث ذلك بسببه مما أثر علي حالته النفسية فترة كبيرة في تلك الاثناء توفي والده لم يكن يكرهه لكن ثمة انفصال نفسي بينهما ومشاكل جمة مما جعل موته لا يؤثر عليه كثيرا وباشر اعماله بعد فترة قليلة من وفاته
رسم لوحة اسمها آكلوا البطاطا و لاقت نجاحا كبيرا جدا وثناء من الجميع الا من صديق له رسام اسمه (انتون فان رابارد) اللى هاجمه عليها بشدة مما أدي لقطع علاقاتهم نهائيا لان( فان )لم يكن يحب ان ينتقد أحد اعماله ولا يتقبل النقد
ولانه تاثر كثير باكلوا البطاطا وروي لثيو عنهم في خطاباته ورغم ذلك كان سعيدا نوعا ما بما حققه ووصل له في تلك المرحلة
وحاول دوما تطوير نفسه وتعزيز موهبته بدراسة الفن والرسم أكثر وتحسين أوضاعه
سنة 1886 اقنع اخوه ثيو برحيله ليعيش في باريس و لا يوجد مؤرخ عنده اى فكرة واضحه بالتحديد عن عامان عاشهما هناك بالتفصيل
لانهم كما قلنا استقوا تاريخه كله من رسائله بينه و بين اخوه ثيو و التي انقطعت فى السنتين المذكورتين لكن علي المستوى الفني كانوا مثمرتين جدا فنيا …
وكما ذكر ان اخيه ثيو معروف بحبه للفن وتاجر فن فبالتالي عرف فان جوخ بذلك أيضا وتعرف علي
ألكسندر ريد – تاجر الفن الشاب آنذاك- واشتركا في السكن معا لمدة ستة أشهر.
وللمصادفة الرجلان يشبهان بعضهما البعض كثيرا حتى ظن الكثيرون أنهما توأم، خاصة بعد أن جمعتهما علاقة صداقة قوية، وفي تلك الفترة رسم فان جوخ لوحتين؛ واحدة لصديقه، والأخرى طبيعة صامتة لسلة تفاح.
وعاد ريد في عام 1889 إلى غلاسكو، إذ إن صداقته مع الرسام انتهت عندما حاول جوخ إقناعه بالدخول في اتفاق انتحاري، وحكى ريد لوالده ما حدث، فاعتقد والد ألكسندر ريد، الذي كان أيضا تاجر فني، أن لوحات فان جوخ فظائع كارثية ويجب بيعها في أول فرصة، ولهذا بيعت اللوحة في أوائل 1890 مقابل 10 جنيهات إسترليني إلى تاجر فرنسي
حينها أصر فان ان ينتقل ليعيش مع ثيو اخوه ليقلل المصروفات و ليتفرغ للرسم لكن القرب المكاني بينهما جعل للعديد من المشاكل بينهما سبيل كما ان فان جوخ ينتابه اكتئاب حاد في فصل الشتاء مما اثر اكثر علي علاقتهما معا فترك باريس بعدها و رحل للجنوب فى 1888 لانه يكره المدن الكبيرة و صخبها ظهر ذلك على لوحاته بمزيد من الاكتئاب والالوان القاتمة
عندما هل الصيف ودفئها رسم سلسلة من اللوحات الرائعه واصبح اكثر سعاده واكثر انتاجا
فى مايو لنفس العام حجز غرفة فى مكان اسمه دى لا غار و اجر بيت اسمه البيت الاصفر ليضع فيه لوحاته ثم فى سبتمبر انتقل للبيت الأصفر واستقر فيه
صاحب الرسام (بول غوغان) وطلب منه أن ينتقل معه للمنزل لكن الماديات منعت ذلك…
بعدها توفى عم فان جوخ وترك له تركة جعلته يستطيع أن يرسل لغوغان ويأتي به للعيش معه علي نفقته
مما جعل بعض المؤرخين يلقوا اتهاما بوجود علاقة غير سوية بينهما لكن لم يؤكدها أي منهما او من المؤرخين أبدا
و كما المعتاد تقلباته النفسيه الكبيرة جدا وعلاقاته النسائية الكثيرة أيضا زادت في تلك الفترة لدرجة كبيرة كما ان الرسامين لم ينسجما ابدا معا فزادت مشاكلهما لدرجة كبيرة وازدادت معها هستيرية ڤان وتقلباته
((حادثة قطع أذنه))
قامت خناقه ما بينه و بين بول غوغان فقطع فان جوخ أذنه بشفرة حلاقة ( وفى مقولة اخرى تقول ان بول غوغان هو الذي قطع أذن فان جوخ واخفى فان ذلك ولم يتهمه )
ذهب بعدها للمستشفى للعلاج وحجز هناك فترة لفقدانه الكثير من الدماء
وخرج بعد علاجه ليكمل رسم أحلى أعماله الفنية
لكن مشاكله المادية طغت عل حياته مرة أخرى
مما جعل حالته النفسية تسوء ويدخل في حالة اكتئاب جديدة فتخيل انه مسمم وذهب للمستشفى بنفسه لمدة
10 ايام ثم عاد للبيت الاصفر….
لكن بعض سكان المكان من حوله تملكهم الخوف منه ومن غرابة اطواره وحالات اكتئابه الغير مبررة فأرسلوا للمستشفى اوراق بامضاءتهم انه يستوجب عليه ملازمة المستشفى النفسي
وبالفعل دخلها لمدة ست اسابيع ثم خرج منها لكن بعد فترة ومناقشات مع اخيه ثيو وافق علي الرحوع لها مرة اخرى بارادته
وذلك لما شعر ثيو منه باضراب شديد وعدم استقرار نفسي شخصوا حالته هناك بالصرع مع اكتئاب نفسي شديد
ومع ذلك
رسم هناك افضل لوحاته اسماها ليلة النجوم والتي نجحت نجاح هائل لكن رغم ذلك اعتبرها فاشلة…
اصيب هناك بحاله نفسية شديده وغريبة فحاول ابتلاع لوحاته
فمنعوه عن الرسم الشيئ الذي اثر عليه بالسلب اكتر وبعد ما تحسن قليلا
سمح له الاطباء بالرسم و ارسل رسالة لثيو يخبره بحالته وانه يشعر بالتحسن
فى 1889 احتجز نفسه في حجرته بالمستشفى شهرين و لم يغادرها ابدا وبعدها تغلب على مخاوفه و خرج و انتج لوحات كثيرة من داخل المستشفى و قرر بعدها تركها للابد
وفى هذه الاثناء انضم لمعرض فى بروكسل عرض ست من اعماله و تحسن تحسن ملحوظ سواء نفسيا او فنيا..
الشهور الاولى من سنه 1890 هى اسوأ السنين فى عمره وحالته اليائسة بالفعل…
شعر معها ثيو بأن ذهاب اخيه لباريس حتمي ليلاحظة دكتور (غاتشي) لكن فان الكاره للمدن شعر بالاجهاد من تواجده بباريس
فتركها وذهب اوفير سور اوايز …وسكن فى حجرة صغيره ملك اثر رافو وممايثير العجب انه سعد حدا بالمكان الصغير و انتج لوح مؤثرة فى تاريخه مثل لوحات الدكتور غاتشى و الكنيسة اوفيرس…
1890 عانى من نوبات نفسية شديده جدا و ارسل لاخوه ثيو رسالته الانتحارية المشهورة
ثم
اطلق الرصاص على صدره يوم الاحد 27 يوليو 1890
وذهب لحجرته لدى رافو و هو يترنح ووقع علي السرير دون ان يتوفى…اتصل رافو بدكتور غاتشى و دكتور آخر و قررو عدم امكانية ازالة الرصاصة وعدم جدوى عملية كهذه.
ارسلوا لاخوه كي يحضر فلم يستطع الحضور سوى عصر اليوم الثاني
جلس جواره في لحظاته الأخيرة
وذكر ثيو ان فان كان يريد ان يموت بنفسه وقال جملته الشهيرة
الحزن يدوم للابد
بعدها يوم 29 يوليو توفى
رفضت الكنيسة الكاثوليكيه فى اوفيرس دفنه لانه منتحر
لكن مدينة ميرى القريبة منهم وافقو و اقامو الجنازة يوم 30 يوليو
لتنتهى ماساة رجل ما لم نعلم عظمته الا بعد موته
هكذا هم العظماء….
الحزن يدوم للابد….
30 مارس 1853 هولاندا __ 29 يوليو 1890 فرنسا عن 37 عام
فينسنت وليام فان جوخ
واليكم رسالة انتحاره الاخيرة
“عزيزي ثيو:
إلى أين تمضي الحياة بي؟ ما الذي يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة…
… إنني أتعفن مللا لولا ريشتي وألواني هذه، أعيد بها خلق الأشياء من جديد.. كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن.. ماذا أصنع؟ أريد أن أبتكر خطوطا وألوانا جديدة، غير تلك التي يتعثر بصرنا بها كل يوم.
كل الألوان القديمة لها بريق حزين في قلبي. هل هي كذلك في الطبيعة أم أن عيني مريضتان؟ ها أنا أعيد رسمها كما أقدح النار الكامنة فيها.
في قلب المأساة ثمة خطوط من البهجة أريد لألواني أن تظهرها، في حقول “الغربان” وسنابل القمح بأعناقها الملوية. وحتى “حذاء الفلاح” الذي يرشح بؤسا ثمة فرح ما أريد أن أقبض عليه بواسطة اللون والحركة… للأشياء القبيحة خصوصية فنية قد لا نجدها في الأشياء الجميلة وعين الفنان لا تخطئ ذلك.
اليوم رسمت صورتي الشخصية ففي كل صباح، عندما أنظر إلى المرآة أقول لنفسي:
أيها الوجه المكرر، يا وجه فانسان القبيح، لماذا لا تتجدد؟
أبصق في المرآة وأخرج …
واليوم قمت بتشكيل وجهي من جديد، لا كما أرادته الطبيعة، بل كما أريده أن يكون:
عينان ذئبيتان بلا قرار. وجه أخضر ولحية كألسنة النار. كانت الأذن في اللوحة ناشزة لا حاجة بي إليها. أمسكت الريشة، أقصد موس الحلاقة وأزلتها.. يظهر أن الأمر اختلط علي، بين رأسي خارج اللوحة وداخلها… حسنا ماذا سأفعل بتلك الكتلة اللحمية؟
أرسلتها إلى المرأة التي لم تعرف قيمتي وظننت أني أحبها.. لا بأس فلتجتمع الزوائد مع بعضها.. إليك أذني أيتها المرأة الثرثارة، تحدثي إليها… الآن أستطيع أن أسمع وأرى بأصابعي. بل إن إصبعي السادس “الريشة” لتستطيع أكثر من ذلك: إنها ترقص وتب وتداعب بشرة اللوحة…
أجلس متأملاً :
لقد شاخ العالم وكثرت تجاعيده وبدأ وجه اللوحة يسترخي أكثر… آه يا إلهي ماذا باستطاعتي أن أفعل قبل أن يهبط الليل فوق برج الروح؟ الفرشاة. الألوان. و… بسرعة أتداركه: ضربات مستقيمة وقصيرة. حادة ورشيقة..ألواني واضحة وبدائية. أصفر أزرق أحمر.. أريد أن أعيد الأشياء إلى عفويتها كما لو أن العالم قد خرج تواً من بيضته الكونية الأولى.
مازلت أذكر:
كان الوقت غسقا أو ما بعد الغسق وقبل الفجر. اللون الليلكي يبلل خط الأفق… آه من رعشة الليلكي. عندما كنا نخرج إلى البستان لنسرق التوت البري. كنت مستقراً في جوف الشجرة أراقب دودة خضراء وصفراء بينما “أورسولا” الأكثر شقاوة تقفز بابتهاج بين الأغصان وفجأة اختل توازنها وهوت. ارتعش صدري قبل أن تتعلق بعنقي مستنجدة. ضممتها إلي وهي تتنفس مثل ظبي مذعور… ولما تناءت عني كانت حبة توت قد تركت رحيقها الليلكي على بياض قميصي.. منذ ذلك اليوم، عندما كنت في الثانية عشرة وأنا أحس رحيقها الليلكي على بياض قميصي.. منذ ذلك اليوم، عندما كنت في الثانية عشرة وأنا أحس بأن سعادة ستغمرني لو أن ثقباً ليلكياً انفتح في صدري ليتدفق البياض… يا لرعشة الليلكي …
الفكرة تلح علي كثيراً فهل أستطيع ألا أفعل؟ كامن في زهرة عباد الشمس، أيها اللون الأصفر يا أنا. أمتص من شعاع هذا الكوكب البهيج. أحدق وأحدق في عين الشمس حيث روح الكون حتى تحرقني عيناي.
شيئان يحركان روحي: التحديق بالشمس، وفي الموت.. أريد أن أسافر في النجوم وهذا البائس جسدي يعيقني! متى سنمضي، نحن أبناء الأرض، حاملين مناديلنا المدماة ..
– ولكن إلى أين؟
– إلى الحلم طبعاً.
أمس رسمت زهوراً بلون الطين بعدما زرعت نفسي في التراب، وكانت السنابل خضراء وصفراء تنمو على مساحة رأسي وغربان الذاكرة تطير بلا هواء. سنابل قمح وغربان. غربان وقمح… الغربان تنقر في دماغي. غاق… غاق.. كل شيء حلم. هباء أحلام، وريشة التراب تخدعنا في كل حين.. قريباً سأعيد أمانة التراب، وأطلق العصفور من صدري نحو بلاد الشمس.. آه أيتها السنونو سأفتح لك القفص بهذا المسدس:
القرمزي يسيل. دم أم النار؟
غليوني يشتعل:
الأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادي. للرمادي احتمالات لا تنتهي: رمادي أحمر، رمادي أزرق، رمادي أخضر. التبغ يحترق والحياة تنسرب. للرماد طعم مر بالعادة نألفه، ثم ندمنه، كالحياة تماماً: كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقا بها… لأجل ذلك أغادرها في أوج اشتعالي.. ولكن لماذا؟! إنه الإخفاق مرة أخرى. لن ينتهي البؤس أبداً…
وداعاً يا ثيو، “سأغادر نحو الربيع”.
( تم كتابة المقال بعد البحث في حياة فان جوخ والاطلاع علي جوانب حياته جميعها مع التركيز علي الجوانب النفسية والعاطفية فيها فقط )
نهاد كراره
سلسلة انتحار المشاهير